مصر: إعمار غزة والدور القومي

اشرف-العجرمي.jpeg
حجم الخط

بقلم: أشرف العجرمي

كانت المبادرة المصرية التي أعقبت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة في شهر أيار الماضي لافتة للنظر. وهذا لا يتعلق أبداً بدور مصر التاريخي بل بالإمكانات المادية لدى الشقيقة مصر. فالدور المصري رافق الفلسطينيين وقضيتهم منذ أن بدأ الصراع مع الحركة الصهيونية وحتى يومنا هذا. وكان ذا أثر ملموس وحيوي في كل الحروب التي خاضتها غزة مع إسرائيل. وكل عمليات وقف إطلاق النار والتهدئة والشروط المرتبطة بها تمت بدور ووساطة مصرية غالباً ما كانت وحيدة. حتى صفقة تبادل الأسرى التي جرت بين حركة حماس وإسرائيل في تشرين الأول من العام 2011، كانت برعاية ووساطة مصريتين. ومصر على كل المستويات تشعر وتمارس دورها تجاه القضية الفلسطينية من منطلق قومي والتزام ثابت.
والمبادرة لتقديم الدعم وإعادة الإعمار في غزة بقيمة 500 مليون دولار كانت مفاجئة ليس فقط للفلسطينيين بل لأطراف عديدة. وطرحت تساؤلات كثيرة حول قدرة مصر على توفير مثل هذا المبلغ وهي في خضم عملية بناء ضخمة تشهدها، وبحاجة لكل مبلغ أو دعم.
لكي ندرك ماذا يقف وراء هذه المبادرة لا بد أن نلقي الضوء على النهضة التي تمر بها مصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي والتي هي بكل المقاييس غير مسبوقة في العقود الأخيرة من تاريخ هذا البلد العريق والعظيم. فالسنوات السبع الماضية التي بدأت بعد تولي الرئيس السيسي شهدت إطلاق مشاريع تنموية ضخمة للغاية غيرت وجه مصر وبدأت آثارها تظهر جلية في كل ربوع مصر وفي كل المجالات والميادين، وستنعكس على جودة ومستوى الحياة خلال السنوات القليلة القادمة بصورة ملموسة بحيث تضع مصر في مصاف الدول المتقدمة والمزدهرة على مستوى العالم بعدما كانت في وضع ليس جيداً إن لم يكن بائساً.
وفقط تتبع بعض المشاريع الهائلة يمكن أن يعطينا مؤشرات صحيحة حول الاتجاه التي تسير مصر نحوه في هذه الحقبة. وأغلبها في مجالات البنية التحتية والتطوير الزراعي والصناعي. ومن هذه المشاريع على سبيل المثال: مشروع قناة السويس الجديدة، والمنطقة الصناعية في القناة التي يراد منها تحويل مصر إلى مركز تجاري ولوجستي عالمي. وتطوير النقل بشق وتوسيع الطرق والجسور والسكة الحديدية والموانئ والمطارات. ومن يزور مصر هذه الأيام سيلاحظ الفرق في شبكة المواصلات وسرعة الوصول إلى مختلف الأماكن. وعندما تنشئ مصر 5 مطارات جديدة فهذا شيء ليس عادياً دون شك. وأيضاً إنشاء المدن والتجمعات السكانية الجديدة، مثل العاصمة الإدارية، بما فيها المدن الصناعية الجديدة. كما أنها قضت على التجمعات العشوائية من خلال إعادة توطين سكانها في تجمعات نظامية. ومشروعات الاستصلاح الزراعي في الريف ومشاريع المياه والكهرباء، والضمان الاجتماعي والصحة والأهم في مجال التربية والتعليم والتحديث الكبير الذي جرى في هذا الحقل. كما انخفض معدل الفقر في مصر لأول مرة منذ حوالي 20 عاماً إلى 29.7%. وارتفع معدل النمو لتحتل مصر ثاني أكبر معدل على مستوى العالم في العام 2020. وهي بذلك تجاوزت توقعات البنك الدولي.
ونجحت مصر في حربها ضد الإرهاب الذي تنفذه الجماعات الإسلامية المتطرفة وانخفض منسوب العمليات بصورة كبيرة جداً، واستعادت الاستقرار وثقة المجتمع الدولي. كما نجحت في بناء وتطوير قدراتها العسكرية بشكل ملموس بعدما قرر الرئيس السيسي تنويع مصادر التسليح وعدم الاعتماد فقط على الولايات المتحدة. وإذا كان الجيش المصري قد تم تصنيفه في المرتبة 13 على مستوى العالم في هذا العام، فمن المتوقع أن يتقدم نحو مواقع متقدمة بعد عملية التطوير والتحديث التي يمر بها وتشمل الطائرات والصواريخ والغواصات وحاملات الطائرات وكل أنواع الأسلحة المتطورة من الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وألمانيا وغيرها. وهو يمتلك عقيدة قومية لا تتغير بصرف النظر عن الظرف السياسي.
وتعمل مصر على استعادة التضامن العربي وإعادة الاعتبار للدول المركزية وخاصة العراق وسورية. ولعل القمة الثلاثية التي جرت في بغداد التي ضمت كلا من مصر والعراق والأردن مؤشر للتوجهات المصرية. يضاف إليها خط الغاز من مصر إلى لبنان عبر الأردن وسورية. ومحاولات مصر الحثيثة وإصرارها على حماية وحدة الأراضي السورية والليبية وعودة هذين البلدين لتبوؤ موقعهما في الإطار العربي الرسمي مع التأكيد على رفض كل أشكال التدخل الخارجي في الشؤون العربية الداخلية.
وعليه يخطئ من يتعامل مع مصر في إطارها الجغرافي فقط وربط العلاقة معها في إطار حدودها مع قطاع غزة ودورها هناك، فمصر القوة العربية الأولى والضمانة للأمن القومي العربي، ودخولها على خط إعمار غزة جاء من منطلق الإحساس بالمسؤولية القومية وممارسة الدور القيادي في مختلف محاور القضية الفلسطينية والقضايا القومية العربية عموماً. ونحن فعلياً بحاجة لهذا الدور المصري حاجتنا لأمننا ومصالحنا الوطنية وللحاضنة العربية التي لا تبخل في تقديم الغالي والنفيس من أجل فلسطين.