أطلقت سلطة المياه الفلسطينية في نوفمبر عام 2017 مشروع المحطة المركزية لمياه قطاع غزة، من أجل تحسين خدمة وجودة المياه التي تصل منازل الغزيين، لكنها في نفس الوقت لم تستشِر المؤسسات المحلية والدولية العاملة بقطاع المياه، ولم تُعر رفضهم للمشروع أي انتباه، في ظل الغموض الذي يلوح حول ضمان عمل واستمرارية المشروع، كذلك تفاصيل منشأت ومقومات له لا يمكن عملها في غزة بناءً على دراسات موثقة.
بدء إنشاء مشروع محطة مياه غزة المركزية منذ أربع سنوات، افتتحت المرحلة الاولى والثانية لغاية اللحظة مع احتمالية عملها بالكامل بعد عامين، تبلغ قيمة المشروع 526.3 مليون يورو، ركزت على معالجة مياه البحر وتحويلها لمياه صالحة للاستخدام فقط، في حين أن التكلفة بناءً على التشغيل المذكور يصل بيع كوب المياه الواحد لسبعة شواقل "2.2 دولار أمريكي".
لكن على أرض الواقع فإن قطاع غزة يحصل على مياه من شركة المياه الاسرائيلية "مكوروت"بسعر 3.6 شيقل "1.1 دولار أمريكي" للكوب الواحد وهي مياه صالحة للشرب/للاستخدام، ورغمًا عن المطالب بتغيير مسار المشروع لتعزيز قدرات قطاع غزة في تمكين البنى التحتية لاستخدامات المياه الجوفية وتحسين قدرات الخزانات على استيعابها الا ان سلطة المياه لم ترضح لكل الضغوطات والمطالب من المؤسسات العاملة في قطاع المياه.
دراسة غير منطقية واعتراض
اعتمدت سلطة المياه الفلسطينية على دراسة "المقارنة للخيارات إمدادات إضافية من المياه لقطاع غزة" أجريت عام 2011 من خلال فريق فني من دولة ناميبيا، تتبنى مشروع يمكن عمله في قطاع غزة دون الأخذ بالمعوقات والواقع الاجتماعي والإنساني الذي يعيشه الغزّيين.
اعتبر الاستشاري في مشاريع وقضايا المياه خالد المزيني بأن نقطة الضعف تمت من خلال تزويد سلطة المياه الفلسطينية لفريق الدراسة الخيارات مطروحة من طرفهم، وتمت الدراسة داخل مكتب استشاري ودراستها من جوانب فنية واجتماعية بدون مشاركة من مؤسسات محلية، وهو ما ذكرته الدراسة المنشورة في الصفحة 12 من الدراسة.
نشر ائتلاف مجموعة الطوارئ للمياه والصرف الصحي والنظافة (EWASH) - وهو ائتلاف من حوالي 30 منظمة ومؤسسة عاملة في قضايا المياه في الأراضي الفلسطينية المحتلة- في مارس عام 2014 ورقة تعبير عن رفضهم للمشروع والتعبير عن مخاوفهم بشأن إنشاء المحطة.
وذكرت فيها: "في حين أن تحلية مياه البحر ستخفف معاناة الفلسطينيين في غزة حال توفرت كافة الظروف والحلول لتحسينها مع مرور السنوات، لكنه سيقلل ذلك من الضغط على إسرائيل للامتثال للقانون الدولي، وتحلية مياه البحر هي حل مؤقت يشرعن الإسرائيليين من الاستمرار بالاحتلال، ويضعف المطالب الفلسطينية بمواردها المائية".
وبيّنت دراسة أجرتها منظمة اليونيسيف بعنوان "دراسة جدوى التصميم والاشراف على الجزء الثاني من محطة تحلية قليلة الإنتاج وقصيرة الأجل في المحافظة الجنوبية، أن تكلفة كهرباء الشركة يصل 0.6 شيكل، وبذلك سعر الكوب 2.3 شيكل للكوب، لكن حسب المولدات التي يصل سعر الكيلو وات فيها إلى 1.8 شيكل للكيلو فإن سعر الكوب الواحد 7 شواكل، وهو ما ينطبق على مشروع المحطة المركزية الجديدة، وبذلك فإنها لا تعالج أيًا من مشاكل المياه في غزة.
الارتباط بالخط الإسرائيلي مشكلة
تعتمد المحطة على إنشاء محطة توليد كهرباء خاصة فيها لكن مع استيراد السولار كحال محطة توليد الكهرباء في غزة، كذلك الاعتماد على الطاقة الشمسية ببناء ألواح شمسية على مساحة 100 دونم، وكذلك مطاحن هواء لتوليد الكهرباء، لكنها في نفس الوقت أعلنت سلطة المياه الفلسطينية عن خطة المشروع هو من أجل استقلالية عن الطرف الاسرائيلي، في حين أنها ذكرت الاعتماد على خط الإسرائيلي لتزويد نسبة من الكهرباء للمحطة.
لكن الخط الإسرائيلي 161 هو خط فارض وليس خطًا ثابتًا لعمله، كذلك فإن الاعتماد نسبة من توليد الطاقة عبر مطاحن الهواء هو أمر لا يتم في قطاع غزة لأنها مناطق ساحلية ولا تتلقى الهواء الكافي لتشغيلها، كما ينظر المزيني.
ويقول المزيني: "خط 161 الإسرائيلي يزود قطاع غزة فقط 120 ميغاوات ولم يزيد بالاصل على الغزيين رغم المطالب السابقة وبناءًا على هذه المعطيات فإن المشروع سيكلف 40% من الناتج القومي الخاص بقطاع غزة، دون حل للمشكلة وإهدار للمال العام، في ظل الناتج القومي على حسب تقارير البنك الدولي عام 2019 كان 1.4,6 مليار دولار".
ونشرت الجامعة الإسلامية في فبراير 2013 دراسة بعنوان "دراسة تحليلية لإنشاء مطاحن رياح في فلسطين للوصول إلى الطاقة الكهربائية المثلى" بينت الدراسة على استراتيجية إنشاء المطاحن التي تساعد على إنتاج طاقة نظيفة، لكنها ذكرت في الصفحة 62 عدم جدية عملها لعدم وجود هواء كافٍ خصوصًا في قطاع غزة رغم اعتبارها بيئة ساحلية، لكن المشروع ذكر مطاحن هواء بقيمة 8 مليون دولار لإنشائها وضمن هيكلية المشروع الأساسية.
أضرار لحقوق المياه الفلسطينية
قضية حقوق المياه الفلسطينية من القضايا المؤجلة ضمن تفاهمات اتفاقية أوسلو الموقعة بين السلطة الفلسطينية والإسرائيليين عام 1993، واُعتبرت من ضمن القضايا لاحقة النقاش في عدم التوصل لاتفاقات، أجمِع على القرار الفلسطيني قبل عام 2000 بعدم طرح فكرة تحلية مياه البحر لعدم التفريط بالحقوق المائية الفلسطينية، ضمن اللجان الفنية الفلسطينية المفاوضة مع سلطة المياه الفلسطينية.
كان من ضمن اللجان الفنية سمير العفيفي وهو أستاذ دكتور في الهندسة البيئية في الجامعة الإسلامية، يُشير إلى أن تأجيل النقاش في الحقوق الفلسطينية المائية دفع الإسرائيليين لاستثمار مشاريع المياه لصالحهم في نهر الأردن والضفة الغربية وفقدت غزة حصتها من مياه الضفة الغربية التي كانت تنزل للخزانات الجوفية في باطن أرضها.
ويذكر العفيفي أنه بعد عام 2000 طُرح مشروع لتحلية مياه البحر داخل الخط الأخضر، تم رفضه لأن الطرف الإسرائيلي هو المتحكم فيه ويمكن استغلاله سياسًا، لكن التوجه الفلسطيني في غزة تحول بعد عام 2010 إلى مشاريع التحلية وتم عمل محطات تحلية كوحدات لكنها لا تفي بالغرض.
حسب تقرير بنك الدولي لمصادر المياه في قطاع غزة والضفة الغربية عام 2019، فإن المياه الجوفية ومياه الآبار المصدر الوحيد الطبيعي المتوفر لقطاع غزة للمياه، إذ يتعرض لنسبة ضخ استهلاك أربعة أضعاف "200 مليون كوب سنوياً" ونسبة الترشيح الطبيعية 50 مليون كوب سنوياً من مياه الأمطار، كذلك تعتمد على شراء 10 مليون كوب من شركة مكوروت الإسرائيلية.
لكن الاستهلاك الكبير أدى هذا انخفاض في منسوب الخزان الجوفي مما أدى إلى ترسبات مياه البحر المالحة إلى الخزان الجوفي دون عمل إصلاحات في الخزانات الجوفية أو البنى التحتية الناقلة لمياه الأمطار.
ويعتبر العفيفي، أن فكرة المشروع في الوقت الحالي ليس الأفضل، لكنه أفضل المتاح في الظروف الحالية، ورغم تأييده للمشروع لحل مشاكل المياه، لكنه ينظر بعدم وجود وجود ضمانات للمشروع في ظل الاحتلال، لكن لأسباب استقلالية عن الإسرائيليين ومستقبلية هو يؤيد المشروع، على حد قوله، وهو يأمل بضغط الاتحاد الأوروبي ضمن الممولين للمشروع بالضغط على اسرائيل لعدم عرقلة عمل المحطة.
قدمت الدول المانحة بتعهداتها لتأمين المبلغ الذي استطاعت سلطة المياه جمع 300 مليون يورو من قيمة المشروع بالكامل، واجهت تأخر في تأمين جمع جمع المبلغ للمرحلة الاولى بسبب جائحة كورونا، لكن ينوه العفيفي أن المشروع بحاجة لشركة محلية تقوم بإدارة المحطة بالكامل.
لكنه يُشير إلى عدم جدية ادخال طواحين الهواء من الطرف الإسرائيلي على اعتبارات سياسية، لكنه يعتبرها من ضمن الطاقة المكملة قد تُستخدم في المشروع.
الفاتورة مضاعفة على الغزيين
الاستشاري الهندسي في مشاريع المياه عادل ابو كميل، اعترض على المشروع لأنه جاء في ظل ضعف البنية التحتية وعدم توفرها لجهوزية مشروع يغطي حاجة سكان قطاع غزة، وشح المواد اللازمة للتشغيل مثل المواد الكيماوية الخاصة للمحطات وقطع الغيار وأعمال الصيانة الدورية أو العاجلة، في وقت كان مديرًا لمشاريع المياه داخل مؤسسة العمل ضد الجوع في غزة.
من خلال الخطة التي وضعها سلطة المياه الفلسطينية يفسر أبو كميل أنه لا تؤخذ بعين الاعتبار الواقع الغزي الاقتصادي، بحيث يتم حساب نصف شيكل لكل ألف لتر من مياه الآبار الغير صالحة في غزة، لكن مع المشروع تصبح شيكل ونصف لنفس الكمية وهي مياه غير صالحة للشرب لكن أفضل بنسبة ملوحة أقل من ألف ملجرام باللتر.
اعتبر أبو كميل أن سلطة المياه ووضعت المشروع بتفرُد بالتشاور مع جهات تمويلية دولية استشارية فقط، كذلك لم يذكر أي ضمان لتشغيل كهرباء تعتمد المحطة على نسبة من تشغيلها من خط 161 الاسرائيلي. وعدم ضمانة بدفع المستهلكين لخدمات المياه او الكهرباء بشكل مستمر في ظل القضايا العالقة في المحاكم من البلديات وشركة الكهرباء للغزيين الذين تتم مساومَتهم لدفع نسبة من مستحقات متأخرة على مدار أكثر من عشر سنين.
ويقول أبو كميل: "لا يوجد شبكات الكهرباء المناسبة، الوضع الاقتصادي للمستهلك لقلة ذات اليد، الوضع السياسي المتدهور لدى السلطة والتفاهمات مع الجانب الإسرائيلي، عدم توفر الكوادر الفنية المدربة وتشغيل وصيانة المحطة، المشروع يكلف الغزيين أكثر من نفعهم، ولا يوجد ضمان لعدم قصف إسرائيلي للمحطة أو عرقلة عملها".
رد سلطة المياه
مروان البردويل، مدير وحدة تنسيق البرنامج في سلطة المياه، يعتبر أن المشروع وطني ومدروس من طرفهم بعناية، لكنه في نفس الوقت لا يقدم ضمانات لإدخال كافة المعدات في الداخل لأنه يصف فلسطين ككلها تحت احتلال وليست غزة لوحدها، وهو يعرض الحصول على ضمانات دولية لتشغيل المشروع بالكامل والتزام الممولين بالدفعات للمشروع وهو ما يشكل ضغطًا على إسرائيل.
ويقول البردويل: "هذا مشروع يحتاج لتكاتف كل الجهود المعلنة، وكانت هي أقرب دراسة يمكن عملها في قطاع غزة، واجهنا مشاكل بتخصيص قطعة أرض لمدة سنتين لكن استطعنا الحصول على الأرض للمشروع وبدأنها عمل المرحلة الثانية وعلى أمل الانتهاء منها وتزويد الجهات المانحة الأموال للسلطة لاستكمال المشروع".
لم يجب البردويل على مدى توقعه من الحصول على عائدات خدمات المياه من الناس بشكل كامل حتى تحقق المحطة عملها المستدام، لكنه في نفس الوقت يعتبر أن عدم تسديد الفواتير لنسبة أقل من 50% من عمل المحطة يعني أنها قد تتحمل ديون كبيرة ويؤثر على عملية إنتاجها.
حلول ممكنة لمشاكل المياه
عرض المزيني خبرته في مشاريع المياه في كندا وبعض الدول على سلطة المياه الفلسطينية لتحقيق الفائدة المجتمعية من أجل تطوير واقع المياه لكن دون تلقي رد من طرفهم، وكانت من ضمنها مشروع فصل شبكات مياه الشرب عن خطوط مياه البلدية، وتعزيز البنية التحتية لترشيح مياه الأمطار ومنع تدفق مياه البحر المتداخلة.
ويقول: "في غزة بنية تحتية متهالكة وفيها مياه تتسرب لا يتم استغلالها، مثل ضخ كمية معينة، وأحياناً تُهدر نصف مياه البلديات لأن الشبكة متهالكة، ويجب ترشيد الاستهلاك وإعادة بناء الشبكات حتى تحافظ على المياه في باطن الأرض وخزانات قوية، وهي مشاريع ممكنة وتحل مشكلة بطريقة معقولة، المشروع المعلن هو مثل بناء قصر كبير للفقراء ولا يوجد فيه طعام ويجب دفع جزية فيه".
لا يوجد نية للدفع
لا يتلقى سكان قطاع غزة خدمة المياه بشكل يومي منذ 14 عامًا، بسبب تشديد ظروف الحصار الإسرائيلي وإقامة خزانات جوفية داخل المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الشريط الحدودي الفاصل لقطاع غزة والأراضي المحتلة، كذلك يتلقون خدمات مياه البلديات ثلاث مرات بالأسبوع ضمن سياسة التشغيل الصباحي ونسبة 60% شديدة الملوحة بناءً على تقرير مصلحة بلديات الساحل عام 2020.
وفي المقابل فإن نسبة 20% فقط من فواتير البلديات المحلية يتم تسديدها للبلديات المحلية في قطاع غزة والتي تُقدم على رأس الخدمات مياه الاستخدام للمنازل ويتم تسديدها شهريًا، حسب بيانات صندوق وتطوير وإقراض الهيئات المحلية في مارس 2021.
خلال إجراء استطلاع رأي، وُزع إلكترونيًا على 421 مواطن غزي، كان منهم 65 فقط ملتزمون في دفع فواتير البلديات، و243 لا يستطيعون بسبب بسبب الظروف الاقتصادية، لكن 110 لديهم النية للدفع حال تحسين نسبة الملوحة في المياه وأصبحت أفضل حالاً من التي يتلقونها في منازلهم، والنسبة المتبقية تعرج الدفع بناءً على تحسن الظروف الاقتصادية فقط.
في مخيم الشاطئ وهو الأكثر تضرراً بملوحة المياه المزودة عبر البلديات المحلية، لتضرر البنية التحتية وتداخل مياه البحر مع المياه الجوفية، حيث تقول أمينة حماد 45 عامًا إنها تتلقى مياه مالحة منذ عشر سنين من البلديات رغم كل المناشدات التي أرسلتها لهم عبر الإذاعات المحلية، ولم تتحسن إلا لفترات بسيطة لم تتجاوز شهرًا فقط.
لا تستطيع حماد دفع الفواتير المتراكمة للبلديات، وهي تشير إلى أنّها منذ 8 سنوات لم تدفع أي فاتورة لبلدية غزة لتدني الظروف الاقتصادية والفقر المنتشر في المخيم والكثير من مناطق قطاع غزة، ولا تتأمل بتحسن ظروفها الاقتصادية خلال الفترات القادمة، حتى لو تحسنت لن تستطيع تسديد فاتورة البلديات.
تقول حماد: "90% من سكان المخيم فقراء ويتلقون مياه كأنها من قلب البحر، هي مضرة بالنسبة لنا، وأأنا شخصيًا تضررت من المياه وشكلت لي حساسية عالية في الجلد، والكثيرين متضررين في قطاع غزة مثل حالتي، خدمة المياه لو تحسنت نقطة جيدة لكن تحسين ظروفنا الاقتصادية أهم حتى نلتزم في دفع الفواتير، ليس على أساس قيام مشروع جيد لخدمة الفقراء وتطلبون منهم دفع الفواتير".