النقاش حول المساعدات الأميركية لإسرائيل أصبح شرعياً في واشنطن

الون بنكاس.jpeg
حجم الخط

بقلم: الون بنكاس

 


أخّرت مجموعة من المشرعين الديمقراطيين في الكونغرس المصادقة على منحة أميركية بمبلغ مليار دولار لتجديد مخزون الصواريخ الاعتراضية لمنظومة "القبة الحديدية"، وفي إسرائيل يوجد مارق جديد وهم "التقدميون". الادعاء هو أنهم يهددون المساعدات الخارجية الأميركية لإسرائيل، لكن هم لا. قوتهم صغيرة نسبياً، وتزداد في أوقات الأزمة، مثل نقاشات الميزانية، عندما تكون الأغلبية الصغيرة للديمقراطيين في الكونغرس يجب عليها إظهار تكتل ووحدة في التصويت. هذه هي ساعة التقدميين لتحقيق إنجازات، من خلال استعراض العضلات في مواضيع مختلفة كلياً. قوتهم صغيرة حقاً، لكن من الخطأ تجاهل تأثيرهم الكبير على الخطاب السياسي في الحزب الديمقراطي، وتجاهل توسع قاعدة قوتهم في أوساط المصوتين الديمقراطيين. أيضا التغيير في الأجيال في الولايات المتحدة يحول العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل الى موضوع من المشروع انتقاده. هذا ربما غير لطيف، لكن هذا هو الواقع.
مخزون الصواريخ الاعتراضية لإسرائيل، سواء الصواريخ من انتاج إسرائيل أو من انتاج أميركي، وصل الى الخط الأحمر السفلي بعد جولة القتال في غزة في أيار الماضي. والرئيس الأميركي، جو بايدن، وعد علناً بأنه سيجدد المخزون وسيسلح بطاريات "القبة الحديدية". تكلفة تحديث المخزون هي مليار دولار. الديمقراطيون، الذين يديرون مؤخراً نقاشات الميزانية العامة، حاولوا إدخال بند تسليح "القبة الحديدية" في الميزانية العادية، بعدد من التشريعات غير المرتبطة بالأمن. عدد من المشرعين الديمقراطيين عارضوا، وهكذا ولدت الأزمة. هذا في الحقيقة تأخير إجرائي وتقني: سيطرح البند لتصويت منفصل يحتاج الى أغلبية ثلثي أعضاء الكونغرس، وهذا سيتم الحصول عليه، أو سيتم تضمينه كاضافة إلى ميزانية الدفاع. مع ذلك، محاولة حل المشكلة بالقول "هذا إجرائي" هي انكار لواقع سياسي خطير.
الى جانب انتقاد ميل نتنياهو الى التدخل في السياسة الأميركية، الأمر الذي سماه إيهود باراك في تويتر "سنوات من المؤامرات والتدخل الفظ في السياسة الأميركية"، والتصريحات الصاخبة حول كيفية "تدمير العلاقة مع الديمقراطيين"، فانه فيما يتعلق بالتقدميين ارتكبت إسرائيل خطأ متواصلا ومركبا يتمثل في الجهل والكسل والنية المتعمدة لاحداث استقطاب بين الاحزاب في الولايات المتحدة.
في الوقت الذي تتجاهل فيه وتتنكر بسهولة للاتجاهات الثقافية والسياسية في المجتمع الأميركي، فقد حددت إسرائيل الكتلة التقدمية فقط حسب بعد واحد وهو تصريحات الأعضاء فيها ضد إسرائيل وموقفهم منها. وحتى لا يكون هناك سوء فهم، كانت هناك تصريحات مناوئة لإسرائيل، بعضها متطرف وفظ ومثير للغضب، وبعضها يخلو من الفهم والمعلومات، والغرض كله منها هو إنتاج عناوين وإثارة للجدل. ولكن بغض النظر، فقد كانت مجرد مجموعة صغيرة داخل الكتلة التقدمية.
هذا لا يعفي إسرائيل من الفشل السياسي. فقد جمعت التقدميين في كتلة واحدة، وعزلتهم كمجموعة محددة ومنحتهم صفات مستخفة، تراوحت بين "متطرفين" و"يسار متطرف" و"مناوئين لإسرائيل" و"كارهي إسرائيل"، وبالطبع "لاساميين". هذا خدم نتنياهو وحلفاءه من الجمهوريين في أواخر عهد اوباما، وهو بالتأكيد خدم قصة الغرام بين نتنياهو وترامب.
          ولكن من خلال فعل ذلك لعب نتنياهو وتعاون بنية متعمدة كاملة مع رغبة الجمهوريين في تسييس إسرائيل في الرأي العام، وتطلعهم الى خلق تمايز، والفصل بين الاحزاب حول دعم إسرائيل. من تحليل البيانات منذ العام 1952 يتبين أن 72 في المئة من يهود الولايات المتحدة يصوتون للمرشح الديمقراطي للرئاسة في كل جولة انتخابية. هؤلاء يهود ليبراليون، لكن في معظمهم أشخاص من الوسط – لا يسار ولا راديكالي ولا معادٍ. هذا ما أراد الجمهوريون تغييره. وبهذا حاول نتنياهو مساعدتهم طوال سنين بدون نجاح.
الديمقراطيون يمتلكون 220 مقعدا في الكونغرس الحالي. 95 منهم هم أعضاء في الكتلة التقدمية، وهي اتحاد ضعيف وغير ملزم أنشئ في 1991. هذه المجموعة تضم أيضاً مؤيدين أشداء لإسرائيل، لهم سجل تصويت مؤيد لإسرائيل بدون عيوب. تسمي إسرائيل "يساراً راديكالياً ومعادياً" اشخاصاً مثل جيمي ريسكن وجيري ميدلر وديفيد سيسليني والين لفنتال وجيم شكوفسكي واندي كيم وهاكيم جيفريس.
بعضهم يرون أنفسهم جزءاً من الكتلة في مواضيع محددة، ويتحفظون علنا على المجموعة في مواضيع اخرى. جميعهم لا يشعرون بالانتماء رغم أنهم مسجلون كجزء من المجموعة. هكذا يتم بناء معظم المجموعات داخل الكونغرس: عضوية حسب الموضوع، بدون التزام واسع وعميق لكل قضية. المجموعة التقدمية ليست جسما واحدا. هي تتكون من أعضاء مختلفين، من دول وخلفية مختلفة، ممن يتفقون على عدد من المبادئ الاساسية المشتركة، جميعها في مواضيع داخلية وليس على نظرية واحدة مرتبة تشمل مواضيع كثيرة وشاملة.
كيف نظرت إسرائيل لأعضاء الكونغرس الأربعة من النساء اللواتي أصواتهن مرتفعة وانتقادية، وفي أحيان كثيرة هي مثيرة للجدل وهن الكسندريا أوكسيو كورتيز والهام عمر ورشيدة طليب وايانا بيرسلي؟ إسرائيل وجزء من المستشارين لها في تلة الكابتول وعدد من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين الذين يخشون من زيادة قوة المجموعة التقدمية، قرروا بأن هؤلاء الأربعة هم وجه الديمقراطيين، بدون بحث وبدون عمل سياسي وبدون نقاش وبدون محاولة تفكيك هذه المجموعة غير المتجانسة فيما يتعلق بإسرائيل.
كلما كانت أصواتهن عالية وحادة اكثر فان حكومة نتنياهو والجمهوريين كان يمكنهم القول: "لقد قلنا لكم"، للديمقراطيين توجد مشكلة مع إسرائيل. هم ببساطة لا يؤيدون إسرائيل، قال الافنغلستيون واليمين الترامبي الذي سيطر على الحزب الجمهوري وعلى نتنياهو نفسه، حتى لو لم يكن بشكل علني. على السطح واصلت إسرائيل التمسك بادعاء أن "دعم الحزبين هو من أسس التحالف بين أميركا وإسرائيل"، وفعلت العكس بالضبط. هذه الأزمة الصغيرة ستنتهي، لكن كانت هناك توجهات بارزة بشكل واضح. الأول، "إسرائيل" هي موضوع سياسي في العلاقات بين الأحزاب في واشنطن، وعهد "دعم الحزبين" الذي ليست فيه إسرائيل موضوع خلاف واستقطاب ينتهي ببطء. هذا وضع سيئ تجنبته إسرائيل، بمهارة واستثمار كبير طوال عقود. الثاني، النقاش حول مساعدة إسرائيل، انتقل من الهامش الى المركز واصبح شرعياً. ولكن لا يوجد لإسرائيل أي اجابة على جميع الأسئلة التي أصبحت شرعية، مثل سؤال لماذا دولة غنية تحصل على 3.8 مليار دولار مساعدة عسكرية سنوية؟

 عن "هآرتس"