طعن اسرائيلي آخر، رصاصة اخرى في جسد طفل فلسطيني عمره 11 سنة، وبعدها طعن آخر. لماذا يفعل ذلك أولاد في أعمار 11 أو 13 سنة؟ لا أبحث عن اسباب منطقية أو مبررات. أستطيع فقط أن أضع نفسي مكانهم لفهم ما يدور في رؤوسهم. أريد أن يتوقفوا عن ذلك من أجل أنفسهم. ليفكروا في طريقة اخرى ليقولوا للعالم إنهم موجودون وإن لهم قيمة.
عندما قرأت، هذا الاسبوع، "المعذبون في الارض" لفرانس فانون، فكرت بالفلسطينيين وحريتهم. ما الذي هم مستعدون لدفعه مقابل التحرر؟ لماذا قرر الاولاد الآن لعب دور مقاتلي الحرية؟.
فانون، الذي توقع تحرير الجزائر، قال إن العنف الذي تم استخدامه ضد الجزائريين، وُجه باتجاه المحتلين، وأدى في نهاية المطاف الى تحرير الجزائر. بالنسبة لفانون والجزائريين، العنف لم يكن هدفا بحد ذاته، بل وسيلة لطرد المحتل. فهل تبنى الاولاد الفلسطينيون هذا الموقف بشكل طبيعي دون أن يسمعوا عن فانون؟ يمكن أنهم فهموا أن القيادة، العائلة، والمدرسة، لن تنقذهم. ويمكن أن يكونوا يئسوا عندما شاهدوا المستوطنين والجنود يزرعون الرعب في قلوبهم دون أن تتم معاقبتهم. هم يتضامنون مع محمد أبو خضير، الذي تحول الى رمز وضحية لم يُنصفها العالم.
هؤلاء الاطفال هم الضحايا الحقيقيون للصراع. إنهم ليسوا ارهابيين. لم يمنحوهم بارقة أمل، عاملوهم بفظاعة الى أن وصلوا الى نقطة اللاعودة. والامر الذي يريدونه في الوقت الحالي هو الموت على أيدي الجنود الاسرائيليين الذين لا يترددون للحظة. إنهم صغار السن، لكنهم يعرفون الوضع جيدا، ومن الواضح لهم أنهم سيخسرون في المعركة وهم يركضون الى موتهم مدركين أن لا أحد سينقذهم. تخيلوا أن يصل أولادكم الى هذه الدرجة من الاحباط واليأس؟ أنا أفضل الموت على أن أرى أولادي الذين يبلغون 13 – 15 يصلون الى وضع كهذا.
لقد سكنت في القدس مدة عشرين سنة قبل أن أقرر الهجرة الى بلد آخر. أحببت المدينة بشطريها الغربي والشرقي. الطرفان، العربي واليهودي، يرفض أحدهما الآخر، ولا يعترف بانسانيته، وهما ينكران ويكرهان بعضهما بشكل عميق. وهما مختلفان في اللغة والثقافة والدين والعادات.
لم أحتمل الخوف والبلبلة لدى أولادي عندما كنت أهمس لهم بأن لا يتحدثوا العربية في الطرف الغربي. لم أحتمل فكرة أن يتم اعتقالهم أو تفتيشهم من قبل شرطي أو جندي فقط لأنهم يمارسون حقهم الاساسي في التعبير عن الذات. لم أحتمل فكرة أن علي تربيتهم في مجتمع عنصري لا يقبلهم ولا يقبل اعتقادهم. لم أحتمل الطريقة التي تحدثوا فيها عن "الآخر" كعدو. الغضب والكراهية والحقد كانت جزءا من حياتنا اليومية، رغم أننا كنا نعيش حياة جيدة نسبيا في شرقي المدينة. وكنت أدرك أنه لدى الاولاد من الصعب التخلص من مشاعر كهذه.
بصفتي ساعية للسلام وكنت في مئات الحوارات واللقاءات والتعاون بين الاسرائيليين والفلسطينيين، أنا قلقة من قوة الغضب الذي اشعر به في ظل العنف وعدم العدالة في القدس. لقد تفطر قلبنا حينما شاهدنا طرد امرأة عجوز على أيدي المستوطنين، من بيتها الذي سكنت فيه مدة 70 سنة في الشيخ جراح. حيث رأينا مرة تلو الاخرى كيف يطردون الفلسطينيين من الاحياء في القدس الشرقية والاحياء الاسلامية، ويأخذ المستوطنون مكانهم وهم محاطون بالحراس. شعرنا بأننا نمر بنكبة اخرى. الفلسطينيون يشعرون اليوم أنه لم يكن لهم شريك أبدا، وأن الاسرائيليين ناورونا كي نجلس بهدوء بزعم أن هناك محادثات سلام في الوقت الذي تُصادر فيه الاراضي والحياة.
الاسرائيليون اليهود الذين يعيشون خارج الواقع الذي أتحدث عنه لا يفهمون تأثير التحقير اليومي للانسان من الناحية النفسية. وقد يفهمون الآن مغزى كل هذا. يعيش الاولاد في حالة خوف وكراهية وغياب الأمل. يعملون في اطار تشوش نفسي عميق، الامر الذي يمرون فيه منذ ولادتهم حتى اليوم الذي يقررون فيه الموت.
حان الوقت للصراخ بصوت الحقيقة. هؤلاء الاولاد ليسوا ارهابيين. وهم ليسوا هدفكم. عليكم إبداء بعض الرحمة وألا تتعاملوا معهم مثل وحوش متعطشة للدماء. أطلب منكم أيها الاسرائيليون النظر الى ما وراء الخوف والغضب ورؤية هؤلاء الاولاد كما هم: مثل اولادكم، هم بسطاء ويجهلون ما الجيد لهم. الفرق الوحيد هو أن هؤلاء الاولاد لا يرون أي مستقبل أمامهم.
أطالب القيادة الفلسطينية بأن ترعاهم وأن تستنكر الهجمات الصبيانية والاعلان عن اقامة حركة مقاومة غير عنيفة تستطيع أن تقودنا الى الحرية، ومن الافضل أن يحدث هذا مبكرا وليس متأخرا.
عن "هآرتس