يعتبر الحسد هو حالة الرغبة في شيء يمتلكه شخص آخر، فإنه شعور شرير يمكن أن يسحق احترام الذات، ويلهم النفس لتخريب نجاحات الآخرين، أو حتى يتسبب في انتقاد الناس بعنف، كما أنه يشعرك بشعور مروع، فكلا منا تعرض بالتأكيد للحسد، وأثر الحسد عليه بطريقة ما أو بأخرى، وعلى ذلك فإنه قد يكون الاعتراف بأننا نعاني من الحسد أمرًا شديد الخطورة ، لأنه يعني الاعتراف بضعفنا وانعدام الأمن لدينا، وقد يكون الدليل الأول على أن الحسد كامنًا
يعرّف العلماء الحسد على أنّه تمنّي الحاسد زوال النعمة والخير عن المحسود المستحق لها، وربّما سعى هذا الحاسد لإزالتها ودفعها عن صاحبها، وقد ورد لفظ الحسد في القرآن الكريم في سورة الفلق في قوله تعالى: (وَمِن شَرِ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)، كما ورد في السنة النبوية المطهرة في قوله عليه الصلاة والسلام (لا تَباغَضوا ولا تحاسَدوا) [صحيح مسلم: صحيح]، والحسد محرم تحريماً قاطعاً بسب شروره والآثار المترتبة عليه.
فأبليس نفسه قد حسد سيدنا آدم ، والله قال له اسجد لسيدنا آدم ولكنه آبى واستكبر، والحسد آكله، وقال أسجد لمن خلقت طينا، وهو مخلوق من النار وهو مخلوق من الطين، وأبناء آدم قتلوا أنفسهم بسبب الحسد.
كيف تعالج نفسك من الحسد
إن معالجة النفس من الحسد لمن الأمور الهامة في حياتك، ففي بعض الأحيان قد يكون شعورك بإنك محسود في حد ذاته نابع من الخوف من الحسد، ولكن من حكمة الله تعالى أنه قد جعل للعين والحسد تأثيراً بإذن منه سبحانه، وقد دَّل على ذلك القرآن، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن أدلة القرآن:
- قوله تعالى عن يعقوب عليه السلام: وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ [يوسف:67]، فقد قال العلماء: إن ذلك كان خوفاً عليهم من العين، وقد وصف الله يعقوب بعد ذكره لهذه المسألة قائلاً: وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاه.
- وقوله سبحانه: وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ [القلم:51].
ومن أدلة السنة
- الحديث الذي رواه أحمد ومسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين.
- ما رواه أبو نعيم في الحلية وابن عدي بإسناد حسن عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العين تدخل الرجل القبر، وتدخل الجمل القدر.
- وهذا كله لا يخرج عن كونه قدراً من الله تعالى، والواجب أن يدفع القدر بالقدر، فالعين قدر، وذكر الله ودعاؤه قدر كذلك.
ما هي مراتب الحسد ؟
إن الحسد كما يقول ابن القيم: (هو بغض نعمة الله على المحسود وتمني زوالها) وقد ذكر العلماء أن لها مراتب أربعة وهي :
- الأولى: تمني زوال النعمة عن المنعم عليه، ولو لم تنتقل للحاسد.
- الثانية: تمني زوال النعمة عن المنعم عليه وحصوله عليها.
- الثالثة: تمني حصوله على مثل النعمة التي عند المنعم عليه حتى لا يحصل التفاوت بينهما، فإذا لم يستطع حصوله عليها تمنى زوالها عن المنعم عليه.
- الرابعة: حسد الغبطة ويسمى حسداً مجازاً؛ وهو عبارة عن تمني حصوله على مثل النعمة التي عند المنعم عليه من غير أن تزول عنه.
علاج الحسد
أما عن علاج الحاسد لنفسه أمر ميسور، ولكنه في الحقيقة يحتاج إلى جهد وصبر، وخاتمته إلى خير بأمر الله، وعليه أن يتبع الوسائل التالية لكي يتم العلاج بشكلاً جيد:-
- كثرة الدعاء إلى الله عز وجل، والتوكل عليه والدعاء، فالتوكل على الله في كل الأمور لمن الأمور الواجب توافرها في كل وقت وفِي كل حين، فبمجرد فقط إدراكك و يقينك بأن كل شيء بيد الله، قد يرتاح قلبك وعقلك.
- الرضى بالقضاء والقدر، والنظر إلى من هو أقل منك حالا، يقول أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم).
- من الوسائل كذلك، عليك وأن تعرف بأن الحسد قد لا يضر المحسود، لذلك سماها بعض أهل العلم بالمعصية المستهجنة، ويقول بعض أهل العلم: أي معصية تزيد على كراهتك لراحة مسلم من غير أن يكون لك منه مضرة؟ وهذا يبين غباء الحاسد وقبح فعله، ثم إن الحاسد لا يغير من قضاء الله – سبحانه وتعالى – شيئاً، ولا ينفع، ولا يضر،
- لا يضر الحسد صاحبه، إلا بإذن من الله تعالى، لأنه ساخط على قدر الله بقصد أو بدون قصد، لأنه تسخط على قضاء الله وقدره، وهذا عمى في بصر الإيمان
- قد تساعدك، النظربعين البصيرة إلى حقيقة الدنيا، هي من الأمور الهامة التي تعينك على تجاوز هذه المرحلة، والنظر إلى حقيقة الدنيا التي لا تزن جناح بعوضة، قال -صلى الله عليه وسلم- :(لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء)،
- الإيمان والرضا بالقضاء، فقد قال الله عز وجل: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، .
كيف أحمي نفسي من الحسد
إنّ حِفظ النّفس من العين والحسد يعتبر من أهم الأمور في حياتك، والتي يكون بتجنيبها أسبابهما، فعلى المسلم حتّى يحفظ نفسه من الإصابة بالعين والحسد أن يلتزم ببعض الأمور والأفعال، منها ما يأتي
- التحصّن بالأذكار الشّرعيّة التي أُثِرت عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ووردت عنه،
- قراءة المعوّذات وآية الكرسي، والمداومة على أذكار الصّباح والمساء
- وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ ) رواه البخاري
- أذكار النّوم والاستيقاظ منه، ومن بينها الدّعاء بقول: (أعوذُ بكلماتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِن شرِّ ما خلَق)
- الدّعاء بقول: (مَن قالَ بسمِ اللَّهِ الَّذي لا يضرُّ معَ اسمِهِ شيءٌ في الأرضِ ولا في السَّماءِ، وَهوَ السَّميعُ العليمُ، ثلاثَ مرَّاتٍ، لم تُصِبهُ فَجأةُ بلاءٍ حتَّى يُصْبِحَ، ومَن قالَها حينَ يصبحُ ثلاثُ مرَّاتٍ، لم تُصبهُ فجأةُ بلاءٍ حتَّى يُمْسيَ).
- إعاذة النّفس والأولاد والأموال وسائر النِّعم وتحصينهم، وممّا رواه الصّحابة -رضي الله عنهم- عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (كان رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يُعَلِّمُنا كَلِماتٍ نَقولُهُنَّ عِندَ النومِ منَ الفَزَعِ: بسمِ اللهِ أعوذُ بكَلِماتِ اللهِ التَّامَّةِ مِن غضَبِه، وعِقابِه، وشرِّ عِبادِه، ومِن هَمَزاتِ الشياطينِ وأنْ يَحضُرونِ).
- ترك كل مظاهر التباهي والتزين بالمال والأبناء، فذلك يجلب الحسد إليك .