حزب «العمال» البريطاني: محاولات تصحيح ظلم تاريخي

اشرف-العجرمي.jpeg
حجم الخط

بقلم: أشرف العجرمي

تداولت وسائل الإعلام ما جرى داخل المؤتمر السنوي لحزب «العمال» البريطاني وخاصة التصويت على قرار يدين «استمرار إسرائيل في الممارسات غير القانونية» في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وكانت صيغة القرار قوية بما يكفي لتتحدث عن النكبة الفلسطينية المستمرة وعن جرائم الحرب الإسرائيلية وسياسة الفصل العنصري التي تمارسها إسرائيل في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة. وتطرق القرار إلى البناء الاستيطاني والتهجير القسري للمواطنين في القدس والحرب على غزة. كما رحب بقرار المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق في جرائم الاحتلال الإسرائيلي. وأكد على حقوق الشعب الفلسطيني بما في ذلك حق العودة للاجئين الفلسطينيين. وعلى ضرورة فرض عقوبات على إسرائيل.
طبعاً من المبكر رؤية تحول جوهري في بريطانيا يلغي الظلم التاريخي الذي أوقعته على الشعب الفلسطيني بدءاً بإعلان «وعد بلفور» وانتهاءً بتمكين الحركة الصهيونية من إقامة دولة يهودية على أرض فلسطين التاريخية على حساب الشعب الفلسطيني الأصلي وصاحب الحق التاريخي والقانوني والطبيعي والسياسي في أرض وطنه. فما قامت به بريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى بصفتها دولة الانتداب «الاحتلال» على فلسطين بعد تقسيم العالم العربي بين بريطانيا وفرنسا ممثلتي الاستعمار الجديد الذي حل محل الاستعمار التركي الطويل، هو جريمة بكل معنى الكلمة ضد شعب بأكمله لا يزال حتى اللحظة يعاني من تبعات هذه السياسة ويرزح تحت احتلال إسرائيلي مجرم هو الأخير على وجه الكرة الأرضية من القرن الماضي. فإنصاف شعبنا يفترض أن تغير بريطانيا سياستها وتعترف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران من العام 1967 وممارسة الضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة والاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
حتى قرار حزب «العمال» الذي يشهد تحولاً مهماً في السنوات الأخيرة باتجاه المزيد من التوازن في التعامل مع ملف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، هو ليس قراراً نهائياً حيث يعارضه اللوبي الصهيوني في الحزب وتعارضه قيادة الحزب، وعلى الأغلب سيتم التراجع عنه أو تعديله. وحتى ندرك عمق تأثير اللوبي اليهودي الضاغط في بريطانيا علينا تذكر ما حصل مع زعيم حزب «العمال» السابق جيرمي كوربين الذي اتهم بمعاداة السامية بسبب مواقفه ضد الاحتلال الإسرائيلي ولصالح حقوق الفلسطينيين المشروعة. وكيف أدت الضغوط التي مارسها هذا اللوبي إلى خسارة الحزب في الانتخابات العامة، مع أنه كان متقدماً في استطلاعات الرأي في الفترة التي سبقت الانتخابات.
       مع ذلك لا يجب التقليل من أهمية ما يحدث في صفوف حزب «العمال» البريطاني وفي الرأي العام العالمي عموماً لجهة الانتصار لحقوق الشعب الفلسطيني. وربما تكون موجة الاحتجاجات الدولية في أعقاب هبة القدس والحرب العدوانية على غزة في شهر أيار الماضي من المؤشرات المهمة على التحول في الرأي العام الدولي تجاه ممارسات إسرائيل وجرائمها الاحتلالية ضد الشعب الفلسطيني. فحجم المتظاهرين الذين خرجوا للتنديد بالسياسة الإسرائيلية فاق كل التوقعات وأحدث صدمة كبيرة في إسرائيل التي لم تتوقع أن تخرج هذه الأعداد الهائلة من البشر للتضامن مع الشعب الفلسطيني في وجه العدوان الإسرائيلي، في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا وأماكن عديدة في العالم.
وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى الجهود الجبارة التي بذلتها منظمات المجتمع المدني في فلسطين وإسرائيل على السواء في فضح وتعرية السياسة الاحتلالية الإسرائيلية. وقد أشار قرار حزب «العمال» البريطاني إلى ذلك. وهذا يقتضي ربما دعم الجهود التي تبذلها هذه المنظمات وخاصة الحقوقية منها التي تقدم الدلائل والبراهين على ممارسات وجرائم الاحتلال. ووقع تقارير المنظمات الإسرائيلية مثل «بتسيلم» و»كاسرو الصمت» وحركة» السلام الآن» وغيرها أكثر قوة في المجتمعات الأوروبية والغربية عموماً.
ولا ينفع رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت أن يتجاهل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي ويركز على التطبيع مع الدول العربية. أو يتحدث عن قمع الحريات والأقليات في بعض الدول وكأن إسرائيل واحة للديمقرطية واحترام حقوق الانسان. وكل العالم يعلم أن إسرائيل دولة احتلال تقمع الشعب الفلسطيني وتصادر حقوقه وتمارس ضده جرائم حرب مثبتة باعترافات وتقارير إسرائيلية وفلسطينية ودولية. وبينيت وغيره من الساسة الإسرائيليين ليسوا فقط فاشلين في التغطية على الاحتلال الذي تصفع وجوههم جرائمه اليومية من قتل وتنكيل بالفلسطينيين، بل هم أيضاً يهربون إلى الأمام من استحقاق مفروض على إسرائيل لكي تنعم بالأمن والاستقرار والسلام في هذه المنطقة. فالشعب الفلسطيني باق على أرض وطنه والقوة العسكرية الإسرائيلية تتآكل ولن تبقى كما هي عليه لفترة طويلة قادمة، فالسلاح النووي والقوة الظالمة لن تمنع الفلسطينيين من مواجهة الاحتلال والنضال ضده والتصدي له، والعالم لن يقف مكتوف الأيدي تجاه الاحتلال وجرائمه، وقد بدأ بالتحرك عبر المنظمات الدولية، وهذا سيترك أثره على سياسات الدول بما فيها المؤيدة تلقائياً لإسرائيل وتوفر غطاء لجرائمها. وما يحدث لدى حزب «العمال» البريطاني وأيضاً في الحزب «الديمقراطي» في الولايات المتحدة وفي أوساط اليهود في العالم ينذر بأن شهر العسل الذي حظي به الاحتلال قد شارف على نهايته، وأن إسرائيل على أعتاب دفع ثمن استمرار احتلالها وقمعها للشعب الفلسطيني.