هارتس : قــصــة "الــهـروب الــعـظــيــم" مــن ســـجــن جـلـبــوع ..

حجم الخط

بقلم: يهوشع براينر



على مدى أسبوعين تقريباً قامت «قوات الأمن» بالبحث عن السجناء الفلسطينيين الذين هربوا من سجن جلبوع. هرب زكريا الزبيدي وأبناء العمومة محمود ومحمد العارضة، ويعقوب قادري وأيهم كممجي ومناضل نفيعات من السجن عشية انتهاء السنة العبرية عبر نفق قاموا بحفره.
منذ اعتقال الزبيدي ومحمود العارضة ومحمد العارضة وقادري بعد بضعة أيام من هروبهم كان المحققون يجمعون معلومات عن أعمالهم في الأشهر والأسابيع والأيام التي سبقت عملية الهروب وبعدها. الآن بعد أن تم إلقاء القبض على كممجي ونفيعات يبدو أن الجيش الإسرائيلي والشرطة و»الشاباك» ومصلحة السجون رسموا صورة مكتملة عن الهروب من غرفة 5، قسم 2 في سجن جلبوع.

من التخطيط حتى الهروب
حسب نتائج التحقيق بدأ الحفر في كانون الأول الماضي. كما يبدو في الـ 14 من الشهر ذاته، بعد أن نجح محمود العارضة في رفع الغطاء الذي وضع تحت حوض المغسلة في مرحاض الغرفة، اكتشف أنه كان هناك فراغ يقع بين أساسات السجن.
وقدرت الشرطة أن الخطة التي تمت بلورتها في ذاك اليوم اطلع عليها بين 10 – 15 سجيناً. باستثناء الستة الذين هربوا فإن بينهم أربعة معتقلين آخرين ينتمون لـ «الجهاد الإسلامي»، ثلاثة منهم كان يمكن أن يتم إطلاق سراحهم من السجن في الفترة الحالية. حسب الشكوك ساعدوا في حراسة الغرفة وإخفاء الفتحة ومراقبة مجيء السجانين. اثنان منهما كانا مسجونين في الغرفة التي حدث منها الهروب، وتم استبدال كممجي والزبيدي بهما قبل بضعة أيام من التنفيذ. وكان هناك ثلاثة من السجناء في الغرفة يمكنهم الفرار.
عملية الحفر قادها نفيعات ومحمود العارضة بمشاركة سجناء آخرين. وقد استخدموا، ضمن أمور أخرى، قطعاً من الحديد كانت توجد تحت أرضية الغرفة وصحوناً وأدوات قاموا بشحذها وصواني من الألمنيوم. التراب الذي تم إخراجه وزع في فتحات المجاري والصرف الصحي التي توجد في أرجاء السجن وفي حاويات القمامة وأماكن أخرى. خلال أشهر الحفر كانت في السجن مشاكل في المواسير لكنها لم تثر شكوك السجانين أو المهنيين الذين تم استدعاؤهم لمعالجتها.
قال السجناء في التحقيق معهم إن عملية الهروب تم التخطيط لها في البداية كي تتم «يوم الغفران»، لكن بعد ذلك تحدد يوم تنفيذها في 7 أيلول، وهو اليوم الأول لعيد رأس السنة العبرية الذي تعمل فيه مصلحة السجون والشرطة في إطار مقلص. قبل بضعة أيام على الموعد المخطط له خافوا من تراكم التراب والمشاكل المتكررة التي ستمكن السجانين من كشف الخطة، وربما يخربون النفق. لذلك قرروا تبكير عملية الهروب يوماً.
حسب الشكوك قاموا بالاتصال مع فلسطينيين يقيمون في إسرائيل بدون تصاريح، واتفقوا معهم على مساعدتهم في الوصول إلى جنين بعد الهروب. ولكن تبكير الهرب بيوم جعلهم يبقون بدون مساعدة.

عملية الهروب
قبل الساعة الواحدة والنصف ليلاً بقليل، في 6 أيلول، بين يوم الأحد ويوم الاثنين، خرج الستة من الغرفة، وساروا في النفق الذي استكمل حفره، حسب أقوال الزبيدي، قبل بضع ساعات من ذلك. وقال السجناء إن من قاد عملية الخروج هما محمود ومحمد العارضة؛ عملية الزحف التي استندت إلى شهادات السجناء ومعلومات جمعتها الشرطة تقدر بـ 20 – 30 دقيقة. في الساعة 1:49 دقيقة ليلا تم تلقي المعلومات الأولية عن السجناء عندما قام سائق سيارة عمومية سافر في المنطقة بإبلاغ الشرطة عن مشبوهين قرب السجن.
خرج السجناء الستة من النفق، الذي يوجد تحت برج المراقبة ولم يكن فيه أحد، واعترفت الحارسة التي كانت في برج المراقبة القريب، وهي سجانة في الخدمة النظامية، بأنها غفت أثناء الحادثة. مصادر في مصلحة السجون قالت إن خروج السجناء تم توثيقه بكاميرات الحماية، لكن لا أحد رأى ذلك في الوقت الصحيح. وقالت هذه المصادر بأنهم شاهدوا الفيلم الذي ظهر فيه السجناء وهم يحملون حقائب، حقائب مليئة بالملابس والسجائر والطعام الذي جمعوه في الأيام التي سبقت الهروب. لم يصل الفيلم إلى «هآرتس»، ولم يكن بالإمكان التحقق من المعلومات بخصوصه.
من السجن توجه السجناء إلى قرية الناعورة. وفي الساعة 4:50 دقيقة فجرا تم توثيقهم بكاميرا حماية. وقدرت الشرطة أنهم اختاروا القرية التي تبعد 7.5 كم عن السجن بسبب ضوء المسجد الذي شاهدوه. عندما وصلوا إلى القرية دخلوا إلى المسجد دون الكشف عن هويتهم، ومكثوا فيه 20 دقيقة، قاموا فيها باستبدال ملابسهم. وعندما خرجوا أرادوا الحصول على سيارة، أو على الأقل سيارة تنقلهم، لكنهم لم ينجحوا في ذلك. وحصلوا على الطعام من مخبز محلي.
بين الساعة الخامسة والسادسة تم اتخاذ قرار بانفصالهم أزواجاً. في الشرطة قدروا أنه في ظل غياب المساعدة، التي وفّروها مسبقا، تحركوا بدون أي خطة منظمة وكانوا مشوشين. وصل المحققون إلى الناعورة فقط في اليوم التالي.

محمود العارضة ويعقوب قادري
مهندس عملية الهروب من السجن وصديقه المقرب، اللذان قضيا معاً فترة 20 سنة في السجن، توجها من الناعورة غرباً ومرا عبر محمية جفعات هموريه قرب قرية سولم، وواصلا نحو الشمال إلى الناصرة. في الشرطة اعتبروا نقطة خروجهما من القرية «الطريق الأسهل»؛ لأنها منبسطة وممهدة. وقد تحركا في الليل وكانا في النهار يختبئان.
قال الاثنان في التحقيق معهما بأنهما تناولا قطعاً من الحلوى أثناء الهروب قاما بشرائها في السجن، إضافة إلى الفواكه والخضار من الحقول التي توجد حولهما، مثل القثائيات والرمان والحمضيات. وشربا مياها من أنابيب الري. وقدرت الشرطة أنهما دخلا الناصرة، التي تم اعتقالهما فيها بسبب الجوع. في صباح اليوم الذي تم اعتقالهما فيه، 10 أيلول، اجتازا شارع العفولة – الناصرة 60، وبعد غروب الشمس توجهوا نحو هار هكفيتسا. في الليل أبلغ أحد سكان المدينة عن شخصين طلبا المساعدة منه والحصول على الطعام. وبعد 45 دقيقة على المحادثة تم اعتقالهما في المدينة بدون أي مقاومة.

زكريا الزبيدي ومحمد العارضة
وقال مصدر رفيع في الشرطة إنه بعد الانفصال خرج سجين «فتح» الوحيد من بين الفارين ومحمد العارضة عبر البوابة الجنوبية للناعورة، وسارا شمالاً نحو طمرة. من هناك توجها شرقاً إلى منطقة كيبوتس غزيت وبعدها غرباً إلى هار تبور.
يوم الجمعة، قبل الساعة الثامنة مساء، وفي موازاة وقت إلقاء القبض على العارضة وقادري، أبلغ احد سكان القرى في المنطقة أن هناك أشخاصاً طلبوا منه أثناء سفره في تراكتور قرب أم الغنم المساعدة في الوصول إلى قرية اكسال. قوة مشتركة من الشرطة والجيش وصلت إلى المكان، وشخصت آثار حذاء كانت تشبه آثار حذاء وجدت قرب فتحة الخروج من السجن. وفي الساعة الخامسة تم تتويج عملية البحث بنجاح. وصلت قوات خاصة من الشرطة إلى كراج شاحنات في المنطقة ووجدتهما متعبَين.
قدّر المحققون بأنهما وصلا للمرة الأولى إلى المكان الذي تم اعتقالهما فيه قبل بضع ساعات من العثور عليهما. ومن غير المعروف ماذا تناولا أثناء الهرب، وهناك اعتقاد بأنهما عاشا على ما وصلت إليه ايديهما، وأكلا من الثمار المزروعة في المنطقة. كان هناك شك أنهما قد حصلا على مساعدة أقارب للزبيدي يسكنون في الشمال، لكن بعد الفحص تم استبعاد هذا الشك بسرعة.

مناضل نفيعات وأيهم كممجي
بعد أن خرجا من الناعورة ذهبا إلى قرية سولم واجتازا شارع 65 نحو بلفوريا. في ليلة الثلاثاء – الأربعاء، في الساعة الثانية، 8 أيلول، أبلغ شرطي مرور عن اثنين اجتازا الشارع نحو منطقة زراعية في الموشاف. وقام بالبحث عنهما، واستدعى سيارات أخرى للشرطة ولكن لم يتم العثور عليهما.
عند طلوع الشمس لم يعط المحققون أي اهتمام لما حدث في الليل. ولكن أثناء النهار تم استئناف عملية التفتيش في المنطقة، وأدت إلى العثور على أغراض كانت مطابقة للأغراض التي تمت مشاهدتها معهما بعد خروجهما من السجن، مثل حقيبة بلون بني مع ورود عليها كان يحملها كممجي عند خروجه من المسجد في الناعورة، وكان فيها سجائر ومصحف وقطع حلوى وملابس وأجهزة راديو. حسب أقوال مصدر في الشرطة «لم يبق أدنى شك بأن الأمر يتعلق بهما». أجهزة الراديو، التي تم العثور عليها، كانت موجهة لقنوات فلسطينية. وحسب تقدير المحققين، كانا على علم بالتفتيش الذي يجري عنهما.
الآثار التي تم العثور عليها في مسار الهرب أشارت إلى أنهما انفصلا، لكن المحققين لم يحددوا الأمر بشكل مؤكد. مصدر في الشرطة قال إن نفيعات تم توثيقه وهو يجتاز الجدار نحو شمال الضفة في 8 أيلول من خلال فتحة بين سالم والجلمة، بمساعده شخص آخر. المسافة التي اجتازها من منطقة بلفوريا إلى الجدار عبر منطقة تعنخيم هي تقريباً 13 كم. من هناك واصل الى جنين، في البداية إلى مخيم جنين وبعد ذلك إلى المدينة. وتم اعتقاله هناك مع كممجي في نهاية الأسبوع الماضي، في ليلة السبت – الأحد. من التحقيق الأولي معهما تبين أنهما وجدا صعوبة في العثور على شقة سرية في جنين، لذلك قاما بالاختباء في بيت أحد أبناء العائلة. مكان البيت، المكشوف نسبياً، سهل على «قوات الأمن» عملية اعتقالهما.
فيما يتعلق بكممجي، اعترف مصدر كبير بأن «رحلته بقيت لغزاً». خلال أيام المطاردة قال مصدر في الشرطة إن «الشاباك» كان يعرف عن فيلم قام بتصويره قبل خروجه من السجن. في الفيلم ظهر كممجي وهو يقول إنه سيبذل كل ما في استطاعته كي لا يعود إلى السجن، حتى لو كانت حياته هي الثمن. لذلك، خشيت «قوات الأمن» من أنه سيحاول تنفيذ عملية أثناء هروبه، خاصة في الأيام التي أعقبت اعتقال زملائه. تركز التفتيش بحثاً عنه في اكسال التي كان يعمل فيها قبل سجنه.
في الشرطة لا يعرفون متى اجتاز كممجي الجدار، وهل فعل ذلك مع زميله. الادعاء بأنه فعل ذلك بعد يومين على هروبه من السجن يناقض ادعاء الشرطة والآثار التي تم العثور عليها في بلفوريا. ولم يتمكن المحققون من الملاءمة بين اتجاهي التحقيق، لكنهم يعتقدون أنه وصل إلى أراضي السلطة بعد يومين من وصوله إلى بلفوريا.

الأسئلة التي بقيت مفتوحة
باستثناء مخالفة الهروب، يتهم الآن السجناء الستة أيضاً بالتخطيط لتنفيذ عملية «إرهابية». العقوبة على الأفعال المنسوبة لهم هي عشرون سنة سجناً، لكن أربعة منهم هم في الأصل يقضون عقوبة المؤبد. الزبيدي ونفيعات كانا معتقلين وتجري محاكمتهما. والسجناء الذين بقوا في السجن وعرفوا عن عملية الهرب اتهموا بالمساعدة في ذلك.
الأربعة الأوائل تم اعتقالهم الآن لمدة أسبوعين، والآخران يوجدان في أيام التحقيق الأولى. يحاول المحققون، الآن، استكمال تفاصيل عملية الهروب قبل تقديم لوائح الاتهام: لماذا لم يكن السجناء الستة منظمين، ولم يهربوا على الفور إلى جنين، وابتعدوا نحو شمال الضفة؛ لماذا انفصلوا إلى خلايا صغيرة وكيف تم تحديد الزوجين؛ وماذا كانت خططهم للأيام التالية للهروب، على فرض أنهم خططوا كي لا يتم القاء القبض عليهم. إلى جانب ذلك يتم أيضاً فحص الأحداث داخل السجن، والأخطاء في مصلحة السجون، وفي ليلة الهروب نفسها.

عن «هآرتس»