هآرتس – عنف المستوطنين في جبل الخليل يخدم سياسة الحكومة

حجم الخط

هآرتس – بقلم  عميره هاس  

 

الاوصاف التي قدمها شهود العيان على الهجوم الذي نفذه يهود في عيد نزول التوراة بسكان القرية الفلسطينية المفقرة، هي اوصاف تقشعر لها الابدان. باسل عذرا من القرية المجاورة التواني، كتب أن عشرات المستوطنين الملثمين “ذهبوا من بيت الى بيت، وبالسكاكين والمطارق هشموا زجاج النوافذ وزجاج السيارات. حجر كبير قاموا برميه اصاب رأس طفل ابن 3 سنوات، وهو محمد الذي يوجد الآن في المستشفى. الجنود ساعدوهم بالغاز المسيل للدموع، السكان هربوا. أنا لا يمكنني نسيان كيف أن القرويين غادروا منازلهم وهم مذعورون من الخوف، الاطفال يصرخون، النساء يبكون في حين أن المستوطنين يدخلون الى غرف معيشتهم وكأنه تملكهم العنف والغضب”.

المفقرة هي احدى قرى المغائر التي تقع في اطراف مدينة اللواء يطا، التي تسعى اسرائيل منذ عشرات السنين الى اقتلاع سكانها وتدميرها، في حين أن سكان هذه القرى يظهرون قدرة عالية على الصمود ويبقون فيها. هم يرفضون مغادرة منازلهم رغم ظروف الحياة الصعبة التي تفرضها عليهم المحظورات الاسرائيلية، مثل حظر الاتصال بالبنى التحتية للمياه، حظر الاتصال بالبنى التحتية للكهرباء، حظر البناء بما في ذلك العيادات والمدارس وحدائق الالعاب للاطفال، حظر شق طرق أو ترميم طرق لتصل فيما بينها. مع ذلك، هناك كثيرون، معظمهم من الشباب، يغادرون بالضبط بسبب هذه المحظورات الصارمة وتقييد امكانية التطور.

العملية الرسمية التي تقوم بها الدولة، اقتلاع سكان القرى من بيوتهم، تستمر لفترة طويلة وهي بحاجة الى اجراءات: هناك التماسات للمحكمة العليا، استئنافات، تقديم آراء قانونية، القليل من الانتقاد الدولي والادانة الاوروبية الضعيفة جدا. ولكن تهديد مباشر على حياة السكان، مثلما يجسد ذلك هذا الهجوم ومئات الهجمات الاخرى التي يقوم بها اليهود المعنيون بالعقارات التي توجد في الضفة الغربية، يستهدف تسريع عملية تنغيص الحياة كوسيلة مباشرة للطرد. في مجلس مسافر يطا مثلما هي الحال في معظم مناطق الضفة فان العنف المخصخص كما يبدو للمستوطنين يخدم السياسة الرسمية.

اسرائيل تتنكر لحقيقة أن قرى المغائر في مسافر يطا كانت موجودة حتى قبل قيام الدولة، وبالتأكيد قبل احتلال الضفة الغربية في 1967. اسرائيل معنية بمحو حقيقة أن طابع تطور القرى الصغيرة، أي الخروج التدريجي من المغائر الى مباني فوق سطح الارض، وأن نمط الحياة الذي يعيشه السكان فيها، الرعي والزراعة البعلية البدائية للاحتياجات المنزلية، هي جزء لا ينفصل عن التاريخ والجغرافيا الفلسطينيين في المنطقة. هذه القرى وامتدادها هي نسيج عضوي، تحافظ القرى والسكان فيه على تفاعل عائلي واقتصادي واجتماعي وثقافي منذ سنوات كثيرة فيما بينهم ومع مدينة يطا.

الذريعة القانونية لمطالبة اسرائيل اقتلاع السكان هي أنهم يوجدون في منطقة التدريب 918، التي خصصت للتدريب العسكري. سكان حوالي 12 قرية في المنطقة طردوا في السابق من بيوتهم في نهاية العام 1999 من قبل الجيش بذريعة أنهم قاموا بغزو منطقة تدريب. قوات الجيش قامت بمصادرة الخيام وهدمت المباني وصادرة الامتعة وحملوا الناس في الشاحنات وقاموا بانزالهم في يطا. اهود باراك كان في حينه هو رئيس الحكومة ووزير الدفاع. 

في رد على التماسات مستعجلة قدمتها جمعية حقوق المواطن والمحامي شلومو ليكر سمحت المحكمة العليا بعودة الناس بأمر مؤقت، لكنها لم تسمح لهم بترميم المباني والاتصال بالبنى التحتية والبناء حسب الزيادة الطبيعية وتطور الاحتياجات والمطالب في القرن الواحد والعشرين. بناء على ذلك وطوال سنوات فان هذه القرى تعاني من موجات الهدم التي تقوم بها الادارة المدنية للمباني البسيطة التي قاموا ببنائها.  النسخة الثانية من هذه الاستئنافات (من العام 2013) ما زالت تنتظر قرار القضاة. مؤخرا استجاب القضاة لطلب مجلس مسافر يطا التي يمثلها المحامية نتاع عومر – شيف الانضمام للاجراءات القانونية كصديقة للمحكمة. وسيتم اجراء نقاش قانوني حاسم في الالتماس ضد اجتثاث السكان من قراهم وضد هدم القرى في شهر تشرين الثاني.

معهد عكفوت عثر قبل سنة تقريبا على وثيقة تثبت بأنه خلف الاعلان عن منطقة التدريب في جنوب شرق الضفة كانت هناك نية واضحة لوقف التطور الفلسطيني الطبيعي في المنطقة. في جلسة لجنة الاستيطان المشتركة مع الحكومة والهستدروت في 12 تموز 1981 قال وزير الزراعة في حينه، اريئيل شارون: “نحن نريد أن نعرض عليكم مناطق تدريب اخرى… على الحدود بين منحدرات جبل الخليل وصحراء يهودا”. شارون اوضح بأنه توجد للحكومة مصلحة في وجود الجيش في هذه المناطق بسبب “انتشار عرب الجبل القروي على سفح الجبل نحو الصحراء”. في اعقاب هذه الجلسة تم الاعلان عن منطقة مساحتها 33 ألف دونم، وهي الفضاء العام والزراعي لتجمعات مسافر يطا، كمنطقة عسكرية.

هناك المزيد من الوثائق التي تدل على قدم قرى المغائر، التي قدمتها المحامية عومر – شيف لقضاة المحكمة العليا. عالم الجغرافيا والجيولوجي الاسرائيلي، نتان شليم، وهو من مواليد سالونيكي، زار المنطقة في السابق في 1931 وكتب في كتابه بعنوان “صحراء يهودا” عن الامتدادات (الخرب) التي توجد ليطا في المنطقة وعن نجاعة المغائر السكنية. ايضا صور جوية من العام 1945 ومسح بريطاني من العام 1879 وخارطة مالية من العام 1933، المذكورة في آراء مهنية مختلفة قدمت للمحكمة، تدل على وجود هذه الامتدادات منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

محمود حمامدة ولد في 1965 في مغارة في قرية المفقرة، التي تستخدم حتى الآن للسكن. في شهر شباط الماضي قال للصحيفة: “هذه كانت مغارة أبي وقبل ذلك مغادرة والده. كانت توجد هنا 22 مغارة قديمة. أنا وأخي تعلمنا في مدرسة في يطا لأن جدتي كانت تعيش هناك قرب المدرسة. كنا نذهب في الصباح سيرا على الاقدام ونعود في المساء. وعندما كانت الامطار تهطل كنا نبيت عندها”.

في عملية الطرد في 1999 كان حمامدة عمره 34 سنة. في هجوم أمس اصيب هو وحفيده. وقد كتب المراسل يوفال ابراهام في صحيفة “محادثة محلية” في حينه: “حجر اصاب رأس طفل ابن ثلاث سنوات، محمد، ونقل الى المستشفى وهو ما زال فيه حتى الآن. وهناك شرخ في جمجمته ونزيف داخلي وفي الغد سيتم اجراء عملية له كما يبدو. على ارضية بيته بقيت بقعة دماء. لقد كان في البيت عندما قام ملثمون بالمهاجمة بحجارة كبيرة. الجد الذي يوجد معنا الآن قلق جدا وهو مصاب ايضا”. 

يوجد اسرائيليون يتساءلون لماذا سلطات القانون والجيش والشرطة والهيئة الحكومية الاخرى التي تعمل في الضفة الغربية، أي الادارة المدنية، لا تقوم بمنع المستوطنين العنيفين والهجمات، حتى في وضح النهار وامام الكاميرات، على الفلسطينيين. أحد الاجوبة هو أن هذه المؤسسات تعمل بالضبط على تطبيق سياسة الحكومة باخلاء ما يسمى بمناطق ج من السكان الفلسطينيين وتوسيع المستوطنات.

الجنود الذين اطلقوا أمس النار على الفلسطينيين الذين ارادوا الاختباء من المهاجمين، والجنود الذين هاجموا نشطاء “مقاتلون من اجل السلام” قبل اسبوعين تقريبا، فقط لأنهم ارادوا نقل المياه لعائلة في المفقرة، يدركون من خلال خدمتهم رسالة الحكومة الرسمية. أي أن الارض ليست لأحد وأن الفلسطينيين فيها هم شيء فائض وغير ضروري ويجب اقتلاعه. هذا ايضا ممكن ومربح، رغم أنه مخالف للقانون الدولي.