عن الحلف السرّي بين حماس وإسرائيل

9BC6F706-D2EF-4B97-B26B-8D0C74E2B942-e1601732801548.jpeg
حجم الخط

بقلم عبير بشير 

 

في نهاية المطاف، كلّ شيء يظهر تكثيفاً للسياسة: فالهروب الكبير والأسطوري للأسرى الفلسطينيّين الستّة عبر ثقب في المرحاض من سجن جلبوع الإسرائيلي الشديد التحصين، له صلة سياسية أوسع بكثير ممّا يبدو للعيان.

صحيح أنّ هذا الفرار انتهى دراماتيكيّاً بالقبض على الأسرى الفارّين، لكنّه أضاء على الثقب الكبير الذي حفره نتانياهو خلال 12 عاماً من حكمه، من أجل القضاء على أيّه فرصة للتوصّل إلى تسوية سياسية دائمة مع الفلسطينيين.

جاء ذلك في سياق استراتيجية نتانياهو لإدارة الأزمة مع الفلسطينيين، بدون دفع الاستحقاقات الواجبة لصناعة السلام. وقد بدأ عندما قرّر نتانياهو أنّ حركة حماس، بعد سيطرتها على غزّة ونزوعها إلى الانفصال، قد تشكّل أداة قويّة في الصراع من أجل تحطيم أهميّة وقوة ونفوذ السلطة الفلسطينيّة، برئاسة محمود عباس (أبو مازن)، والحفاظ على حكم نتانياهو بوصفه سيّد الأمن.

تلاقت مصالح نتانياهو وحركة حماس على إبقاء الوضع الفلسطيني على حاله، الأمر الذي يضمن استمرار سيطرة الحركة على غزة، وإقصاء السلطة الفلسطينية

لقد كانت الجولات المتكرّرة للحملات العسكرية ضدّ قطاع غزة، التي نتج عنها انجرارٌ إلى معارك بدون حسم، وبدون إسقاط حركة حماس، ومع كثير من الدمار والقتلى، العنوان الأبرز لسياسة نتانياهو ضدّ قطاع غزّة في سنوات حكمه.

كانت استراتيجية نتانياهو هي الإبقاء على الستاتيكو القائم في الأراضي الفلسطينية، لأنّه يعرف أنّ الضمّ الفعلي للضفة سيسبّب أضراراً جسيمة. الحلّ الأفضل، من وجهة نظره، هو الإبقاء على الوضع القائم لـ150 سنة أخرى، وإبقاء غزة بعيدة عن الضفة الغربية، لمنع إقامة الدولة الفلسطينية.

وبالنسبة إلى حركة حماس، التي تنافس حركة فتح على التمثيل الفلسطيني، فهي لم تكن بحاجة إلى تلك المعارك، لكنّها لا تتردّد في إشعال حروب صغيرة ومضبوطة بين الحين والآخر. فحرب منضبطة لتجميل صورة حماس، وإظهارها قوّة مقاومة ضاربة في وجه إسرائيل الغاشمة والمتنكّرة للحقوق الفلسطينية، وفي مواجهة السلطة الفلسطينية الخانعة، ستكون أمراً جيّداً في الصراع على الوعي الفلسطيني والعربي، وعلى التمثيل الفلسطيني.

يقول حاييم رامون، أحد قادة حزب العمل الإسرائيلي، إنّ “نتانياهو، منذ وصوله إلى السلطة عام 2009، وقّع “اتفاقاً غير مكتوب مع حماس”، لإحباط السلطة الفلسطينية، ووأد أيّ مفاوضات سلام في مهدها، بحجّة أنّ غزة خارجة عن سيطرة السلطة الفلسطينية، وأنّ السلطة لا تمثّل الكلّ الفلسطيني”.

ويضيف رامون: “هل سألت نفسك مرّة لماذا لا يدمّر نتانياهو حكم حماس في غزّة؟ فقد كان في إمكان نتانياهو أن يقضي على حكم حماس في قطاع غزة في عملية “الجرف الصامد”، لكنّه اختار ألا يقوم بذلك. الجواب بسيط جداً: لأنّ حماس هي مصلحة عليا بالنسبة إليه. تخيّل لو أنّ السلطة الفلسطينية أعادت السيطرة على قطاع غزة. كانت ستطرح مطالب مختلفة بالنسبة إلى السلام، وكان سيزداد الضغط الدولي عليه”.

هكذا تلاقت مصالح نتانياهو وحركة حماس على إبقاء الوضع الفلسطيني على حاله، الأمر الذي يضمن استمرار سيطرة الحركة على غزة، وإقصاء السلطة الفلسطينية. واستخدم نتانياهو العداء العلني مع “حماس”، سياسياً في الداخل الإسرائيلي وأمام منافسيه، وأمام الرأي العامّ العالمي، على أساس أنّ إسرائيل محاطة بالأعداء الذين يريدون إلقاء شعبها في البحر، وهم لا يتوقّفون عن إمطار المدن والبلدات الإسرائيلية بمئات الصواريخ!

يقول حاييم رامون، أحد قادة حزب العمل الإسرائيلي، إنّ “نتانياهو، منذ وصوله إلى السلطة عام 2009، وقّع “اتفاقاً غير مكتوب مع حماس”، لإحباط السلطة الفلسطينية، ووأد أيّ مفاوضات سلام في مهدها

خلال سنوات حكم نتانياهو الطويلة، أقامت “حماس” وإسرائيل معادلة ردع مشتركة، بحيث تمنع الحركة الفصائل المسلّحة في غزة من الهجوم على إسرائيل لتفادي ردود فعل عنيفة من تل أبيب. وفي المقابل، يمكن لقادة “حماس” التنقّل من دون خوف من الاغتيالات. فإسماعيل هنيّة كان يمارس رياضة الركض في شوارع غزة، وقائد كتائب القسام مروان عيسى يمارس الرياضة في نادي البرج لكرة السلّة، فيما يقوم أعضاء حماس باستعراضات عسكرية في العلن من دون الخوف من أيّ هجوم.

لقد بدأت استراتيجية نتانياهو تجاه قطاع غزة تتبلور منذ 2009، أي بُعَيْد الحسم العسكري في القطاع، ويمكن تلخيصها وفق معادلة “الهدوء مقابل الهدوء”، وتقوم على ثلاثة أسس:

أولاً، على الصعيد المالي، حصول حماس على المال مقابل الهدوء في قطاع غزة.

ثانياً، على المستوى السياسي، المحافظة على الانقسام الفلسطيني، من خلال منع انهيار حكم حماس في غزة. لذلك سمح نتانياهو بإدخال الأموال القطرية إلى غزة عبر حقائب.

ثالثاً، على الصعيد العسكري، استخدام قوة مفرطة في الأعمال العسكرية ضد غزة للحفاظ على قوة ردع متصاعدة.

لكنّ نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الحالي، كان من أشدّ المنتقدين لاستراتيجية نتانياهو تجاه قطاع غزة القائمة على معادلة “الهدوء مقابل الهدوء”، والتي تشمل إدخال أموال المنحة القطرية بشكل شهري إلى قطاع غزة، حيث كان يعتبر بينيت أنّ ذلك يساهم في تقوية حركة حماس وجناحها العسكري. صحيح أنّ الأموال كانت تُستخدم في الشقّ المدني في قطاع غزة، لكنّ بينيت وقادة إسرائيل كانوا يعلمون أنّ حركة حماس، بوصفها الجهة الوحيدة المسيطرة والمسؤولة عن قطاع غزة، بدأت تستريح من خلال المنحة القطرية، من كثير من الأعباء المالية المترتّبة عليها لتسيير شؤون قطاع غزة الإنسانية، وتقوم بتحويلها إلى الجهد الحربي.

ومع اندلاع جولة قتال جديدة في غزة، في 10 أيار الماضي، بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، على وقع هبّة القدس، جمّد نتانياهو، الذي كان في أيامه الأخيرة كرئيس حكومة، الترتيبات المعمول بها تجاه غزة، والتي تشمل إدخال “الحقيبة القطرية”، التي تُعتبر شرياناً ماليّاً مهمّاً بالنسبة إلى حركة حماس.

لم تنجح غزوة غزّة في إمداد نتانياهو بأوكسيجين سياسي للبقاء على قيد الحياة سياسياً، وهو الذي كان تحت ضغط الملاحقات القضائية بتهم الفساد، بل على العكس سرّعت تلك الغزوة من نهاية نتانياهو السياسية، وانتهت حقبته عندما تمكّن نفتالي بينيت، اليميني وسيّد مشروع الاستيطان في الضفة، من تشكيل ائتلاف حكومي، فانتقلت غزّة عمليّاً من عهد نتانياهو إلى عهد بينيت.