هل الأزمة مع فياض أم مع أفكاره؟

طلال عوكل
حجم الخط

الأزمة التي أحدثتها زيارة الدكتور سلام فياض إلى غزة، تنطوي على أزمة أخلاق وطنية، أكثر من كونها قضية تصلح لأن تدخل حيز الحسابات السياسية أو التنظيمية التي تستدعي خوض معارك دونكيشوتية من المستوى الذي وقع. فياض رئيس حكومة سابق لنحو سبع سنوات، وعضو مجلس تشريعي فلسطيني، وشخصية وطنية وازنة، والسؤال هو إذا كان هذا الرجل محل شكوك من أي نوع، فلماذا وضع الرئيس محمود عباس ثقته فيه ليتسلم المسؤولية الأولى عن حكومته خلال أصعب الأوقات ولفترة طويلة؟ لماذا يرفض البعض، مبدأ الحوار الذي طرحه ويطالب به الدكتور فياض، سواء كان هذا الحوار مع فصائل أو نخب أو كان مع المجتمع، وأي ضرر يصيب أحداً من أن ينفتح الناس على الأفكار والمبادرات؟

لقد كنت واحداً ممن حضروا الندوة العامة الحاشدة التي عقدت في قاعة فندق الكومودور في غزة، وممن حضروا بعض اللقاءات المحدودة، لكنني لم أشعر ولا للحظة واحدة أن الرجل يحمل مشروعاً تنظيمياً، أو يهيئ لإعلانات تتصل بالمسؤوليات أو انه يحرض على احد تنظيماً كان أو فرداً.

ما الذي فعله فياض سوى أنه قام بزيارة جزء من الوطن لطرح أفكار تتعلق بالمصالحة، وتقدم خارطة طريق وطنية حقيقية ومقنعة، حتى لو اعتبرها البعض حالمة.

لقد شعرنا من بعض ردود الفعل الغاضبة وغير المتزنة، وكأن الرجل قام بزيارة لإسرائيل لإجراء مفاوضات من خارج الاطار الوطني والالتزام الوطني، وهو شعور ينكأ جرحاً عميقاً لدى الناس في غزة كل الناس من أنهم معزولون ومنبوذون من أهلهم.

فياض كان الوحيد من بين المسؤولين الذين زاروا غزة منذ سنوات الذي ذهب إلى اللقاء والحوار مع جمهور واسع متعطش للحوار والاستماع، ويبحث عن بارقة أمل. خلال اللقاء الواسع الذي حضره المئات ومنهم من لم يدع من قبل الدكتور احمد يوسف وبيت الحكمة الذي يديره، أظهر الرجل سعة صدر وسعة أفق، وكان يعرف مسبقاً أنه سيتعرض لأسئلة، ومداخلات، محرجة، وربما تفتقر لأخلاقيات وقواعد الحوار الراقي.

لا نفهم مطلقاً أن الرجل جاء إلى قطاع غزة، لإقامة تحالفات مع حماس أو غير حماس، أو لمجاملة أحد، أو اتهام أحد وهو دعا إلى حشد فكري سياسي، وليس إلى تجمع تنظيمي تطالب به أطراف كثيرة من أجل تشكيل كتلة ضغط على طرفي الانقسام.

ما تقدم به الدكتور فياض يستحق النقاش والحوار أكثر مما يستحق الإدانة، وتوجيه الاتهامات، وفي الحقيقة فإن العناصر الأساسية في رؤيته التي طرحها للخروج من نفق الانقسام، والتخبط الوطني، لا تنطوي على أفكار جديدة مئة بالمئة. الفصائل، عديد الفصائل، وشخصيات سياسية وفكرية وثقافية سبق أن طرحت، الأفكار ذاتها تقريباً، والكل يطالب بها، فلماذا تخضع هذه الأفكار لحسابات كمبيوترية تتعلق بالشخص أكثر مما تتعلق بالأفكار.

فياض طالب بحوار وطني جاد بين الجميع يستهدف بناء شراكة وطنية حقيقية، يبدأ بدعوة المرجعية القيادية المؤقتة لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي جرى الاتفاق عليها بين الجميع كأساس لاتفاق وطني على آليات بناء المؤسسة الوطنية الجامعة. فياض دعا الجميع إلى واقعية سياسية، لا تقبل الإقصاء وتسعى للاستفادة القصوى من التعددية السياسية التي تتميز بها الساحة الفلسطينية.

ودعا فياض لإعادة بناء الخطاب السياسي الفلسطيني من موقع الندية مع الاحتلال، ولإعادة بناء العلاقة معه على أساس الاعتراف ابتداءً بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على كامل الأراضي التي احتلتها إسرائيل العام 1967، وبعاصمتها القدس الشرقية، كجزء من الحقوق التي أقرتها الشرعية الدولية. لم يطلب فياض من أحد أن يغير برامجه السياسية أو أن يتنازل عن مواقفه، لكنه يرى أن ثمة فرصة موضوعية لالتقاء الكل على قواسم مشتركة، توفرها السياسة الإسرائيلية الماضية في فرض مخططاتها وأطماعها التوسعية.

المخططات الإسرائيلية لا تنطوي على احتمال الموافقة على رؤية الدولتين، ولا على احتمال الموافقة على رؤية دولة واحدة لشعبين، فإذاً لماذا يختلف الفلسطينيون على الهدف إن كان دولة على الأراضي المحتلة العام 1967، أو تحرير فلسطين من النهر إلى البحر؟ وبصراحة شديدة، لم يكن من الوطنية التعريض بهذه الزيارة ومقاطعتها، والتشهير بالدكتور سلام فياض بدلاً من مناقشة الأفكار التي طرحها، وتلقى قبولاً شعبياً واسعاً.