هآرتس – قرية واحدة، احتجاج واحد، خمسة اشهر، سبعة قتلى

0A4A0983-323E-4040-98A0-60987A26316C-e1608481804606.jpeg
حجم الخط

هآرتس – بقلم  جدعون ليفي  

 

غزل ولدت قبل ثمانية اشهر. وهي طفلة كبيرة لديها اقراط صغيرة. في يوم الاثنين الماضي قام ابناء عائلتها باجلاسها تحت شجرة زيتون في حقل العائلة، في وسط دائرة من الحجارة الصغيرة، التي بقعة الدم ما زالت ترى فيها. غزل ابتسمت، لم يكن لديها بالطبع أي فكرة عن المكان الذي قام باجلاسها فيه جدها وعمها. بقعة الدم هي بقعة دم والدها، وهو الدم الذي سال من رأسه بعد أن قام قناص للجيش الاسرائيلي باطلاق النار عليه من بعيد وقتله في المكان، قبل ثلاثة ايام من مجيئنا الى هناك. 

الدماء منتشرة على الحجارة في حقل الزيتون الذي تمت فلاحته والذي يمتد عشرات الامتار، وهو مسار اخلاء الشهيد. هنا جلس والدها في يوم الجمعة الماضي، تحت شجرة الزيتون، في حقل الزيتون العائد لعائلته. وعلى قمة الجبل في المقابل وقف قناص ووجه بندقيته واطلق رصاصة واحدة اصابت رأسه وهشمت جمجمته. صور رأسه المهشم والدماغ الذي سال منه هي صور صادمة. يا ليت القناص كان يرى ذلك. فهو ما كان سيطلق النار مرة اخرى. يا ليت لو أنه شاهد جد وعم الطفلة. الأب والعم اجلساها في المكان الذي سقط فيه والدها قبل ثلاثة ايام فقط. لقد بكا الأب علي والشقيق ابراهيم بألم، ومعهما اصدقاء الشهيد الذين تجمعوا حول شجرة الزيتون. لافتة عليها صورة الشهيد كانت ملفوفة على جذع الشجرة. شخص يقوم بتصوير المشهد بالفيديو. عندما ستكبر غزل سيعرضون الفيديو عليها.

غزل كانت البنت الوحيدة لمحمد خبيصة، الدهان في مهنته وعمره 28 سنة من قرية بيتا، الذي قتله قناص من الجيش الاسرائيلي. فقد اطلق النار الحية عليه في يوم الجمعة الماضي. هذا هو اسلوب الجيش الاسرائيلي لانهاء المظاهرات في القرية ضد بؤرة افيتار التي بنيت بصورة غير قانونية على اراضيها. افيتار في الحقيقة تم اخلاءها من الغزاة، لكن البيوت فيها بقيت على حالها، والارض لم تتم اعادتها لاصحابها. جبل صبيح، جبل الزيتون في بيتا، كروم مزروعة على سفوحه وعلى قمته يوجد دمل افيتار. لا يمكن عدم تذكر الظهور المتكرر للناشطة الاستيطانية دانييلا فايس بعد اقامة هذا الورم، وهي تبتسم ابتسامة اجرامية. 

الآن يوجد ثمانية قتلى منذ شهر أيار، الذين سقطوا في النضال على الارض المسروقة، سبعة قتلى منهم من بيتا. دماءهم موجودة على أيدي المستوطنين ووزير الدفاع والجيش الاسرائيلي. هؤلاء جميعا يعرفون ايضا أن افيتار ستبقى. اخلاءها كان فقط غمز مؤقت لسلطة القانون. ولكن في بيتا يقولون بأنهم لن يتنازلوا. “ربما بعد اطلاق 15 ألف رصالة وقتل جميع سكان القرية، عندها ستصبح الارض لكم”، قال عم القتيل، موسى خبيصة، قرب المكان الذي قتل فيه ابن اخيه. الطفلة التي لا تعرف أي شيء تجلس على الارض المشبعة بدماء والدها والشباب الذين يبكون حولها، وبيوت افيتار الوقحة والمتحدية على الجبل  – الدماء تغلي.

سبعة وواحد آخر

النادي الثقافي في بيتا يوجد في وسط القرية. جدرانه مغطاة حتى الاعلى بصور شهداء الاشهر الاخيرة، اشهر القتل منذ اقامة افيتار. بدءا برجل القانون، د. عيسى داود، الذي قتل على أيدي جنود الجيش في 14 أيار، وهو أول القتلى، الذي شقيقه الثاكل يجلس معنا الآن في النادي، وانتهاء بالدهان محمد خبيصة، القتيل الاخير حتى الآن الذي قتل في 24 ايلول، وعائلته الآن في الحداد عليه. القتلى السبعة من القرية والآخر من قرية يتما المجاورة. سبعة منهم قتلوا في المظاهرات والقتيل الثامن، من بيتا، لم يقتل في المظاهرات، شادي الشرفا، سباك القرية، الذي ذهب لفتح انبوب المياه على مدخل القرية وقتل على ايدي الجنود في مساء 27 تموز الماضي. 

خبيصة تزوج قبل سنة ونصف تقريبا من ابنة عمه ملك. وهي طالبة التعليم الخاص في جامعة القدس المفتوحة وعمرها 21 سنة. غزل هي ابنتهم الوحيدة. علي خبيصة، الأب الثاكل، هو عامل عمره 58 سنة، عمل معظم حياته في اسرائيل. ايضا محمد ابنه عمل في اسرائيل في الفترة التي نجح فيها في الحصول على تصريح عمل. في يوم الخميس الماضي جاءت ملك ومحمد وغزل لزيارة الجد والجدة في بيتهم الذي يوجد على بعد 500 متر عن بيتهم. هذه كانت المرة الاخيرة التي شوهدوا فيها معا. الآن بيت الزوجين الشابين مغطى بصور محمد وهو يعانق غزل في ملصق حداد كبير. فجأة تم احضار غزل الى الغرفة التي توجد في النادي والتي يجلسون فيها في ايام العزاء. وجدها لم يتمكن من عدم البكاء. باحث “بتسيلم” عبد الكريم سعدي، الذي شاهد في السابق كل شيء، حاول عبثا حبس دموعه.

الهدوء الحزين ساد في الغرفة، العم موسى (49 سنة) قال: “من المهم أن يعرف والدي الجندي اللذين ارسلا ابنهما الى الضفة الغربية من اجل قتل اشخاص توجد لهم طفلة في البيت، ما الذي يحدث هنا”. الأب علي قال إنه كان يريد تعيين المحامي افيغدور فيلدمان من اجل أن يقدم للمحاكمة الاحتلال الذي يتصرف بهذه الصورة ويقتل ابرياء، ومن اجل أن يعمل على ازالة افيتار.

“بدلا من التخطيط لحياتهم، فان الشباب لدينا يتم دفعهم بأيدي الاحتلال الى مكان مظلم جدا”، قال صهر الشهيد، محمد بني شمسة. “مستوطنان أو ثلاثة قاموا باقامة مستوطنة على اراضينا. وبعد ذلك جميع الجيش الاسرائيلي يقوم بحمايتهم. ما هو الفرق بينهم وبين عصابة اجرامية أو مافيا؟ الى متى سيعيش الفلسطينيون بدون عدالة؟ الى متى سيستمر هذا القتل؟ هذا يجب أن يتوقف الآن”. الأب علي قال: “عندما يتم قتل اسرائيلي يبذلون كل ما في استطاعتهم لالقاء القبض على القاتل أو قتله أو معاقبته. ولكن عندما يقتلون اولادنا فلا أحد يهتم في اسرائيل. نحن بحاجة الى قوة لحمايتنا. يوجد فرق كبير بين الاسرائيليين الذين نعمل معهم منذ سنوات في اسرائيل وبين الحكومة والمستوطنين الذين نعرفهم هنا”.

بعد ذلك، على قمة الجبل، في المكان الذي سقط فيه ابنه البكر محمد، قام الأب بقطف ورقة من شجرة الزيتون التي جلس تحتها ابنه، ودسها في جيبه من اجل الذكرى.