كـــنّــــا قــريـبين جـــدّاً مــن «حـــل الدولـتـين» فــي عـهــد أولمــرت

دمتري-شومسكي.jpeg
حجم الخط

بقلم: ديمتري شومسكي عن "هآرتس"


في مقال نشره قبل أسبوعين أحسن جدعون ليفي وصف وفهم الاستراتيجية الدقيقة والمحكمة لرئيس الحكومة، نفتالي بينيت، في أنه يبني بهدوء وبالتدريج دولة الأبرتهايد بين البحر والنهر، حيث كتب جدعون ليفي بأنه لم يكن هناك أي رئيس حكومة إسرائيلي ينوي تطبيق "حل الدولتين" الذي يتم ترديده ("هآرتس"، 19/9). ولكن للدقة، يجب القول إن رئيس حكومة كهذا كان موجودا في إسرائيل حقا، وهو ليس فقط كان ينوي تطبيق حل الدولتين الذي يتم ترديده، بل فعل كل ما في استطاعته من أجل أن يتحول هذا الترديد ذات يوم إلى واقع.
هذا السياسي، الذي خلال معظم حياته السياسية اعتبر من اتباع "ارض إسرائيل الكاملة" ومن اليمين الأيديولوجي المتشدد في نهاية المطاف اجتاز تغييرا فكريا أساسيا ويمكنه أن يدخل إلى كتب التاريخ كأحد الزعماء الشجعان وبعيدي النظر الذين عرفتهم إسرائيل الحديثة، هذا السياسي يسمونه إيهود أولمرت.
خلافا لإسحق رابين، الذي خشي في ذروة العملية السلمية من هذه الكلمات، "دولة فلسطينية"، وخلافا لإيهود باراك، الذي بسبب الدمج القاتل بين الغطرسة التي لا حدود لها والدوغماتية الأمنية أضر بصورة منهجية باحتمالية إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، فإن أولمرت قام ببلورة رؤية سياسية واضحة فيما يتعلق بانسحاب إسرائيل من أراضي الضفة الغربية كأساس لإنهاء الاحتلال وتحقيق تقرير المصير الوطني للفلسطينيين على شكل دولة قابلة للحياة.
لم يبتسم القدر لأولمرت، ولم يسهل عليه ولو قليلا عندما أراد أن يدفع قدما بهذا الحلم.
بعد فترة قصيرة على انتخابه لرئاسة الحكومة اندلعت حرب لبنان الثانية، ورغم أن من نتائجها على المدى البعيد وجود هدوء أمني شبه مطلق في المنطقة الشمالية خلال سنوات وهي تدل على إعادة تأهيل ناجحة لردع إسرائيل أمام "حزب الله" إلا أنه على المدى القريب تضررت مكانة أولمرت العامة بسبب ذلك بصورة شديدة.
العدو اللدود للعملية السلمية، بنيامين نتنياهو، بمساعدة الثري من لاس فيغاس وصحيفته البيبية المجانية ومن خلال الرقص على دماء شهداء الحرب، ذهب واحتل المزيد من الحظوة في الرأي العام الإسرائيلي.
العقل المدبر، الذي يقف من وراء تأسيس حزب كديما، رجل وراء الكواليس في العملية السلمية بين إسرائيل والفلسطينيين، واليد السياسية اليمنى لأولمرت، حاييم رامون، تمت إدانته في كانون الثاني 2007 بعمل مشين استخدم بالإكراه، وبهذا خرج لفترة معينة من الساحة السياسية (لكن عندما قررت المحكمة بأنه لم يكن هناك ما يجلب العار في أفعاله، عاد إلى حياته السياسية بعد إنهاء عقوبته، وساهم بشكل كبير في الدفع قدما بعملية أنابوليس).
فوق كل ذلك، قوضت قضايا الفساد، التي تورط فيها أولمرت، أكثر فأكثر مكانته السياسية، وأثارت بشكل أشد مسألة شرعية رئيس حكومة يخضع للتحقيق في اتخاذ قرارات سياسية مصيرية.
رغم ذلك، في إطار عملية أنابوليس في الأعوام 2007 – 2009 تمكن أولمرت من التوصل، أكثر من أي رئيس إسرائيلي آخر، إلى اتفاق شامل مع الفلسطينيين.
وحسب شهادة رامون، رغم الفجوات التي بقيت بين الطرفين، فقد سجل في حينه تقدم مهم في كل قضية من قضايا النزاع الأربع: الأرض والحدود، والأمن، ومشكلة اللاجئين، والقدس.
حول مسألة الأرض والحدود تم الاتفاق مبدئيا على أن يكون مسار جدار الفصل الأساس لحدود مستقبلية للدولة الفلسطينية.
وحول مسألة الأمن وافق الطرف الفلسطيني على تواجد كثيف لقوة من "الناتو" بقيادة الولايات المتحدة، تسري صلاحياتها على الفلسطينيين فقط.
وتم الاتفاق أيضا على أن تواصل إسرائيل سيطرتها على منطقة غور الأردن عدة سنوات. وحول مشكلة اللاجئين فإن أساس الخلاف تم تقليصه إلى مسألة أرقام. ففي حين أن الطرف الإسرائيلي اقترح السماح لخمسة آلاف لاجئ في السنة بالدخول إلى إسرائيل خلال عشر سنوات، بإجمالي 50 ألف لاجئ، فإن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، طالب بدخول عشرة آلاف لاجئ في السنة لمدة 15 سنة، بإجمالي 150 ألف لاجئ.
تقدم مذهل بشكل خاص تم تحقيقه في المفاوضات كان حول قضية القدس. وهو موضوع كان يشكل عقبة كأداء بسببها فشلت محادثات كامب ديفيد في تموز 2000.
لأن إيهود باراك فزع مرة تلو الأخرى من مجرد فكرة تقسيم القدس فإن أولمرت قام ببلورة فكرة إبداعية وجريئة، بحسبها الحوض المقدس الذي يشمل البلدة القديمة سيتم اعتباره منطقة تحت وصاية دولية: السعودية والأردن وفلسطين وإسرائيل والولايات المتحدة.
وافق عباس على مبادئ اقتراح أولمرت، في حين احتج على ضم السكان الفلسطينيين في الطور وسلوان بصورة كانت ستجبرهم على العيش خارج السيادة الفلسطينية.
الكاتب الكبير والأب الثاكل، دافيد غروسمان، أخطأ عندما وصف في التجمع الذي عقد لإحياء ذكرى إسحق رابين في تشرين الثاني 2006 قيادة أولمرت بـ "القيادة الفارغة".
في حينه، في نهاية العام 2006 فصاعدا بدأ أولمرت في بلورة قناة المحادثات الشخصية مع عباس بهدف واضح وهو الدفع قدماً بالعملية السلمية التي بدأها رابين واستكمالها.
خلال ذلك تمكن من إيجاد نموذج إيجابي لحوار القادة، كان حميميا وموضوعيا، وبالأساس يرتكز على الثقة المتبادلة، وهو الحوار الذي بفضله اقتربا في عملية أنابوليس من اختراقة سياسية حقيقية.
في ذروة محادثات السلام، في صيف 2008، تبين أن وضع أولمرت في الساحة القانونية وصل إلى حضيض جديد.
وظهر أن أيام حكمه معدودة. عززت هذه الظروف تردد الطرف الفلسطيني بسبب الخوف من أن لا يستطيع أولمرت مواصلة قيادة العملية السلمية كما هو مطلوب. لذلك، امتنع عباس عن الإجابة عن اقتراح الحل الوسط الذي طرحه (في أيلول 2008) والذي عكس أساس التفاهمات التي تم التوصل إليها حتى ذلك الوقت، حتى لو أنه لم يرفضها بأي شكل من الأشكال.
جدعون ليفي محق في تحليلاته الكئيبة والحاضرة: جميع الدلائل السياسية والاجتماعية – الديمغرافية ذات الصلة، تحت الأرض وفوقها، تدل بشكل واضح على تشكل وتعزز واقع دولة أبرتهايد واحدة في الفضاء الواقع بين البحر والنهر. ولكن من الجدير بالذكر أن مفاوضات موضوعية وملموسة على الدفع قدما بحل الدولتين، التي أجراها رئيس الحكومة الـ 12، قطعت بالصدفة، بعد استقالة أولمرت في أعقاب قرار تقديم لائحة اتهام ضده، وليس بسبب عملية محتمة لا يمكن تجنبها، وهي عملية خلق الأبرتهايد. المعنى هو أن الطريق السياسية التي رسمها أولمرت بشجاعة وتصميم قبل 12 سنة ما زالت مفتوحة وتنتظر قدوم قيادة غير فارغة في المستقبل.

عن "هآرتس"