أحياناً لا يملك المرء جواباً مقنعاً حول إصرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس على عقد لقاءات مع مسؤولين في أحزاب يسارية صهيونية، ممثلين في الحكومة الإسرائيلية، وتشارك في رسم سياسات واتخاذ إجراءات يمينية عنصرية تعبر عن مواقف أكثر تطرفاً تجاه الفلسطينيين.
ودعوة الرئيس عباس لأعضاء الحكومة الاسرائيلية للالتقاء به بما فيهم وزيرة الداخلية الإسرائيلية، أييلت شاكيد، ونائبة بينت وهي الاكثر يمينية وتطرفا، والسؤال ما هي الفائدة التي ستعود علينا من الاجتماع معها، وهي التي لم تذكر إسمه وقالت: لن يحدث، لن ألتقي أحد منكري المحرقة والذي يقاضي جنود الجيش الإسرائيلي في محكمة العدل الدولية في لاهاي، ويدفع لقتلة اليهود.
لم يمضي على الحكومة الجديدة أربعة أشهر وبات لا مجال للشك وضوح السياسات الحكومية العنصرية الاستيطانية والتصريحات التي تصدر عن أركان الحكومة ممثلة برئيسها نفتالي بينت أو وزير الخارجية يائير لابيد وطرح مبادرات من تقليص الصراع، الى حلول اقتصادية في تنكر واضح لحقوق الفلسطينيين.
والاستمرار في تعزيز أركان دولة الفصل العنصري والضم الزاحف المتدرج والهادئ وغياب حل الدولتين عن جدول اعمال الحكومة في المنظور القريب او البعيد.
ومحاولة بينت خلال الخطاب الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الاسبوع الماضي، تجاهل فيه القضية الفلسطينية والإستيطان والاحتلال وجرائمه وانتهكاته اليومية.
أمس الأحد استقبل الرئيس عباس، وفدا من حزب "ميرتس" برئاسة وزير الصحة الإسرائيلي، نيتسان هوروفيتس، في مقر الرئاسة في مدينة رام الله.
هوروفيتس، قال إن ميرتس لديها مهمة داخل الحكومة، وهي الإبقاء على حل الدولتين حيا. لا تدعه يختفي، ولا تسمح بالإضرار بفرص تحقيقه في المستقبل، لأنه لا يوجد حل آخر، ونحن نؤمن بأنه لا مجال لإجراءات أحادية الجانب من شأنها الإضرار بفرص تنفيذ حل الدولتين. لا مستوطنات جديدة ولا بؤر استيطانية غير شرعية ولا عنف من قبل المتطرفين في أوساط المستوطنين.
حزب ميرتس جزء من هذه السياسات والإجراءات ويوافق عليها، ولا يخجل هيروفيتش من اتخاذ موقف عن سياسات، وما عبر عنه بينت وغيره من الذين يعلنون جهارا نهارا عن رفضهم لحل الدولتين وانه لا يوجد أي أفق سياسي ومستمرون في البناء الإستيطاني وقمع الفلسطينيين.
بينت وشاكيد وساعر وغيرهما من أركان الحكومة المؤمنين بفكرة السياسية أرض إسرائيل الكاملة ومن اليمين الأيديولوجي المتشدد، وهم ارتكبوا جرائم حرب ضد الفلسطينيين بما فيهم بني غانتس، أولئك لا ينوون تغيير أفكارهم. حتى لو اتفق الرئيس عباس معهم على 1 % فقط، فكيف سيكون ذلك بمثابة تقدم! مع مجرمي حرب؟
البعد العنصري في هذه الحكومة، وإن كان فيها من يؤمن بحل الدولتين كلامياً، يبعدهم عن رؤية الحقيقة، وعدالة القضية الفلسطينية، وأنها ستبقى حاضرة بدون الحديث مع أولئك العنصريين أو ما يسمى يسار صهيوني، طالما ان هناك شعب باق على أرضه يناضل من أجل التحرر والاستقلال.
جميع الوقائع تدل على تعميق وتعزيز واقع دولة الفصل العنصري، ولا أمل بحوار أو مفاوضات مع هذه الحكومة وغيرها من الحكومات المستقبلية. والحقيقة أن هذه اللقاءات سواء كانت مع ميرتس أو قبله بني غانتس وغيرهم من المسؤولين الأمنيين، كرئيس الشاباك السابق وربما اللاحق التقاه سراً هي مصلحة إسرائيلية بحتة، وفي الوقت ذاته لا تأثير لها على المستوى الوطني. وتأكيدهم على عدم إتخاذ خطوات أحادية الجانب وحل الدولتين والتمسك به وإبقاءه حياً، ولكن هذا يبقى بدون قوة تأثير في الحكومة أو حتى بين عموم الإسرائيليين ولا يمتلكون القدرة حتى على خوض نقاش وعن النأي بالنفس عن هذه السياسات والاستقالة من الحكومة.
في الوقت الذي يوجه الرئيس دعوة للحكومة الأسرائيلية الاكثر يمينة وتطرفا وعنصرية يرفض الرئيس سماع مركبات المجتمع الفلسطني، ورفضه اللقاء مع حركة حماس ووصف إسماعيل هنية بالهارب إلى قطر وعدم رغبته بسماع الشارع ورفضه لهذه اللقاءات والدعوات لمجرمي حرب، وما حققه الفلسطينيون من حالة الوحدة الوطنية والتضامن الدولي التي تجسدت بعد هبة القدس ونفق الحرية، أعتقد ان اللقاءات مع الفصائل وحركة حماس والمجتمع المدني قد أتفقوا على أكثر من 1% وقد يتتفقوا على 50%.
الوزير الفلسطيني في حكومة اليمين عيساوي فريج لا يعلم شيئ ولا يستطيع القول لا في الحكومة، ومع ذلك هو شريك في هذه الحكومة العنصرية التي تعمق الاستيطان، فكيف يتم استقباله والحديث معه؟
كان بإمكان الرئيس عباس دعوة المتضامين مع القضة الفلسطينية في انجاء العالم وتلك الأصوات التقدّمية التي صدحت معبرة عن إدانتها للجرائم الاسرائيلية وتؤكد على عدالة القضية الفلسطينية وجذورها عميقة، وأبعد من إقامة إسرائيل، وان الصراع الفلسطيني مع الحركة الصهيونية، لا يحتاج إلى توضيخ وتفصيل مع قادة أجهزة أمنية ووزراء يمينييون عنصريون، ويسار صهيوني شريك في ترسيخ نظام الفصل العنصري.