تشكيلة وفد «حماس» توحي بحصول تقدُّم في مسألة المفقودين الإسرائيليين

تسفي-برئيل.jpeg
حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل عن "هآرتس"


هل سنشهد قريباً نهاية قضية الأسرى وجثامين المفقودين الإسرائيليين؟
إن أردنا الحكم، استناداً إلى تشكيلة وفد "حماس" الذي وصل إلى مصر، أول من أمس، فمن الممكن أن نتوقع، على الأقل، حدوث تقدُّم جدي.
يترأس الوفد رئيس المكتب السياسي، إسماعيل هنية، القادم من قطر، يرافقه كلٌّ من قائد "حماس" في قطاع غزة، يحيى السنوار، ونائب هنية، صالح العاروري، والمسؤول عن "حماس الخارج"، خالد مشعل، وقادة رفيعون آخرون من قطاع غزة والخارج.
هذا هو الوفد الأرفع الذي يأتي إلى مصر بدعوة من رئيس الاستخبارات، الجنرال عباس كمال، ويبدو أن هذا التطور ليس منفصلاً عن زيارة نفتالي بينيت إلى مصر ولقائه الرئيس عبد الفتاح السيسي، الشهر المنصرم.
طبقاً لمصادر فلسطينية، فقد بُلِّغ قادة "حماس" قبل نحو ثلاثة أسابيع فحوى المحادثات بين السيسي وبينيت، وعقب مشاورات جرت في قيادة الحركة، استقر الرأي على أن "هنالك ما يمكن التحدث عنه"، على حد تعبير المصدر.
أمّا العقبة المركزية التي حالت دون ذلك، حتى الآن، فكانت مطالبة "حماس" بالفصل بين مسألة الأسرى وقضية إعادة إعمار قطاع غزة، ما رفضه كلٌّ من وزير الأمن، بني غانتس، ورئيس الحكومة بينيت. ذلك أن المعادلة الإسرائيلية تقضي بعدم السماح بإدخال أموال ومواد مُعدّة لترميم قطاع غزة وإعادة إعماره قبل إعادة الأسرى وجثامين الجنود المفقودين.
وثمة لغم آخر ما زال مزروعاً في قائمة الأسرى الذين تطالب "حماس" بالإفراج عنهم، لكن مصادر إسرائيلية تفيد بأن قائمة الأسماء أصبحت موضع اتفاق "تقريباً"، غير أن كلمة "تقريباً" هنا مشحونة جداً وقابلة للانفجار.
يلقى الموقف الإسرائيلي قبولاً وتفهماً من جانب السيسي الذي يدرك أنه يتعين عليه إيجاد صيغة تكون مقبولة لدى الطرفين، وأنه لا مجال لتجاوُز المطلب الإسرائيلي.
هذه هي المسألة التي ستوضع في قيد التداول خلال اليومين القريبين: حجم المقابل الذي ستحصل عليه "حماس" لقاء التنازل عن شرط الفصل بين تبادُل الأسرى وإعادة إعمار قطاع غزة.
وبحسب ما قالته المصادر الإسرائيلية لصحيفة "هآرتس"، فإن "بينيت وغانتس مستعدان لإبداء قدر عالٍ من السخاء لا يشمل فقط السماح بإدخال مواد بناء إلى قطاع غزة تحت إشراف ومراقبة هيئة دولية متفق عليها، وإنما العمل أيضاً من أجل تجنيد دول مانحة، عربية وغربية، لتمويل نفقات أعمال الترميم وإعادة الإعمار التي تتطلب مليارات الدولارات".
كان بينيت أوضح في السابق أن إعادة إعمار قطاع غزة هي "مصلحة إسرائيلية كبرى"، بينما عرض وزير الخارجية، يائير لبيد، خطة من مرحلتين لإعادة إعمار القطاع: توفير المعونات الإنسانية، بما في ذلك إعادة تأهيل شبكات الكهرباء والمياه، ثم بناء جزيرة اصطناعية وميناء بحري، لاحقاً.
هذا كله ضمن استراتيجية "الاقتصاد مقابل الأمن" التي يسعى بينت لتطبيقها في الضفة الغربية وقطاع غزة بدلاً من الحل السياسي "غير القابل للتطبيق في الظروف السياسية الراهنة"، على حد تعبير الوزير لبيد.
ويبقى السؤال عمّا إذا كانت "حماس"، التي تطالب بضمانات جوهرية جدية لتنفيذ خطة إعادة البناء، ستوافق هذه المرة على تمييع الشرط الذي وضعته من قبل.
تجاوزت حركة "حماس" العائق الأيديولوجي المتمثل في تعريفها واعتبارها حركة مقاومة ملتزمة بمحاربة إسرائيل بمختلف الوسائل، وذلك حين وافقت على إجراء مفاوضات معها بشأن وقف إطلاق النار لمدى طويل.
وقبل قضية الأسرى والمفقودين وضعت "حماس" إعادة إعمار قطاع غزة شرطاً لأي تهدئة، على الرغم من علمها بأن إعادة الإعمار تعني الارتباط الوثيق جداً بإسرائيل، التي تتصرف من خلال التنسيق التام مع مصر.
يتعين على حركة "حماس"، الآن، كتنظيم وكسلطة حاكمة، مواجهة الأسئلة المترتبة عن مكانتها على الساحة العربية وخارجها. فالتطورات التي طرأت على صعيد العلاقات بين مصر وتركيا، وبين تركيا ودولة الإمارات العربية المتحدة، تحتم عليها دراسة انعكاساتها وارتداداتها عليها. ومن ذلك، على سبيل المثال، أن تركيا بدأت بتقليص نشاط حركة "الإخوان المسلمين" وتطالب الإمارات العربية المتحدة بالعمل ضد نشاط محمد دحلان على أراضيها، بينما أعلنت مصر أنها لن تسمح لدحلان بنقل مقر نشاطه من أبو ظبي إلى القاهرة.
دحلان، المطلوب في تركيا للاشتباه بضلوعه في محاولة الانقلاب الفاشلة ضد رجب طيب أردوغان في سنة 2016، مقرّب من حركة "حماس". وقبل ثلاثة أعوام ترددت أحاديث عن احتمال ترؤسه "إدارة مدنية" في قطاع غزة وتوسُّطه بين "حماس" ودول ومنظمات دولية متعددة، غير أن خلافات عميقة نشبت في هذه الأثناء بينه وبين قيادة "حماس" التي تخشى من أن تؤدي بعض الخطوات الدبلوماسية بين الدول العربية، أو مقابل تركيا، إلى المسّ أيضاً بقدرة "حماس" على التحرك والعمل في هذه الدول، أو إلى طرد واعتقال ناشطين من أعضائها، كما حدث في السعودية من قبل.
قبل مغادرة وفد "حماس" إلى القاهرة ببضعة أيام، تلقت حركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي" صفعة، من إيران بالذات. فقد كشف قائد مؤسسة "خاتم الأنبياء"، الجنرال غلام علي رشيد، أن القائد السابق لـ"فيلق القدس"، قاسم سليماني، الذي اغتيل في هجوم أميركي في كانون الثاني 2020، كان أعلن قبل اغتياله بثلاثة أشهر أنه نجح في تشكيل ستة جيوش خارج إيران، مهمتها الدفاع عن طهران، هي: "حزب الله"، "حماس"، "الجهاد الإسلامي"، الميليشيات الشيعية في العراق، الحوثيون، والجيش السوري.
شعرت حركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي" بالإهانة والصدمة والغضب حيال تصويرهما كأنهما مرتزقة تابعة لإيران وفي خدمتها. "حلفنا مع إيران يرمي إلى مواجهة إسرائيل والاحتلال ولا هدف آخر له على الإطلاق"، بحسب ما أعلنت قيادة "الجهاد الإسلامي" في قطاع غزة.
ونُشر بيان مماثل في تغريدة على حساب موسى أبو مرزوق على تويتر، علماً أن مثل هذا الرد العلني والحاد من جانب تنظيمات فلسطينية ضد إيران أمر غير مسبوق، لكنه كان حتمياً لا يمكن تجنُّبه في الوقت الذي تستعد قيادة "حماس" للقاء السيسي، وفي الوقت الذي تحارب الحركة من أجل شرعيتها الوطنية، ومن أجل مكانتها كممثل أصيل للنضال الفلسطيني.
ينبغي الانتظار، الآن، لرؤية ما ستؤول إليه الأمور، وكيف ستنعكس هذه الاعتبارات على سير المداولات ونتائجها في القاهرة.

عن "هآرتس"