تـغـيُّـر واضـح فـي الـتـعـامـل الأمـيـركـي مـع إسـرائـيـل

زلمان-شوفال.jpeg
حجم الخط

بقلم: زلمان شوفال  عن "معاريف"

 


الحادثة شبه الفتاكة من خلال تأخير المساعدة المقدمة لـ "القبة الحديدية" دعوة صحوة لإسرائيل، حيث يتطور في الكونغرس الأميركي واقع جديد لم نشهده حتى الآن.
صحيح أن المساعدة أُجيزت في نهاية المطاف، بل بأغلبية مبهرة، ولكن مكان إسرائيل في الموقف الأميركي تغيّر مقارنة بعشرات السنين الأخيرة، ليس لأن الرئيس بايدن أو الكتلة المركزية في الحزب الديمقراطي غيرت موقفها الودي تجاه إسرائيل، بل بسبب الوضع الدون نسبيا للكتلة الديمقراطية في المجلسين، ولا سيما في مجلس النواب، أي الأغلبية الضيقة لها، التي تعطي وزنا زائدا للمعسكر التقدمي، أي اليساري الذي يعد نحو مئة نائب، بينهم بعض العضوات، المسلمات ممن وضعن لأنفسهن هدفاً وهو إحداث تغيير جذري في المكانة الإيجابية لإسرائيل في نظر العمل الجماهيري الأميركي بالعموم وفي الكونغرس بالخصوص.
إن هذه القوى غير المتوازنة تعرض للخطر أيضا خطط بايدن الأخرى، وعلى رأسها في المجال الاقتصادي.
الديمقراطيون والرئيس بايدن يدفعون، الآن، ثمن "كله إلا ترامب"، بدلاً من أن يبلوروا سياسة في المواضيع المهمة حقا.
من تعتبر زعيمة المجموعة اليسارية، الكساندريا اوكسيو كورتيز، أعلنت منذ الآن أنها تعتزم اشتراط كل مساعدة لإسرائيل، بما فيها الأمنية، بخطوات لصالح الفلسطينيين، ومجموعة أخرى من نحو عشرين عضو كونغرس، بمن فيهم بعض اليهود، طرحت مشروع قانون للاعتراف الأميركي الفوري بدولة فلسطينية حتى دون مفاوضات مع إسرائيل.
كما أن منظمات "جي ستريت" و"أصدقاء السلام الآن في أميركا" تؤيده.
يخيل أن ليس شخصا معينا أو حزبا معينا هو هدف سهامهم، بل مجرد وجود دولة إسرائيل مثلما برز بوضوح في موضوع "القبة الحديدية".
صحيح أنه في هذه المرحلة لا يوجد احتمال كبير في أن تنال هذه المبادرات الأغلبية، ولكنها تشير إلى تغيير في الميول تغذيه الأجواء المناهضة لليبرالية والتي تتطور في أجزاء من المجتمع والثقافة الأميركية، بما في ذلك ظواهر "إلغاء الثقافة" وتكميم الأفواه لمن يشتبه بهم في نظر اليسار بأنهم "لا يسيرون على الخط" أو يطلقون في مناسبات ثقافية وفي الجامعات آراء لا تتوافق مع "سياسة الهويات" له.
السناتور الديمقراطي الراحل، دانييل باتريك موينهن، من دوائر الآراء الليبرالية (المؤيدة لإسرائيل) البارزين في حينه في أميركا، سبق أن حذر قبل سنين من الميول التسيبية التي نشأت في اليسار المتطرف بالتوازي مع الميول الرجعية في اليمين المتطرف، وكلا الطرفين يقوض أساسات الديمقراطية الأميركية.
وكرست مجلة "الايكونومست" البريطانية، مؤخراً، عددا كاملا للتطورات المناهضة لليبرالية في الولايات المتحدة وشبهتها بأوروبا في العصور الوسطى تحت سيطرة الكنائس، سواء الكاثوليكية أو البروتستانت. ومثلما في حينه فإن هذه الميول هي أيضا أحد الأسباب الأساس لصعود اللاسامية في أميركا اليوم.
يحتمل أن يكون هذا لا يزال قابلا للاختفاء، ومن يعرف التاريخ الأميركي يعرف أنه شهد أكثر من مرة فترات من التطرف وانعدام التسامح اختفت بعد ذلك نتيجة لتطورات سياسية أو اقتصادية، داخلية أو خارجية. ولكن السياسة والدبلوماسية يجب أن تتعاطى مع الأوضاع الواقعية، الآن، وحكومة إسرائيل الحالية تواصل التصرف في الموضوع الأميركي بعمى متعمد ينبع من اعتبارات حزبية وشخصية، إضافة إلى انعدام التجربة الدبلوماسية العامة لديها.
ليس للسيدين بينيت ولبيد التجربة التي كانت لنتنياهو على المستوى الدولي، ولهذا لا مجال للنزول عليهما باللائمة، فهذا هو الموجود. الدبلوماسية ليست فقط مهنة، بل أيضا كفاءة من الميلاد. وهي تتحسن بالحميمية وبالعلاقات المنسجمة مع إدارة بايدن، ولا تنقص أي فرصة للحديث بالمبالغة عن "إفساد العلاقات المزعوم بين نتنياهو والحزب الديمقراطي. كما أنهما يخاطران بدق إسفين بين إسرائيل وبين الحزب الجمهوري الذي هو نحو نصف الكونغرس، ويحتمل أن يصبح بعد سنة الأغلبية.
تفضل الحكومة الحالية أن تنسى أن حكومة نتنياهو بالذات توصلت مع إدارة أوباما الديمقراطية إلى اتفاق غير مسبوق للمساعدة الأمنية.
قد لا يكون نتنياهو الزعيم الإسرائيلي الأكثر تعاطفا في كل الساحات السياسية الأميركية، ولكن أحداً لم يعتقد أنه يمكن تجاهل مواقفه.
عانت سفارة إسرائيل في واشنطن في السنة الماضية من غياب سفير بحضور كامل، ولعل هذا أيضا أحد الأسباب الذي أصاب الحكومة بالصدمة جراء تأخير المساعدة لـ"القبة الحديدية".
بعد بضعة أسابيع سيخرج إلى واشنطن السفير الجديد، مايك هرتسوغ، وهو تعيين معقول في معظم الآراء، وإحدى مهامه الأساس ستكون أن يطلع مرسليه على الواقع الحقيقي للولايات المتحدة وليس ذاك الذي يتخيلونه.

 عن "معاريف"