تضخيم لقاء ممثلي "ميرتس" مع أبو مازن

د دورون مصا.jpeg
حجم الخط

بقلم: د. دورون ماتسا*

 

 


يذكّرنا لقاء وفد حزب «ميرتس» مع محمود عباس (أبو مازن) في «المقاطعة» في رام الله، الأحد الماضي، بالحكاية البالية عن السلحفاة والعقرب التي رووها لنا في السنة الدراسية الأولى في قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب، قبل أن تفقد الأكاديميا الاستشراقية صوابها، وتغرق في أعماق سياسات الهوية الماً بعد حداثية. تتحدث هذه الحكاية المعروفة عن عقرب يطلب من السلحفاة مساعدته لعبور النهر، وبعد أن تقتنع السلحفاة وتستجيب تتعرض للّسع بوحشية من هذا المتطفل النشط. في النزع الأخير من حياتهما، وقبل أن تغرق السلحفاة في أعماق النهر وتسحب العقرب معها، تسأله عن سر هذا الغباء فيجيبها: العقرب هو العقرب، أو في رواية أُخرى: هذه هي الحال في الشرق الأوسط.
تشكل زيارة وفد «ميرتس» إلى رام الله حدثاً يجسد هذه الحكاية، بالتمام والكمال. فقد ركض (نيتسان) هوروفيتس وأفراد حاشيته لمعانقة الفلسطينيين، كونه الخيار الافتراضي الأول لدى أعضاء حزب «ميرتس». بكلمات أُخرى: هذه هي الآلية الأوتوماتيكية التي تفعّلهم. على غرار كلاب بافلوف، التي تدفعها رائحة الطعام وصورته إلى إفراز اللعاب بصورة أوتوماتيكية، لكن في حالتهم: بمجرد سماع اسم «أبو مازن» ومشاهدة رام الله يبدؤون بالاهتزاز من شدة التأثر والانفعال بصورة أوتوماتيكية، تماماً مثلما يصيبهم التأثر والانفعال بصورة أوتوماتيكية حين يرون أو يسمعون أموراً أُخرى، مثل التظاهرات، والحديث عن الحقوق، والمحكمة العليا، وغيرها.
ذهب رؤساء «ميرتس» إلى رام الله بسبب وجود العضلة الدائمة في حمضهم النووي، ولأن هذا ما تستطيع حركة «ميرتس» القيام به لإراحة أو تنقية ضميرها المعذَّب. فمن الجليّ أنها تجلس في حكومة لن تحرك شيئاً في موضوع السلام وحل الدولتين، ولذا أقدموا على ذلك لتنقية ضميرهم بواسطة هذا اللقاء العديم الأهمية مع قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله. وكما قال مئير أريئيل في إحدى أغنياته المعروفة عن ذاك الذي يحضر إلى المطار لتنفيس الانفعال وتطهير العواطف بمجرد مشاهدة إقلاع الطائرات: «إنه شعور جيد حقاً أن ترى الطائرة وهي تقلع، عبر دمعة شفافة».
لكن أعاجيبنا لم تنتهِ عند هذا الحد. ذلك بأن الأمر يشبه ما يحدث في حدث شبه زائد عن الحاجة وعديم الأهمية حين ينفعل جميع الواقفين على المسرح أيضاً ويؤدون أدوارهم وفق السيناريو المُعدّ سلفاً، بالضبط: سيقول (نفتالي) بينت إنه لن يلتقي أبو مازن (كي يتقمص دور زعيم مجلس المستوطنات مجدداً)؛ بينما يقول معارضو الحكومة: ها قد سقط القناع عن وجه «حكومة التغيير» (في محاولة لتقويضها)، وتخرج وسائل الإعلام عن طورها وهي تتودد لهوروفيتس (لأنه ينبغي الدفاع عن الابن المحبب)، ويقدّم أبو مازن نفسه ساعياً للسلام من جديد (في الواقع الذي يعيشه ويعمل فيه، يمكنه الاكتفاء بالسلام الاقتصادي فقط).
    عليه، يتحول اللا شيء والفائض عن الحاجة إلى حدث يتيح للجميع، من الكبير إلى الصغير ومن اليساري إلى اليميني، غسل ضمائرهم، كي يستخدموه في رفع أسهمهم الذاتية وإعادة تعريف هوياتهم السياسية بصورة أساسية. زوبعة في فنجان. فلنضع الأمور في نصابها الصحيح، إذاً. لم يحدث أي شيء حقيقي في هذه الزيارة التي لا تغير شيئاً من الواقع الاستراتيجي في العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين. كذلك، تجسد هذه الزوبعة المصغرة الخفيفة في فنجان الشاي المبدأ الأساس الوارد في حكاية السلحفاة والعقرب: هكذا هي الحال في الشرق الأوسط، أو في حالتنا العينية هذه: هكذا هي الحال في السياسة الإسرائيلية.

عن «مكور ريشون»
 
*خبير في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.