المطلوب من “الشاباك” أن يكفّ شرّه عنا فقط

C359E060-B8A3-42C4-8B6E-793C39FA5476-e1581774887200 (1).jpeg
حجم الخط

بقلم سليمان أبو ارشيد 

 

وظيفة المخابرات، كما هي متعارف عليها عالميًا، العمل ضد أعداء الدولة الخارجيين أساسًا والداخليين إن وجدوا. في حين ينقسم الأعداء الداخليّون بانقسام طبيعة الدول، أيضًا، إلى قسمين: الأول يميّز الدول الكولونيالية التي تستعمر شعبا وتحتل أرضه؛ والثّاني يميّز الأنظمة الشمولية المستبدة، التي لا ترى فرقا بين النظام وبين الدولة، وتشرعن بذلك تفعيل مخابراتها ضد معارضي النظام من أبناء شعبها نفسه.

إسرائيل تنتمي بطبيعة الحال للفئة الأولى، فهي تُصنّف في عداد الدول الديمقراطية التي لا تستعمل مخابراتها ضد “شعبها”، ولكنها أسوة بالعديد من هذه الدول هي دولة كولونيالية تستعمر شعبا آخر، وتسيطر وتحتل أرضه وتوظف في سبيل ذلك جميع أجهزنها العسكرية والأمنية والمخابراتية متعددة المهمات والأسماء، ومن ضمنها “الشاباك”، الذي رغم تعريفه – جهاز الأمن العام – فإنّ ميدان عمله الأساسي ينحصر في المناطق التي تقوم عليها إسرائيل وفي المناطق التي تحتلها، وذلك بوجود جهاز مخابرات يوكل إليه العمل في الخارج هو “االموساد”.

تأسس “الشاباك” كوحدة في الجيش الإسرائيلي (وحدة 184)، ومع الإعلان عن إقامة إسرائيل عام 1948، على أساس جهاز الاستخبارات التابع للهاغاناة، ووحدة الأمن الداخلي (“ماحتس”)، التي أقيمت بعد تفكيك الهاغاناة وعملت إلى حين تأسيس جهاز المخابرات العامة الذي ترأسه الكولونيل إيسار هرئيل. وفي عام 1950، أُخرج من حظيرة الجيش وأُخضع لمسؤولية رئيس الحكومة، كما حُوّلت إليه مسؤولية العرب في إسرائيل.

وانتشر في حينه اسم الجهاز الذي عرف بالـ”شين بيت”، وذاع صيته في قرانا ومدننا، بعد أن دخل في تفاصيل حياة المجتمع الفلسطيني اليومية، وتحولت هذه التسمية واشتقاقاتها اللغوية إلى شتيمة يوصم بها كل متواطئ مع الحكم العسكري، ومؤسسات دولة إسرائيل المدنية لاحقا إلى يومنا هذا.

وما زال “الشاباك” ضالعا في حياة فلسطينيي الداخل حتى اليوم، رغم إخفاء الكثير من المظاهر التي كانت بارزة للعيان إلى تحت الطاولة. فقبل بضع سنوات فقط، وإثر التماس قدمته “عدالة”، ألغي جلوس ممثل “الشاباك”في لجنة تعيين مدراء المدارس العربية، فيما فضحت تقارير نشرت مؤخرًا بالوقائع والأسماء كيفية تدخل عناصر “الشين بيت” في تعيين المعلمين العرب.

والحديث لا يقتصر على طعم مر بقي تحت اللسان أو ذكرى سيئة علقت في الذاكرة الفردية أو الجماعية، بل عن واقع ما نزال نعايشه جيلا بعد جيل، والقضية هنا لا تقتصر على عملية ضبط وسيطرة تشترط مراقبة وقمع حريات وتحديد حركة وقطع أرزاق، بل اختراق بنى وإفساد قيم وتقويض مفاهيم وتفكيك مجتمع. ويكفي في هذا السياق الإشارة إلى تصريح مصدر كبير في الشرطة إلى أنّ غالبية الضالعين في الإجرام في المجتمع العربي هم عملاء “شاباك”.

وإن كنّا نفهم المسؤولين الإسرائيليين الذين يرون في استفحال الجريمة فرصة سانحة لإعادة “الشاباك” وأعوانه إلى سابق عزهم في المجتمع العربي، بعد أن نجحوا تحت يافطة مكافحة العنف والحفاظ على النظام في نشر محطات الشرطة الجماهيرية والشرطة الفعلية، التي تحولت إلى مراكز لتجنيد المتطوعين في الكثير من قرانا ومدننا، كما نجحوا تحت ستار كورونا في إقامة مراكز للجبهة الداخلية التابعة للجيش الإسرائيلي فيها.

إلا أنّنا لا نفهم بعض العرب من سياسيين وأكاديميين، ولا أقصد منصور عباس، الذي فقد كافة الضوابط الوطنية، بل آخرين ظلّ صوتهم خافتا في مجابهة القرار الحكومي المتعلق بإشراك “الشاباك” والجيش في ما يدعّون أنّها حملة مكافحة الجريمة في المجتمع العربي، رغم علمهم أن حجم الجريمة وأعداد ضحاياها ازداد اضطرادًا منذ أن بدأت مثل هذه الحملات في عهد حكومة نتنياهو.

وكلنا يعرف أنّ نتنياهو تحدث عن دولة داخل دولة لدى العرب منذ عملية نشأت ملحم في تل أبيب عام 2016، وكان يقصد السلاح غير المرخص والبيوت غير المرخصة. وبالتالي، “اهتم” بالبيوت دون السلاح الذي تحول إلى صدور العرب، تبعت ذلك الوعودات التي أغدقت بترقية الضابط العربي في شرطة إسرائيل، جمال حكروش، وتعيينه مسؤولا عن مكافحة الجريمة في المجتمع العربي في عام 2016، وصولا إلى تعيين الجنرال فرانكو، قائد مصلحة السجون السابق، منسّقًا عامًّا لمكافحة الجريمة في المجتمع العربي في شباط من العام الجاري، ثم تعيين منصور عباس رئيسا للجنة مكافحة العنف في نيسان الماضي، ثم إقامة وحدة “سيف” لمكافحة الجريمة في الشرطة في آب الماضي.

وفي غضون هذه الفترة، ارتفع عدد ضحايا الجريمة العرب من 38 ضحية عام 2016 إلى 96 ضحية عام 2020، فيما يناهز 100 ضحية اليوم ونحن لا نزال على عتبة الربع الرابع من عام 2021.

نحن نعرف أن دولة إسرائيل وشرطتها قادرتان على القضاء على الجريمة عند العرب إذا أرادت، مثلما قضت عليها عند اليهود، وأنّ العون من “الشاباك” الذي سيعيدنا إلى فترة الحكم العسكري دون طائل يرتجى، والأفضل أن يكف شره عنا بأن يأخذ عملاؤه الذين لملمهم من قطاع غزة ومن الضفة الغربية ومن جنوبيّ لبنان، وربما دول عربية أخرى، إضافة إلى عملاء الداخل الفلسطيني والذين يشكلون رأس حربة الجريمة، يأخذهم هم وأسلحتهم وليذهبوا إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم.