يبدو أنه ليس هناك ما يفسر “العناد” المجبول بالكذب على الشعوب والإصرار على تمرير هذا الكذب لدى أنظمة التطبيع العربية، سوى المثل العربي (الفلسطيني) الدارج “عنزة ولو طارت”، والذي يحضر للأذهان كلما أصر، والأدق عاند شخص على موقفه الخاطئ على الرغم من معرفته بذلك الخطأ، وربما بسبب معرفته بالخطأ المعلن منه، لأن الغاية منه أصلاً التستر على نوايا أخرى. في المثل الفلسطيني فإن الحماة التي تحاول إقناع كنّتها بأن ما هو طائر في السماء هو عنزة، حتى ولو طارت، تعرف أن ما في السماء ليس عنزة، لكن عنادها يأتي من باب توفير دليل على أن كنّتها لا تحترمها ولا تؤدي لها فروض الطاعة بل تخالفها في كل شيء.
هذا هو عملياً حالنا اليوم مع أنظمة التطبيع، بدءاً بالإمارات والبحرين، اللتين استقبلتا أخيراً وزراء ومسؤولين من حكومة الاحتلال، وحاول مسؤولو هاتين الدولتين تبرير وتغليف تطبيع دولتيهما وإدارة الظهر للشعب الفلسطيني وللقضية الفلسطينية، بالادعاء أن اتفاقات التطبيع هذه ستكون مقدمة لسلام على أساس حل دولتين. فيما لم يتردد “ضيوفهم” الإسرائيليون، من يئير لبيد في الخارجية الإسرائيلية وحتى أيليت شاكيد في وزارة الداخلية، بالتأكيد أن لا أفق مؤقتاً (بحسب لبيد)، ولا أمل يرجى بالموافقة على إقامة دولة فلسطينية في ظل الحكومة الحالية، بحسب تصريحات أكدتها شاكيد أيضاً للإعلام الإماراتي، ونشرتها في تغريدة لها على “تويتر”.
ومهما بدا “العناد” الإماراتي والبحريني في الإصرار على أن ما في السماء هو “عنزة”، مجرد كذب مفضوح للتستر على التخلي عن دعم القضية الفلسطينية والتحلل من الواجب القومي لهذه الأنظمة، فإنه لا يمكن حتى استخدام التعبير نفسه لوصف استجداء رئيس السلطة الوطنية، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، محمود عباس، الوزيرة شاكيد المعروفة بمواقفها اليمينية المتطرفة المجبولة بعنصرية لا حدود لها، للقائه، حتى لو لم يسفر اللقاء عن أي تفاهم أو اتفاق، حسبما أوردت صحيفة “هآرتس” هذا الأسبوع، من دون أن يصدر أي نفي فلسطيني.
استجداء أبو مازن لشاكيد للقائه، ومسارعة الأخيرة برفضه في تغريدة لها على “تويتر”، يعكس أكثر من أي شيء آخر حالة الضعف التي وصلت إليها السلطة الفلسطينية ومعها منظمة التحرير تحت القيادة الحالية، وتؤكد الحاجة لربيع فلسطيني يطيح بالطبقة السياسية المتحكمة برقبة الشعب الفلسطيني ومصيره.