الانتخابات في العراق هي قصة ايرانية – وعائلية

حجم الخط

هآرتس – بقلم تسفي برئيل

” تأثير الـ 3200 مرشح في الانتخابات البرلمانية على الشعب العراقي هي أقل من تأثير شبكة العلاقات الهشة بين الكتل السياسية. كل كتلة منقسمة بين حركات مختلفة تقودها عائلات متخاصمة، واحيانا هناك اعداء حتى داخل العائلة الواحدة “. 

جدران المباني واعمدة الكهرباء في مدن العراق تمت تغطيتها كليا تقريبا بصور المرشحين الـ 3200 شخص للانتخابات البرلمانية التي ستجري في يوم الاحد القادم. عشرات آلاف رجال الشرطة والمراقبون تم نشرهم في آلاف مراكز التصويت، و400 ألف موظف مؤقت تم تجنيدهم من قبل اللجنة المركزية لضمان السير السليم للانتخابات. مئات المراقبون من قبل الامم المتحدة والدول العربية والغربية بدأوا بملء الفنادق في المدن الكبرى قبل ما سبق ووصف بمعركة الانتخابات الاهم في العراق.

ليس بالضرورة الانفعال من هذا الوصف. كل حملة من الحملات الانتخابية الاربعة السابقة في الدولة تم وصفها بنفس الوصف، الامر الذي لم يمنع من انتهائها بخيبة أمل عميقة في اوساط الجمهور. العراقيون ينظرون الى وعود المرشحين والاحزاب باستخفاف في افضل الحالات. في الانتخابات السابقة في 2018 شارك رسميا فقط 40 في المئة من اصحاب حق الاقتراع، لكن التقديرات الحقيقية قدرت بأن نسبة المشاركة الحقيقية كانت النصف. 

ثقة الجمهور العراقي بالديمقراطية تحطمت قبل سنوات. ويبدو أنه في هذه المرة ايضا يتوقع أن تكون نسبة التصويت منخفضة رغم تعديل قانون الانتخابات الذي يعطي احتمالية افضل لمرشحين مستقلين مما يعطي للاحزاب الكبيرة، التي بشكل تقليدي سيطرت على معظم مقاعد البرلمان. الرابحون في كل حملة من الحملات الانتخابية السابقة والحالية هم العمال المؤقتون الذين اجرتهم في اليوم هي مئة دولار، وهو مبلغ كبير في دولة فيها نسبة الفقر هي 35 في المئة. 

بعض الحركات السياسية في العراق اعلنت بمقاطعة الانتخابات بسبب التقدير بأنها لن تؤدي الى التغيير المأمول، مثل تحقيق الاصلاحات الحيوية لاعادة تأهيل الاقتصاد في العراق وخلق مئات آلاف اماكن العمل لنحو 8 ملايين عاطل عن العمل؛ ضمان التزويد بالكهرباء والمياه؛ تعزيز الامن الشخصي أو انشاء منظومة مالية مناسبة يمكنها مواجهة دين داخلي وخارجي يبلغ 134 مليار دولار وعجز مالي يبلغ 80 مليار دولار.

حسب اقوال اشخاص قاموا باجراء مقابلات في وسائل الاعلام في العراق فان النضال الحقيقي هو السيطرة على قناة الاموال وشريحة المداخيل، التي يمكن لكل حزب وكل جسم أن يسرقها من خزينة الدولة. 

هذه كانت الذريعة لاجراء الانتخابات، التي تم تبكيرها بسنتين بعد المظاهرات في العام 2019 والتي قتل فيها 700 شخص واصيب اكثر من 300 ألف شخص. هذا الاحتجاج أدى الى اسقاط الحكومة السابقة واستبدالها بحكومة مؤقتة برئاسة مصطفى الكاظمي. رئيس الحكومة تعهد باجراء انتخابات مبكرة على اساس قانون جديد، قسم الدولة الى 83 دائرة انتخابية بدلا من 18 دائرة في السابق؛ وتعهد بأن يقدم للمحاكمة المسؤولين عن القتل الجماعي للمتظاهرين وانهاء التواجد الامريكي في العراق.

الكاظمي حصل في الواقع على دعم وحماية دوليين. فقد تمت استضافته في البيت الابيض وقام باجراء مفاوضات حول انسحاب الجيش الامريكي بنجاح وتوسط بين ايران والسعودية، وحتى أنه استضاف في بغداد اربعة لقاءات بين وفود رفيعة المستوى من الدولتين المتعاديتين، لكن مشكوك فيه أن ينجح في الحصول على ولاية اخرى.

جبهة متبلورة، ظاهريا

الاسئلة المركزية التي تثير الاهتمام والمخاوف حول الانتخابات هي من هي الاحزاب الشيعية التي ستحصل على السيطرة على مراكز القوة، وما هي تركيبة الحكومة التي سيتم تشكيلها. الانقسام في المعسكر الشيعي السياسي عميق اكثر من أي وقت آخر. الكتلة الرائدة في هذا المعسكر برئاسة الداعية الشيعي الانقسامي، مقتدى الصدر، حصل في الانتخابات السابقة على 54 مقعد من بين الـ 329 مقعد واصبح الكتلة الاكبر في البرلمان. الصدر يرفع شعارين، اخراج امريكا من العراق وابعاد ايران عن التدخل في شؤون الدولة. الشعار الوطني الذي يلوح به والدعم الديني له، بالاساس بسبب وضعه العائلي، وبدرجة اقل بسبب صلاحيته الدينية، يمنحانه احتمالية جيدة بأن يفوز مرة اخرى وأن يصبح هو الذي يعين الملوك في الحكومة القادمة. ايضا المليشيا العسكرية التي قام بتشكيلها وهي “جيش المهدي” واختراق رجاله لمعظم قطاعات الدولة يتوقع أن تساعده.

امام الصدر تقف كتلة “الفتح”، المدعومة من قبل المليشيات الشيعية المؤيدة لايران والتي تسعى الى توسيع تواجدها البرلماني وأن تشكل قاعدة نفوذ سياسي لايران. اضافة الى هذه الكتل تتنافس احزاب شيعية اخرى مثل “الدعوة”، الحزب الشيعي الاقدم، الذي انضم الى ائتلاف “دولة القانون” الذي شكله رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، الذي يعتبر مؤيد مخلص لطهران وأحد رؤساء الحكومات الفاسدين الذين عرفهم العراق.

خطة الكتل هذه هي نسيج هش ودقيق ويعرض جبهات موحدة ومتماسكة ظاهريا قبل الانتخابات، لكنه بشكل عام يتفكك كالعادة بعدها من اجل تشكيل كتل جديدة قبل تشكيل الحكومة. هنا مدفونة العبوة المتفجرة الثقيلة التي ستقرر من الذي سيكون رئيس الحكومة، وأي قوة سياسية، داخلية وخارجية، سيكون عليه مواجهتها. 

إن تشكيل الحكومة هو عملية يمكن أن تستمر لاسابيع وحتى لاشهر قبل التوصل الى اتفاق، ليس فقط حول هوية رئيس الحكومة، بل ايضا توزيع الوزارات. مثلا، بعد أن استقال رئيس الحكومة السابق، عادل عبد المهدي، في تشرين الثاني 2019 في اعقاب الاحتجاج لم ينجح أي واحد من المرشحين اللذين عينهما الرئيس برهم صالح في تشكيل حكومة بديلة. وفي أيار 2020، بعد نصف سنة على استقالة عبد المهدي، تم تعيين الكاظمي في هذا المنصب.

أي حركة أو أي كتلة تطمح للسيطرة على وزارات لها تأثير وميزانية كبيرة مثل وزارة الدفاع ووزارة المالية ووزارة النفط أو وزارة الداخلية، من اجل ضمان تدفق الاموال واماكن العمل المختارة التي تثري النشطاء فيها. تجارة الخيول تصل الى الذروة، وطالما أنها لم تنته بشكل يرضي الزعماء السياسيين والطائفيين فانه لن يتم تشكيل حكومة. 

هناك اهمية كبيرة لتوزيع الحقائب الوزارية وحجم الميزانية التي ستحصل عليها كل وزارة، التي ليس بالضرورة أن تكون مرتبطة بمصالح الدولة. السيطرة على رؤوس الاموال تعني الدعم السياسي والديني لمؤيدي هذه الحركات، وهي مرتبطة ايضا بالولاء للزعيم الروحي لكل واحدة منها. المنافسة الدينية بين فقهاء الدين الشيعة غير مهمة بشكل عام، لكن تأثيرها على السياسة والاقتصاد في العراق كبير.

الخروج ضد العائلة

في الشهر الماضي توفي آية الله احمد سيد الحكيم، وهو أحد كبار فقهاء الشريعة الشيعية الاربعة في العراق. الحكيم لم يكن فقط فقيه في الشريعة من المستوى الاعلى، الذي كان مرشح لوراثة علي السيستاني باعتباره الزعيم الروحي الشيعي في العراق، بل هو ايضا كان العماد الروحي  لعائلة الحكيم. ورغم أنه لم ينخرط في السياسة إلا أنه اعطى الحركة السياسية التي قامت عائلته بتأسيسها قيمة دينية جديرة، مما أسفر عن ملايين المؤيدين.

عائلة الحكيم هي الخصم الديني لعائلة الصدر، وهذا عداء تم التعبير عنه سياسيا بمواجهات عنيفة بين مؤيدي الصدر ومليشيات الحكيم، التي تضطر الآن لمواجهة تداعيات موت زعيمها الروحي ومواجهة خطر انشقاق مؤيدين كثيرين وذهابهم الى صفوف الصدر أو زعماء شيعة آخرين.

أحد هؤلاء هو عمار الحكيم الذي انسحب من الحركة السياسية العائلية التي أسسها عمه، وهي المجلس الاسلامي الاعلى، وقام بتشكيل حركة مستقلة وليبرالية خاصة به باسم “الحكمة”، التي توجهت الى الشباب العلمانيين. عداء داخلي موجود ايضا بين الحركات السنية المنقسمة الى كتلتين متخاصمتين، الاولى برئاسة المليونير العراقي خميس الخنجر والثانية برئاسة رئيس البرلمان محمد الخلبوصي. الاثنان يتنافسان على اصوات القبائل السنية في الوسط والشمال. انقسام مشابه يوجد ايضا في اوساط الاكراد. فمن جهة هناك عائلة طالباني، المقربة من ايران، وفي المقابل عائلة البرزاني، التي تتعاون مع حركة الصدر. اضافة الى المصالح المشتركة بين العائلتين، منها تقاسم مداخيل صناعة النفط مع الحكومة في بغداد، توجد مصالح حزبية وشخصية مرتبطة بالسيطرة على الاقليم الكردي في شمال العراق. عدم اليقين حول الانتخابات والعاب القوى قبل تشكيل الحكومة القادمة، تقلق ليس فقط الشعب العراقي، الذي جزء منه ينوي أن يواجه مرة اخرى الحكومة الجديدة من اجل تحسين ظروف حياته، بل ايران ايضا تبذل جهود كبيرة لضمان أن تحافظ الحكومة القادمة ورئيسها على قواعدها السياسية والعسكرية في العراق.

المناخ المناهض لايران الذي تطور في السنوات الاخيرة أدى الى اتهام ايران بالاضرار المتعمد بتزويد الكهرباء والمياه لجنوب العراق. ايضا اتهمت بأنها وقفت من وراء قتل المتظاهرين على أيدي المليشيات الشيعية في 2019. هكذا، من شأن الاحزاب الشيعية التي تعارض تدخل طهران أن تتعزز على حسابها. 

السعودية التي تطمح الى تعزيز تدخلها في العراق على حساب ايران، تدير في الواقع مفاوضات مع طهران من اجل ترميم علاقتها معها. ولكن اذا تشكلت في بغداد حكومة تؤيد ايران فانها ستمس بقدرة السعودية على توسيع نفوذها في العراق. الى جانب تعزيز قوة المليشيات الشيعية المسؤولة عن عدد من الهجمات ضد السعودية من الاراضي العراقية. الولايات المتحدة التي يتوقع أن تسحب قواتها من العراق حتى نهاية السنة، يمكن ايضا أن تتعرض لضربة قاسية اذا كانت الحكومة القادمة برعاية ايران، لا سيما عندما ستنسحب من العراق.

بعد انسحاب امريكا الضروري، لكن الفاشل، من افغانستان فان الخروج من العراق سيسجل كهزيمة اخرى للرئيس جو بايدن. يبدو أن تحقق هذه السيناريوهات مرتبط بتصويت الـ 16 مليون عراقي الذين تم تسجيلهم للانتخابات وحصلوا على البطاقة الممغنطة التي استهدفت منع التزوير. ولكن العملية الديمقراطية في العراق ليست اكثر من خطوة تقنية. لأن السياسة الرسمية سيحددها التلاعب والتحالفات واتفاقات التوزيع بين رؤساء الحركات، وفقا لمصالحهم الخاصة.