صورة واحدة، 2 مليون شخص

0A4A0983-323E-4040-98A0-60987A26316C-e1608481804606.jpeg
حجم الخط

هآرتس – بقلم جدعون ليفي

” صورة الغزيين المحتشدين امام الغرفة التجارية يجب أن تقلق الاسرائيليين لأن هذه الصورة البائسة اسرائيل هي التي تتحمل المسؤولية عنها “.

الصورة التي نشرت للغزيين المحتشدين امام الغرفة التجارية لتقديم طلبات الحصول على تصاريح كان يجب أن تطارد كل اسرائيلي عند ذهابه ومجيئه. يجب أن تقض مضاجعه وأن تعذب ضميره. وتقلق راحته. حشد كبير من الاشخاص ينحشر امام الغرفة التجارية في مخيم جباليا للاجئين في غزة في محاولة بائسة للحصول على تصريح عمل في اسرائيل (“هآرتس”، 7/10). يجب النظر الى تعبيرات الوجه. ويجب النظر الى العيون والشعر القصير على الوجوه ونظرات التوسل واليأس الذي ظهر على وجه كل واحد من الذين يتنافسون في الطابور على الحياة وكسب الرزق؛ وهم ينظرون الى الاوراق التي يلوحون بها وكأنها ستساعدهم في تحقيق حلمهم. يجب النظر الى الأيدي الممدودة الى الامام وكأن هناك يد طويلة لشخص ما ستساعدهم في الوصول الى الحلم. ولكن هذه هي اليد الطويلة لاسرائيل التي الحقت كل هذا الشر بهؤلاء الاشخاص. منذ عشرات السنين واسرائيل تنكل بهم وبآبائهم وأولادهم. لا يوجد مثل غزة من اجل رواية قصة الشر، منذ الطرد والهرب في 1948 ومرورا بعمليات الانتقام والاحتلال وانتهاء بالحصار الذي يستمر منذ 15 سنة. هذه هي يد اسرائيل الطويلة والحقيقية التي تشكل صورتها الاخلاقية.

كل شخص ينظر نحو جهة مختلفة، الى اليمين أو اليسار أو الى السماء. فربما من هناك سيأتي الخلاص. الاكتظاظ فظيع، صورة الطابور تذكر بشحنات الحيوانات التي كانت تأتي الى اسرائيل. الحزن في عيون العاجزين والصدمة التي تثيرها متشابهة جدا، الحزن في عيون العجول وعيون بني البشر. هنا هم بشر ليست لهم كرامة. اسرائيل سلبتهم بقايا كرامتهم الاخيرة. جاكي خوري كتب أن هناك بينهم من هم مستعدون للعمل 12 ساعة في البناء مقابل عشرين شيكل. ومن اجل ذلك هم ينحشرون مثل البهائم. الحرب هي على ثلاثة آلاف تصريح للتجار، وهو العدد الذي اقترحته اسرائيل بسخاء كبير. على الاقل 300 ألف عامل يتنافسون على ثلاثة آلاف تصريح عمل. 1 في المئة منهم ربما يحصل على ذلك.  في هذا الجزء من البلاد نسبة البطالة وصلت الى 48 في المئة، و66 في المئة في اوساط الشباب. الكرامة الشخصية فقدت. كم كان من السهل اعادة الكرامة وكسب الرزق لهؤلاء البائسين، فتح غزة وربطها مجددا بالضفة وتمكين هؤلاء الاشخاص من العمل في اسرائيل التي تستورد العمال من الصين.

نحو نصف مليون عامل كانوا يأتون شهريا من غزة حتى العام 2000. هناك من عاشوا هنا، بين سوق الأمل وسوق الكرمل. كانت لهم صداقة مع اسرائيليين وبنوا حياتهم على ما كان بلاد آبائهم. الصور الجميلة جدا لحياتهم كانت، للاسف الشديد، مشابهة. فحتى في حينه انحشروا في طوابير على حاجز ايرز تحت جنح الظلام وهم في طريقهم للعمل في اسرائيل، وفي طريق العودة وقفوا مثل الظل على جانبي الشارع وهم يحملون خردة اسرائيل في أيديهم. هذه كانت ساعتهم الجميلة. فقد كان فيها أمل. نحن اصبنا بالصدمة من ظروف حياتهم، كانوا ينامون في المخازن وينحشرون على الحواجز، وبالنسبة لهم هذه كانت افضل اوقاتهم، التي لم تعد منذ ذلك الحين، منذ عشرين سنة تقريبا.

حسب معطيات جمعية “غيشاه” في العام 2019 سمح لنحو 15 ألف شخص بالدخول الى اسرائيل. فقط 6 في المئة منهم مسموح لهم الدخول الآن بذريعة الكورونا. بكلمات اخرى، سجن. الاجازة في السجن الاسرائيلي متوافرة أكثر. 70 في المئة من الغزيين يعتمدون على المساعدات الانسانية، في مكان تحول قبل سنتين الى مكان غير مناسب لسكن البشر، حسب تقرير للامم المتحدة.

كيف ننام في الليل مع كل ذلك؟ هذه الضائقة هي من صنع ايدينا. وفقط لا تبدأوا بالتحدث عن حماس والصواريخ. غزة هي ارض محتلة، اسرائيل هي المسؤولة عن مصيرها، غزة هي صندوق قمامة اسرائيل وصندوق قمامة مصر بصورة أقل. غزة هي ارض اللاجئين الذين تم طردهم أو هربوا من بلادهم بسبب اسرائيل. اسرائيل هي التي تتحمل مسؤولية كبيرة عن مصيرهم.

اليكم صورة اخرى نشرت أول أمس في “ذي ماركر”: مرة اخرى حشد من الاشخاص، لكنهم في هذه المرة يلوحون بالوداع ويبتسمون للعدسات، على بعد ساعة سفر من جباليا. هؤلاء هم موظفو شركة “مون اكتف” الاسرائيلية، وهي الشركة التي طورت لعبة “كوين ماستر”، التي اصبحت لعبة “ادمانية وخفيفة”، وتحولت الى لعبة مشهورة مع مداخيل تقدر بمليارات الدولارات. كيف تحولت “مون اكتف” الى أمر مثير، “خلق وهم يشبه تقريبا الانتصار، الذي يمنح الشعور الكبير ويؤدي في النهاية الى الادمان”.