منذ العام 1872م والصهاينة الأوروبيون يتطلعون للإقامة في فلسطين ، وقامت بعض الجماعات اليهودية بشراء 23- 400 دونم بالقرب من تل ابيب ويافا ايام الحكم العثماني الذي لم يعارض بناء مستعمرة "بيتاح تكفا" ومن ثم بنيت تسع عشرة مستعمرة وأكبرها ريشون لتسيون.
وبعد اجتماع بازل بقيادة مؤسس الصهيونية هرتزل تم البدء بالعمل على شراء أراض في الجليل بواسطة سماسرة غير الفلسطينين منذ العام ١٩٠٦ ، أي ان الفلسطيني لم يبع أرضه الا في حالات الإفلاس واضطر لعرض بيع هذه الأراضي من قبل البنوك التي قامت بتمويل بعض التجار خصوصا تجار البرتقال ، ومن هذا المنطلق تكونت «الوكالة اليهودية» بتمويل روتشيلد كي تشتري هذه الاراضي من البنوك التي تمول التجار والمزارعين ، ولكن هذه الأراضي التي بيعت من قبل البنوك زائد السماسرة من غير الفلسطينيين زادت بكثرة وبمساعدة الانتداب البريطاني ببيع بعض الأراضي التي تحت الحكم البريطاني.
جميع هذهالأراضي لم تتجاوز أكثر من ٦ ونصف بالمائة من مساحة فلسطين التاريخية. وقد بلغ عدد المستعمرات في زمن الحكم العثماني ومن ثم الحكم البريطاني ٢٩٠ مستعمرة او جيتو يهودياً وجميعها كان قبل العام ١٩٤٨م وهي زراعية فقط بالاسم لكن جميعها كانت مستعمرات لا يقيم فيها الاّ اليهود ، لأنها أصبحت تأوي اليهود الغربيين ومرتعاً لتخزين السلاح والتدّرب عليه. وأكثر هذه المستعمرات بنيت على الساحل الفلسطيني ، ولذلك عندما قام ترومان بتقسيم فلسطين كانت حصة اسرائيل بشمال فلسطين.
أما في الضفة فكان اليهود في القدس أقلية متدينة هرب معظمهم الى مستعمرات الساحل.
وفِي العام 1936م وبعد أن شعر زعماؤنا بالخطر الصهيوني وليس اليهودي ، وفتح باب الهجرة اليهودية الغربية بمساعدة بريطانيا قامت مظاهرات وعصيان مدني استمر اكثر من ستة شهور . وقبل ذلك وفِي العام 1929-1193 ندلع قتال دام بين الفلسطينين واليهود في القدس سمي بـ "ثورة البراق" .
كانت نتيجته كثير من القتلى من الطرفين حول الأحقية في حائط البراق والذي يسميه اليهود الصهاينة حائط المبكى، ومن ثم لجأ الطرفان الى عصبة الأمم كي تنظر بأحقية هذا الحائط، وبعد أن قدم كل طرف اوراقه تبين أن هذا الحائط هو وقف إسلامي خالص ولكن من كرم المسلمين سمح لليهود بالصلاة هنالك ولكن ضمن شروط متعددة ذكرت تفاصيلها في قرار عصبة الأمم.
وبعد العام 1948م وانتصار العصابات الصهيونية بزعامة «الهاجاناة»،التي كان يقودها بن غوريون على جميع الجيوش العربية ارتكبت هذه العصابات مجازر بحق المدن والقرى الفلسطينية يندى لها جبين الانسانية. وأصبحت اسرائيل واقعاً عالميا تتحكم وتحكم 78 من فلسطين التاريخية.
وهجّر الفلسطينيون من مدنهم وقراهم قسراً تحت وقع هذه المجازر الى الضفة الغربية ودول الجوار كالاردن وسوريا ولبنان .
وكان الخطأ التاريخي بأن هذه البلاد العربية التي استقبلت اللاجئين الفلسطينيين قامت بتوقيع هدنات دائمة في رودوس مع اسرائيل في العام 1949، والعام 1950 بدون شروط عودة اللاجئين الى مدنهم وقراهم وهذه كانت ضربة قاضية أدت الى بقاء هؤلاء في أماكن لجوئهم تحت رحمة المعونات من الأمم المتحدة عبر وكالة الغوث «الاونروا».
وكما نعرف أنه في العام ١٩٦٧م إحتلت اسرائيل ما تبقى من فلسطين التاريخية. ومنذ هذا الاحتلال الى يومنا هذا ونحن نعاني من توسيع المستعمرات وإقامة مستعمرات جديدة، ولغاية الآن تم بناء ما يزيد عن ألف مستعمرة على أراضي الشعب الفلسطيني.
كما أن سفاح صبرا وشاتيلا شارون أمر ببناء جدار الفصل العنصري الذي إستنكره العالم، وكانت النتيجة أنه صدر حكم عالمي من محكمة لاهاي برفض بناء هذا الجدار وقد أيد هذا القرار جميع قضاة المحكمة عدا القاضي الاميركي في هيئتها، وبقي هذا الجدار حتى يومنا هذا بحجة منع الفلسطينيين من الوصول الى المدن الاسرائيلية، ولكن الواقع هو لفصل المستعمرات المسلحة عن المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية مما سمح لاسرائيل بسرقة 60 بالمائة من أراضي الضفة الغربية.
وهنا لا بد من التأكيد أن الحديث يدور عن مستعمرات وليس مستوطنات والفرق كبير بينهما، حيث أن المستوطنة تكون مبنية على أراضي دولة ما وبعد بنائها وشق الطرق إليها يقوم المواطنون بشرائها من الحكومة وتصبح لهم ملكاً بالتقادم وليس جيتو لا يسمح لأحد البناء فيها.
أما المستعمرة فهي جيتو لفئة من الناس بشروط إستعمارية بحتة محاطة بأسوار ومسلحة بدافع حماية أهل هذه المستعمرة لأنها أقيمت أصلاً على أراضي الغير. والآن نرى هذه المستعمرات تستخدم للاعتداء على ما تبقى من مدن وقرى ومخيمات فلسطينية والتمدد على حسابها، لذلك على الإعلام الفلسطيني وجميع الفصائل أن تلغي مصطلح «مستوطنة» وتستبدله بمستعمرة أو جيتو مسلح.
إننا اليوم نعاني من ظلم المجتمع الدولي وعلى رأسه أميركا التي لا تبالي ولا يهمها إلا دعم المحتل الغاصب، وكذلك بريطانيا وفرنسا وبعض الدول الغربية الأخرى.
إن زرع هذه المستعمرات وبناءها في وسط المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية وبتمويل ودعم غربي يجعل المواطنين يعيشون في ظروف معيشية قاسية جداً، لأن سكان هذه المستعمرات من اليهود المهاجرين البلطجية يرتكبون جرائم الاعتداء على المدنيين وأحياناً القتل المتعمد، وقطع أشجار المزارعين، والاعتداء على ممتلكاتهم بحماية جيش الاحتلال، كل هذا يحصل أمام العالم الغربي والأميركي حاضن هذا اليمين الذي يستهدف الشعب الفلسطيني صاحب الأرض لتهجيره من أرضه أو بيعها. لكن الحمدلله ما زال هذا الشعب الصامد الجبار باقياً في بلده فلسطين ومتمسكاً بحقوقه.
إن الشعب الفلسطيني يتساءل عن مواقف وممارسات أميركا تجاهه وتجاه حقوقه وعدائها السافر له في الوقت الذي يصيب الضعف العالم العربي والإسلامي الذي يعاني من التفرقة الدينية والمذهبية، كما ان الفلسطينيين يعانون من إنفصال بغيض ليس له أي مبرر وكل ما يجري تحت شعار المصالحة هو فقط إجتماعات وإتفاقات على الورق وبدون أي إعتبار لخطورة وضعنا السياسي أو لإرادة شعبنا الرافض للانقسام.
صحيح القول بأن السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس عملت بكل جهد لجعل أكثر دول العالم بما فيها أوروبا تعترف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، ولكن مع الأسف لم تصل مواقف هذه الدول الى معاقبة المحتل وإلزامه بالتوقف عن ممارسات سرقة الأراضي لبناء هذه المستعمرات المسلحة التي يستعملها قطعان المستعمرين ضد أهل المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية.
إننا اليوم أحوج ما نكون الى دعم عربي إسلامي سياسي ومالي لدولة فلسطين خصوصاً لدعم أهلنا في القدس الشريف الذين يعانون الأمرين من المستعمرين الذين لا يبالون لا بالدين ولا بالأخلاق.
كما أن على السلطة الوطنية زيادة دعمها لأسر الشهداء والأسرى الذين ما زالوا يقبعون في زنازين المحتل، وتعويض المزارعين والمدنيين الفلسطينيين الذين يتعرضون لأبشع الاعتداءات من قبل المستعمرين.