انضاف أخيراً إلى الاهتمام الإسرائيلي بالتداعيات المرتقبة لتغيّر الإدارة الأميركية على سياسة دولة الاحتلال، اهتمام بالآثار المتوقعة لانتهاء عهد المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، الذي استمر 16 عاماً.
وبينما يتعزّز أكثر فأكثر الاعتقاد بأنّ في سياسة الإدارة الأميركية الجديدة، برئاسة جو بايدن، ما يحيل على استمرارية سياسة الإدارة السابقة، برئاسة دونالد ترامب، يؤكد جلّ التوقعات بشأن سياسة ألمانيا ما بعد ميركل، أنها قد تكون أقل انحيازاً إلى إسرائيل.
وعنصر الاستمرار في سياسة إدارة بايدن غير كامن فقط في امتناعها عن فرض أي مبادراتٍ ترتبط بقضية فلسطين، بل أيضاً في معظم موضوعات السياسة الخارجية، وفي مقدمتها الموقف حيال الصين وروسيا. وفي هذا الشأن تحديداً، اقتبس محللون أقوال رئيس مجلس العلاقات الخارجية في الولايات المتحدة، ريتشارد هاس، الذي كتب تحليلاً قبل فترة وجيزة أكد، في سياقه، من ضمن أمور أخرى، أن ثمّة كثيراً من الثبات في السياسة الخارجية للرئيس الأميركي الحالي قياساً بسياسة سابقه، ولا سيما في ما يخصّ المقاربة السوبر صقرية حيال الصين، ولكن أيضاً في كل ما يتعلق بتقليل التدخل في شؤون منطقة الشرق الأوسط، وحتى في الموقف إزاء روسيا التي أبدى ترامب موقفاً وديّاً تجاهها في الظاهر، غير أنه من ناحية فعلية انتهج معها سياسة صارمة. أما بالنسبة إلى إيران، فيميل معظم المحللين إلى ترجيح احتمال كبح سياسة المفاوضات والاتفاقات عاجلًا أو آجلاً، وتحديداً بسبب سياسة طهران ومطامعها في الهيمنة. غير أن المؤشر الأبرز لتلك الاستمرارية، هو الاتفاق العسكري الجديد بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا على تزويد أسطول الأخيرة بثماني غوّاصات نووية متطورة جديدة، ستُبنى في بريطانيا وأستراليا، وستُستخدم بالأساس للحفاظ على مصالح الدول الثلاث في منطقة جنوب شرق آسيا وفي المحيط الهادي. فهذا الاتفاق أكّد، بما لا يدع مجالاً لأي شك، أن الإدارة الحالية متمسّكة بشعار “أميركا أولاً”، ولو بثمن إثارة حنق بعض الحلفاء، كما يمكن الاستدلال من ردّة فعل باريس على إلغاء اتفاق سابقٍ مع أستراليا لتزويد الأخيرة بغوّاصات فرنسية ليست نووية.
بالنسبة إلى ألمانيا، وفقاً للصورة المرتسمة في ضوء نتائج الانتخابات العامة، سيتشكّل الائتلاف الحاكم المقبل من أحزاب الاشتراكيين الديمقراطيين والخضر والليبراليين، التي حصلت معاً في الانتخابات العامة أخيراً على 56.6% من مقاعد البوندستاغ (البرلمان). وسيضع مثل هذا الائتلاف في حال تشكيله حدّاً لعهد ميركل الذي اتسم بالنسبة إلى دولة الاحتلال بإيلاء موضوع أمن إسرائيل أهمية قصوى، وجعله مركزياً، كما أكّدت بلسانها في زيارتها الوداعية لتل أبيب الأسبوع الحالي، ما جعل الصداقة بين الدولتين “لا حدود لها”، كما وصفها رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، بنيامين نتنياهو، في أكثر من مناسبة.
وتجمع أغلب التحليلات على أن هذا الائتلاف سيكون أقلّ انحيازاً إلى إسرائيل من الائتلافات التي كانت بقيادة ميركل. وذهب بعضها إلى القول إن ثمّة عزاءً كبيراً في عدم تمكّن حزب اليسار الراديكالي الألماني من تجاوز نسبة الحسم، لكنه، في الوقت عينه، أشار إلى وجود جناح راديكالي في الحزب الاشتراكي الديمقراطي يستحيل التغاضي عنه. وثمّة جانب آخر سلّطت العين الإسرائيلية الضوء عليه، هو صعوبة أن تتماشى ألمانيا، بقيادة مستشار اشتراكي ديمقراطي، مع مساعي الولايات المتحدة البايدينية لإقامة جبهة غربية موحّدة في مواجهة كل من الصين وروسيا. وفي هذا الصدد، أشير، من بين أمور أخرى، إلى أنه عند صعود الاشتراكيين الديمقراطيين إلى سدّة الحكم في ألمانيا أول مرة عام 1969، بادروا إلى انتهاج سياسة حوار مع الاتحاد السوفييتي السابق، خلافاً لرغبة واشنطن الخفيّة. وفي ما يخصّ الصين، فهي تُعتبر الشريك التجاري الأول لألمانيا منذ 2016.
والذي لا شكّ فيه، أن الابتعاد عن شبح السياسة الأميركية يؤثر أيضاً في السياسة المتبعة حيال الربيبة، إسرائيل.