«حماس» بين تجاذبات الحلفاء

BdsJ4.jpeg
حجم الخط

بقلم رجب أبو سرية

 

 

 

قبل أن تصل إلى السلطة والحكم، لم تكن حركة حماس تعني الأطراف الإقليمية كثيرا، باستثناء سورية الدولة العربية المعتادة على إقامة جسور التحالف مع الفصائل الفلسطينية المقاومة، وحيث إن حماس قد ظهرت بقوة سياسية ميدانية خلال انتفاضة العام 1987، فإنها ظلت واحدة من فصائل الانتفاضة، التي ظهرت بشكل ما كوريث للجبهة الشعبية في موقع قيادة المعارضة، وهذا ما ظهر خلال تشكيل جبهة معارضة أوسلو بعد توقيع اتفاق إعلان المبادئ العام 1993، وميدانيا وبعد أن أوقف أوسلو ما تبقى من فاعليات الانتفاضة، فإن قوة حماس انحسرت، حتى كادت تتلاشى مع إقامة السلطة، وظهر ذلك جليا خلال عامي 94، 95، لكنها ومنذ العام 1996، بعد اغتيال إسحق رابين، وإطلاق عملياتها الاستشهادية في المدن الإسرائيلية، أخذت في الظهور مجددا، وإن كانت قد بدأت في الاصطدام الميداني مع السلطة، لكن صراعها مع السلطة حين ذاك بدأ في التراجع ارتباطا بتعثر المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية.
ولأنها كانت محدودة التأثير داخليا، أحجمت حماس عن المشاركة في انتخابات العام 1996، واحتاجت بعد ذلك إلى نحو عشر سنوات من العمليات العسكرية ضد إسرائيل، مع تعثر المفاوضات، لتصبح قوتها توازي قوة حركة فتح ميدانيا، ولهذا شاركت في انتخابات 2006، بعد غياب قائد فتح ياسر عرفات، لتصل للسلطة من الباب الواسع، استنادا للنظام الانتخابي المختلط الذي جرت الانتخابات في ذلك العام على أساسه، لتظفر بالأغلبية النيابية، وحينها صارت حماس «نجما» إقليميا، تتنافس القوى الإقليمية على التحالف معها، لكن في ذلك الحين، لم يكن هناك سوى إيران إلى جانب سورية، وهما في الموقع نفسه، أي هما أصلا حليفان إقليميان، وهكذا صارت حماس تعد جزءا من محور الممانعة الإقليمي الذي يضم إيران وسورية ومعهما فصائل سياسية فلسطينية ولبنانية، أهمها بالطبع حزب الله، الحليف تماما، نظرا لتركيبته الطائفية المتساوقة مع إيران بالدرجة الأولى ومع سورية بالدرجة الثانية، ثم الجهاد الإسلامي الذي عدّ نفسه شيعيا بالمحتوى السياسي، أي وفق العقيدة السياسية الجهادية، ثم حماس التي كانت تشهد خلافا داخليا حول هذه المسألة، تم لجمه بالمال الإيراني، والدعم العسكري الإيراني أيضا.
خمس سنوات أخرى، وجدت حماس نفسها عرضة لتجاذب خارجي جدي، انعكس بالطبع عليها داخليا، ونقصد بذلك ظهور ما سمي الربيع العربي الإخواني، وكان يمكن أن يمضي الأمر على «خير» بالنسبة لحماس لولا أن ذلك الحراك الشعبي دخل سورية، وكذلك مصر، نجاح الإخوان في مصر بالوصول إلى الحكم، عزز من التيار الذي كان وما زال يقوده إسماعيل هنية والذي يسير وفق الإخلاص للإرث الإخواني، ولهذا فإن هنية شخصيا وزع الحلوى في غزة لحظة إعلان فوز محمد مرسي العياط في السباق الرئاسي المصري، لأن ذلك كان قوة لتعزيز قوته داخل الحركة، أما الطامة الكبرى فكانت فيما يخص سورية، حيث اضطرت حماس للاصطفاف مع إخوان سورية ضد نظام بشار الأسد، ما اضطر خالد مشعل، عراب العلاقة مع محور الممانعة للإقامة في قطر، ومن ثم الانحناء لتيار هنية، وصولا إلى النزول من مقعد رئيس الحركة لهنية شخصيا، وكان هنية قبل ظهور الربيع العربي يدفع للتحالف مع تركيا الإسلامية وريث الباب العالي العثماني، مقابل التحالف مع «الرافضة» في طهران، أو على الأقل لإحداث التوازن بينهما.
أما الجهاد الإسلامي فلم يواجه مثل هذه المشكلة، فهو لم يهتم بالربيع العربي، ولا تربطه أي علاقة لا تنظيمية ولا سياسية، وحتى العقيدية بدرجة أقل مع الإخوان العرب خاصة ومع الإسلام السياسي عموما، وهو تنظيم يقدم نفسه على أنه حزب جهادي أكثر منه دعويا إسلاميا، وحين واجه خلافا مع طهران في ملف اليمن، تم احتواؤه، ولم تتأثر كثيرا علاقته مع طهران، في الجانب العسكري، وإن كانت قد تأثرت في الجانب المالي والإعلامي.
أما تبعات التجاذب الإقليمي على حماس فما زالت آثارها حتى اليوم رغم مرور عشر سنين تقريبا، وبعد أن هوى الإخوان في مصر وتونس، وانحسروا في الجزائر، ثم في المغرب، رغم محاولة هنية العام الماضي بذهابه للرباط ولقاء رئيس حكومته الإخواني سعد الدين العثماني، تعزيز وجهته القائمة على التحالف واستمرار المراهنة على الإخوان في كل مكان، إلا أن سقوطهم المدوي قبل أسابيع في المغرب أيضا، يجعل من حلقة الحلفاء أضيق، وبالتالي يستمر اعتماد حماس على مربع فيه من التباينات الشيء الكثير، ونعني به إيران - تركيا - قطر - مصر.
شيء غريب حقا، أن تجد حماس نفسها تطرق أبواب سورية فتظل موصدة، رغم أن علاقتها مع طهران وحزب الله عادت  - تقريبا - إلى سابق عهدها، ثم إنها اضطرت لتعلن أكثر من مرة براءتها من العلاقة التنظيمية مع إخوان مصر، رغم أن إخوان غزة بالتحديد هم تلاميذ مدرسة بل وحتى تنظيم إخوان مصر، وذلك لتتقرب من القاهرة، التي وجدت فيها ضالة أمنية، تساعدها في ملف سيناء، وهكذا أبقت حماس على العلاقة الجيدة مع قطر، وابتعدت عن إخوان مصر، لتبقي باب القاهرة مفتوحا، وإن كان دون ثقة.
هذا على المستوى الإقليمي، أما على المستوى الداخلي، فإن حماس التي تربطها علاقة وثيقة سياسيا مع عدد محدود من الفصائل الفلسطينية، معظمها الفصائل المرتبطة سياسيا بسورية، أي القيادة العامة والصاعقة وجماعة أبو موسى - العملة، إلا أن علاقتها مع هؤلاء تأثرت سلبا بعد انقطاع علاقتها بسورية، فقط بقيت على علاقة مفتوحة مع الجبهة الشعبية، ومع الديمقراطية بدرجة أقل.
أما على الصعيد الميداني، خاصة بعد انقلابها في غزة العام 2007، فكان تحالفها الأهم مع الجهاد، والذي تحالفه الأهم مع إيران أكثر منه مع سورية، والذي بقي يصطف معها، لأن سيطرتها على غزة، تبقي على وجوده العسكري، فهو تنظيم ليس قويا على الصعيد الجماهيري، بقدر قوته العسكرية.
لذا فأن يخرج أمين عام الجهاد مؤخرا لتهديد إسرائيل بحرب انتصارا لمعتقليه في السجون الإسرائيلية، والمقصود بشكل أساسي معتقلي جلبوع الذين كانوا قد نجحوا في الهرب الشهر الماضي، دون أن ينسق مع حماس، وهكذا يظهر على صورة حسن نصر الله في لبنان، فذلك يعني أن حماس بدأت تواجه حليفا ليس في جيبها الخلفي، لا ينافسها على السلطة بشكل صريح، لكنه ينافسها على النفوذ ويزاحمها فيما يخص قرار الحرب، في الوقت الذي تلهث هي فيه وراء التهدئة وصفقة الأسرى والمنحة القطرية.