1948 قصة مفتوحة تأبى أن تُغلق

ميخائيل ملتشتاين.jpeg
حجم الخط

بقلم: ميخائيل ميلشتاين

 

 


سنة 1948 تأبى الاختفاء من الخطاب الإسرائيلي وهذا أمر جيد. مؤخراً، اندلع نقاش حاد في أعقاب دعوات صدرت عن إعلاميين ومفكرين في إسرائيل تطالب بتعليم النكبة الفلسطينية في نظام التعليم اليهودي، برز هذا النقاش في وقت قريب من اندلاع أحداث أيار التي أكدت هي أيضاً أن 1948 لم تكن حدثاً عابراً انتهى، بل هي قصة مفتوحة لا تزال فصولها تكتسح المجتمعين في الحاضر أيضاً.
ربما من الصعب التحرُّر من الانطباع بأن النقاش الدائر هو نقاش ثنائي النظرة مطليّ باللونين الأبيض والأسود.
هناك طرف يؤدي دور المدعي العام للتاريخ ويعتبر نفسه محقاً وضحية دائمة، ولا يشعر بالحاجة إلى إجراء نقد ذاتي.
وهناك طرف يجلس دائماً على مقعد المتهمين التاريخي ومطلوب منه الاعتراف بالظلم الذي تسبب به مجرد وجوده، ويُنتظر منه الاعتذار.
هذا النهج يعبّر عن وجهة نظر الفلسطينيين عموماً، أولئك الذين يعيشون في الشتات، أو في السلطة، أو في قطاع غزة، وكذلك المواطنون العرب في إسرائيل.
السعي الدؤوب لإثبات ظلم تاريخي لا لبس فيه، ودفْع الطرف الثاني إلى الاعتراف والاعتذار ليس وصفة مصالحة، بل يؤدي إلى عدم اهتمام وتعاطُف الجانب اليهودي إزاء ماضي ومصير الفلسطينيين.
1948 كانت حدثاً معقداً، وما دامت تصوَّر كجريمة جرى التخطيط لها مسبقاً ونفّذها مجتمع ضد المجتمع الثاني، فإنها ستؤدي إلى نقاش عقيم لا ينتهي.
من الضروري أن يعترف الجمهور اليهودي بالنكبة كي يفهم عمق هذه الذكرى في الوعي الجماعي الفلسطيني - وخصوصاً لدى المواطنين العرب في إسرائيل - وبهذه الطريقة يجري تطوير نقاش نقدي إزاء ماضي الدولة.
من المفيد أن تظهر وجهة نظر كهذه وسط الفلسطينيين، مثلاً من خلال تطوير تيار من «المؤرخين الجدد» يدرس الماضي بصورة نقدية ويبحث، بعمق، الأصداء التاريخية، وعلى رأسها رفض خطة التقسيم في سنة 1947، والمبادرة الهجومية على الييشوف اليهودي والمسؤولية عن المذابح التي تعرّض لها اليهود، وخصوصاً في البلدات التي استسلمت.
على مرّ الزمن، برز فعلاً نقاش نقدي إزاء 1948 وسط المؤرخين الفلسطينيين، لكنه تمحور على تحليل الأسباب التي أدت إلى النكبة، وفي طليعتها إخفاق زعاماتهم، وافتقارهم إلى الوحدة الداخلية، وخيانة الأشقاء العرب لهم.
في هذا الخصوص ادّعى المؤرخ الفلسطيني، مصطفى كبها، أنه بينما برزت هذه النظرة النقدية الداخلية في إسرائيل، لا يزال الفلسطينيون يعانون جرّاء ظروف تفرض عليهم التجنّد من أجل الدفع قدماً بأهداف وطنية، ولذلك يجدون صعوبة في تطوير نهج نقدي إزاء ماضيهم.
المطلوب من الفلسطينيين الاعتراف بأن «النكبة» لم تهبط عليهم كعاصفة رعدية في يوم صافٍ، بل كانت جزءاً من حدث تاريخي متعدد الأبعاد كان لهم دور فاعل فيه، والمواقف التي وقفها زعماؤهم وحظيت بتأييد شعبي جارف كان لها عواقب وخيمة.
المطالبة باعتذار إسرائيل عن النكبة يوازي إلى حد بعيد مطالبة اليابان وألمانيا الحلفاء بالاعتذار عن الضرر الذي تسببوا به لمواطني بلديهما خلال الحرب العالمية الثانية.
لقد هُزم الفلسطينيون في سنة 1948 وعاشوا صدمة جماعية يجب على اليهود الاعتراف بها والمشاركة في نقاش حيال الوسائل المؤدية إلى حل تداعياتها البعيدة الأجل.
يمكننا أن نندم على الماضي، لكن لا حاجة إلى الاعتذار عنه. إن الاستمرار في التمسك بتصوير الذات بصورة الضحية المطلقة والمطالبة بإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء يشكلان أساساً لعدم الثقة وإدامة الصراع، وليس للمصالحة.

عن «يديعوت»

*رئيس قسم الدراسات الفلسطينية في مركز دايان وباحث في معهد السياسات والإستراتيجيا في جامعة ريخمان.