هآرتس – اسرائيل غالية جدا، خاصة في الفروع غير التنافسية

حجم الخط

هآرتس/ ذي ماركر – بقلم ميراف ارلوزوروف

البروفيسور دان بن دافيد يجب أن يعتبر احد الاقتصاديين الشجعان في اسرائيل. بن دافيد كان أول من صرخ قبل عقدين بأن اسرائيل تتدهور بوتيرة سريعة، الانتاج يذوي بسبب مشكلة رأس المال البشري الموجودة لدينا: منظومة تعليم رسمية ضعيفة، منظومة تعليم بمستوى دول العالم الثالث، الاصوليون للجمهور العربي، اصوليون لا يتعلمون المواضيع الاساسية وهم المجموعة السكانية الاكثر نموا.

اقوال بن دافيد رفضت في حينه تقريبا وبصورة مهينة، لكنه صمم. ومع مرور الوقت الحكومة والجمهور اعترفوا بصدق اقواله. المشكلات التي كان هو أول من اشار اليها تعتبر الآن التهديد الاقتصادي الوجودي الاكثر خطورة على دولة اسرائيل. 

بعد نجاح حملته الصليبية (من ناحية الوعي، وليس من ناحية ايجاد حلول)، توجه بن دافيد في الاسبوع الماضي للانشغال بمسألة اخرى، أقل اهمية، لكنها مع ذلك مهمة: هل الـ OECD مخطئة في حساباتها؟ بن دافيد والبروفيسور ايال كمحي لاحظا أن الـ OECDتقول بأن مستوى الاسعار المقارن مع اسرائيل ارتفع منذ 2005 بعشرات النسب المئوية في جميع المجالات، مقارنة مع متوسط الدول المتقدمة، في حين أن معدل التضخم في اسرائيل لم يكن اعلى من معدل التضخم في الدول المتقدمة.

لقد انبريا لفحص هذا التناقض واكتشفا أن قياس اسعار السلع في الدول المختلفة من قبل OECD  مشوه بسبب تأثير تذبذب اسعار الصرف. لذلك، بن دافيد وكمحي احتسبا اسعار السلع في اسرائيل بالمقارنة مع العالم بطريقة مختلفة عن طريقة OECD (مقارنة بي.بي.بي) وتوصلا الى الاستنتاج بأن OECD مخطئة، واسرائيل لم يرتفع فيها غلاء المعيشة بشكل كبير في الـ 15 سنة الاخيرة.

هذا النشر اثار عاصفة، سياسية وجماهيرية. اتحاد الصناعة سارع الى الاعلان بأن الاسعار في اسرائيل ليس اعلى مما هي في العالم، لذلك لا توجد أي حاجة للقيام باصلاحات وفتح اسرائيل امام الاستيراد. ايضا منظمات المزارعين الذين يحاربون ضد الاصلاح المخطط له الذي يتمثل بفتح فرع الزراعة امام الاستيراد سبق واستلوا السيوف من اغمادها. 

فقط في هذه الاثناء اشار اقتصاديون مختلفون على بن دافيد وكمحي بأن تفسير فجوات الاسعار على طريقة “بي.بي.بي” خاطيء. فعليا، هذه المقارنة لم تعلمنا الكثير عن فجوات الغلاء بين اسرائيل والعالم. 

الفروع الرخيصة هي الفروع المفتوحة للمنافسة

في الايام الاخيرة نشر بن دافيد وكمحي تعديل لعملهما. في هذه المرة قاما بفحص فجوات اسعار السلع بين اسرائيل والعالم بطريقة اسهل على الفهم، بالنسبة لمتوسط الاجر في كل الدولة. 

ببساطة هما قاما بفحص كم هو عدد سلات الاستهلاك التي تشمل الاتصالات والغذاء والسكن والصحة التي يمكن للاسرائيلي أن يشتريها بمتوسط أجره، مقارنة مع عدد السلات التي يشتريها مواطن عادي في OECD. هذه الطريقة لا تجيب بشكل مباشر على سؤال هل الاسعار في اسرائيل عالية أم منخفضة مقارنة بالعالم، بل تتناول اكثر مسألة غلاء المعيشة، كم هي الاسعار عالية أو منخفضة بالنسبة للاجور في اسرائيل.

نتائج هذا الفحص هي ابسط بكثير على الفهم. فاسرائيل رخيصة جدا في مجال الاتصالات. ومتوسط الاجر في اسرائيل يشتري ثلث بث الاتصالات اكثر من باقي الدول المتقدمة، بالطبع في اعقاب اصلاح الهاتف المحمول ومنافسة الاسعار التي حدثت في اعقابه. في حين أنه في ثلاثة مجالات الاسعار في اسرائيل بالنسبة للاجر هي اغلى بقليل من العالم، وهي مجال المواصلات المدعوم بصورة كبيرة، ومجالان مفتوحان للمنافسة امام الاستيراد بصورة متنافسة، مجال الاثاث والادوات المنزلية، ومجال الملابس والاحذية. في المجالات الاخرى اسرائيل اغلى بشكل كبير من العالم. التعليم اغلى 14 في المئة، الغذاء اغلى 15 في المئة، المطاعم 17 في المئة، السكن 26 في المئة، وفي مجال الصحة نحن اغلى بكثير مما في العالم، 33 في المئة (بالمناسبة، من غير الواضح لماذا). الشعور بأن الحياة هنا اغلى وأن الاسرائيلي يمكنه شراء اقل بأجره، هو شعور صحيح. 

من اجل زيادة الثقة، بن دافيد وكمحي فحصا ووجدا أن العلاقة بين الاجر والاسعار لا تنبع من  أن الاجر المتوسط المنخفض (هو غير منخفض، الاجر المتوسط اقل 10 في المئة من متوسط الاجر في دول OECD ، وهذه فجوة اقل من معظم الدول المتقدمة). ومن اجل زيادة الثقة قاما ايضا بفحص داخلي في داخل الفرع المختلف عليه جدا من ناحية غلاء الاسعار في اسرائيل وهو فرع الغذاء. 

ايضا فحص فرع الغذاء اكد ما يشعر به معظم الاسرائيليين. اسعار الفواكه والخضار في اسرائيل ما زالت اقل نسبيا، 21 في المئة اقل من العالم بصورة نسبية مع الاجر. في كل فروع الغذاء الاخرى اسرائيل اغلى، لا سيما في الفروع التي يسيطر فيها الاتحاد الزراعي بقوة، فرع البيض وفرع الحليب، التي يوجد فيها للمزارعين اتحاد منظم بالقانون (تخطيط). الاسرائيليون يشترون بأجرهم كمية اقل بالثلث من منتجات الحليب والبيض. ويجب علينا أن نذكر أن البيض الاسرائيلي هو من الاسوأ في العالم المتقدم (فيه نسبة عالية من السالمونيلا). 

الميزة النسبية لاسرائيل تتقلص

ما اكتشفه بن دافيد وكمحي يعزز معظم النظريات المفرحة التي توجد في اسرائيل: المنافسة تفيد الاسعار، المنافسة مع الاستيراد من العالم هي أمر ممتاز، رجال الصناعة يمكنهم التوقف عن البكاء والبدء بالتنافس، التخطيط في فرع البيض والحليب هو من الاثار المتعفنة التي حان الوقت للقضاء عليها. كم من المؤسف أن حكومة التغيير لم تنجح في هذه الاثناء في احداث تغيير ازاء اللوبي الزراعي والدفع قدما بوقف التخطيط. 

ماذا بالنسبة لاصلاح فتح فروع النباتات، الفواكه والخضراوات، لاستيراد تنافسي؟ يبدو أن اكتشاف بن دافيد وكمحي يسحب البساط من تحت الاصلاح لأنه يجد أن اسعار الفواكه والخضراوات في اسرائيل هي اقل 20 في المئة من العالم (للدقة، بنفس الاجر يشتري الاسرائيلي 20 في المئة اكثر من الفواكه والخضراوات). هذا غير مفاجيء حقا. فاسرائيل كانت دائما رخيصة في فرع الفواكه والخضراوات، لذلك هذه الفروع شكلت دائما عامل مهم جدا في الغذاء الاسرائيلي. 

توجد لنا ميزة نسبية هامة في زراعة الفواكه والخضراوات، لكن المعطيات في الـ 15 سنة الاخيرة تشير الى أن هذه الميزة تتقلص. فمنذ العام 2000 مؤشر الفواكه ارتفع 100 في المئة، ومؤشر الخضراوات ارتفع 80 في المئة. هذه هي الفروع التي كانت اكثر ارتفاع في المؤشر، حتى اكثر من السكن (الذي ارتفع 67 في المئة). 

حقيقة أن الفواكه والخضراوات الآن أغلى بكثير مما كان في السابق لا تحتاج الى دليل. فكل اسرائيلي يزور السوبرماركت يشاهد الاسعار، والنتيجة هي انخفاض حاد في استهلاك الفواكه والخضراوات في اسرائيل، انخفاض 20 في المئة من استهلاك الفرد في العقدين الاخيرين. باختصار، حتى لو كانت اسرائيل ما زالت رخيصة نسبيا مقارنة بالعالم إلا أنها اغلى بكثير بالنسبة لنفسها، الامر الذي يقتضي اصلاح في كل الاحوال.

الى جانب ذلك، اذا كانت اسعار الفواكه والخضراوات في اسرائيل جذابة جدا بالنسبة للعالم، فانه في نهاية المطاف لا يوجد للمزارعين أي سبب لمعارضة الاصلاح. ففي كل الاحوال الاسعار في الخارج ارخص. لذلك، لا يوجد ما نخاف منه من استيراد تنافسي.