«المركزي» القادم: الحاجة إلى هيئة تشريعية ورقابية

اشرف-العجرمي.jpeg
حجم الخط

بقلم: أشرف العجرمي

تشهد السلطة الوطنية الفلسطينية حالة من التدهور الكبير على مختلف المستويات، فهي تعاني من شح كبير في المساعدات الخارجية بعد توقف الدول العربية عن تقديم أي دعم يذكر للسلطة باستثناءات تكاد لا تذكر، وبعد توقف التمويل الأميركي للسلطة باستثناء الأجهزة الأمنية منذ الإعلان عن صفقة القرن ورفض القيادة المعلن لها، وبعد تقلص الدعم الأوروبي الذي حصل بسبب «الكورونا» وأيضاَ لأسباب أخرى تمثل احتجاجاً أوروبياً على سلوك السلطة. وعملياً هناك مشكلة اقتصادية ومالية كبرى تعاني منها السلطة بشكل آخذ في التعقيد مع الوقت. وتمر السلطة كذلك بأسوأ أوقاتها على مستوى الدعم الشعبي لها، حيث انخفض بصورة ملموسة بعد تأجيل الانتخابات وحرب غزة الأخيرة وصفقة لقاح «الفايزر» ومقتل نزار بنات. وهناك بدون شك تآكل في قدرة السلطة على السيطرة الكاملة على المناطق التي تحت إشرافها، وهذا يمكن ملاحظته في المحافظات من جنين وحتى الخليل، من ظواهر الفلتان وانتشار السلاح وازدياد معدلات الجريمة والعنف.
ويضاف إلى كل ذلك الاتهامات الموجهة للسلطة بالفساد الإداري والمالي وهي اتهامات متعددة الأطراف لا يقتصر فقط على الساحة الداخلية، فهناك مطالبات أوروبية وأميركية قوية بإجراء إصلاح جدي في مؤسسات السلطة. وقد أصبح هذا الموضوع أكثر جدية بعد صدور تقرير الرقابة الإدارية والمالية الذي يشير إلى قسم كبير من بواطن الخلل والفساد. وهذا ربما ما دفع الرئيس محمود عباس إلى اتخاذ قرار بتشكيل «لجنة وطنية للإصلاح الإداري» برئاسة المستشار القانون للرئيس، وعضوية كل من أمين عام مجلس الوزراء، ورئيس ديوان الموظفين العام، ورئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية، ورئيس هيئة التقاعد العام، ورئيس هيئة التنظيم والإدارة، ووزير العدل، وممثلين عن مؤسسات أخرى، لدراسة القوانين والأنظمة والهيكليات التي تستند إليها مؤسسات السلطة بهدف اصلاحها وتطويرها وتحسين أدائها، و»ضبط العلاقة الوظيفية والبنوية ما بينها وبين المؤسسات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية». وهذه النقطة الأخيرة في تكليف اللجنة بحاجة إلى استيضاح وتركيز خاص.
لا يمكن عزل ما تعانيه السلطة عن مسألة الانقسام الذي يعاني منه الوطن والذي جعل قطاع غزة واقعاً معزولاً عن باقي المناطق الفلسطينية، حيث لا تسيطر السلطة عليه ويخضع لحكم «حماس» بالكامل. وهذا الواقع هو الذي ساهم فعلياً في وجود فراغ تشريعي ورقابي وخاصة منذ الانقسام وحتى اليوم، مروراً بحل المجلس التشريعي. وهو عملياً ما يمنع إجراء الانتخابات العامة وإعادة إحياء مؤسسات السلطة التشريعية والرقابية، ما قاد إلى المزيد من الترهل وسوء الإدارة والفساد، وغياب المحاسبة ليس فقط المؤسساتية بل والشعبية كذلك وخاصة تلك التي تتم عبر صناديق الاقتراع.
اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الأخير أول من أمس، انتهى بالتأكيد على دعوة المجلس المركزي للانعقاد في موعد أقصاه أوائل شهر كانون الثاني القادم. وربما تشكل هذه الدعوة فرصة لتغيير الواقع وتحسين صورة السلطة أمام الشعب وأمام المجتمع الدولي. ولو أحسنّا النية في دور لجنة الإصلاح الإداري بأنها ستقوم بدورها في الإصلاح واخذنا ما ورد في تقرير لجنة الرقابة الإدارية والمالية على  محمل الجد لجهة محاربة الفساد والإصلاح، فهذا ربما يقودنا إلى مرحلة جديدة من تطوير الأداء والعمل الحكومي في مختلف المجالات. ولكن لو تم كل ذلك فهذا لن يكون كافياً لإبقاء المؤسسة الرسمية تعمل بشكل جيد وتقليص كل أشكال الفساد وسوء الإدارة. وهذا بسبب عدم وجود جهاز تشريعي رقابي يشرف على هذه المؤسسة. ومع الاحترام لكل الأشخاص والجهات التي تشكل لجنة الإصلاح التي تم الإعلان عن تشكيلها فهي لا تزال مؤسسة حكومية، ولا يمكنها محاسبة الأطراف الحكومية الأخرى الضالعة في المخالفات. والأصح أن تكون هناك جهة غير مرتبطة بالحكومة للقيام بدور الرقابة والمحاسبة في نفس الوقت. وهذا هو دور المجلس التشريعي «البرلمان».
في ظل غياب البرلمان سواء بسبب الانقلاب والانقسام أم بسبب حل المجلس التشريعي لا توجد جهة يمكنها القيام بدوره باستثناء مؤسسات منظمة التحرير التي تشكل مرجعية السلطة الوطنية والجهاز المشرف عليها. وهنا يعود الأمر للمجلس الوطني، ولكن بما أن عضوية المجلس الوطني  كبيرة وواسعة لا يمكن عقده في فترات متقاربة، ولهذا يمكن الاستعاضة عنه بالمجلس المركزي كهيئة وسيطة بين المجلس الوطني واللجنة التنفيذية. والمجلس مكون من كل الفصائل التابعة لمنظمة التحرير وشخصيات مستقلة وأخرى تابعة للاتحادات والنقابات والمنظمات الشعبية، أي أنه يشكل مجلساً وطنياً مصغراً. وفي هذا السياق يمكن تشكيل لجنة مصغرة من المجلس المركزي للقيام بالعمل الإداري والفني على أن تعرض نتائج عملها على المجلس ليأخذ قرارات بشأن نتائج هذا العمل، شريطة أن تكون هذه اللجنة مكونة من جميع الأطراف المشكلة للمجلس المركزي.
وهذا الوضع ينبغي أن يكون مؤقتاً حتى يتم إنهاء الانقسام وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية وإعادة بناء مؤسسات السلطة الموحدة على كل الأراضي الفلسطينية في الضفة وقطاع غزة. ومع ذلك يمكنه أن يشكل بداية لاستعادة ثقة المواطنين بمؤسسات السلطة وبقيامها بواجباتها على افضل وجه وبما يخدم الشعب ويؤسس لدولة فلسطين المستقلة العتيدة. كما يمكنه أن يساهم في تعزيز ثقة المجتمع الدولي والدول المانحة في هذه المؤسسات ويساعد في عودة التمويل لها ووضع حد للضائقة المالية التي تعيشها ويدفع جهود إنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية.