شهد يوم أمس الثلاثاء حدثين في عالم النفط، الأول تراجع سعر النفط الأميركي إلى أدنى مستوياته منذ عام 2009، والثاني إصدار وكالة معلومات النفط الأميركية تقريراً يؤكد أن مخزون النفط الأميركي ارتفع، وأن إنتاج النفط الأميركي سيتراجع خلال العام المقبل حتى نهاية الصيف، وربما يعود إلى بعض الارتفاع في الربع الأخير من العام 2016.
وقدرت وكالة المعلومات الإنتاج الأميركي خلال العام المقبل بـ8.8 مليون برميل يومياً مقابل 9.3 مليون لهذا العام، لكن مؤشرات إضافية تلقي المزيد من الضوء على "أزمة الإنتاج الأميركي" في المرحلة الحالية.
فقد تراجع عدد المنصات المنتجة للنفط الأميركي إلى 545 منصة، أي بتراجع 10 منصات عن الأسبوع السابق، وتشير بعض التقارير إلى أن عدد المنصات العاملة في الولايات المتحدة تراجع من أعلى نسبة له في العام الماضي، وكان وصل إلى 1609 منصات.
وتأتي هذه التراجعات لتتعارض مع توقعات وكالة معلومات الطاقة السابقة التي أشارت خلال السنوات الماضية إلى أن الولايات المتحدة ستتابع إنتاج النفط، ليصل مجموع إنتاجها إلى 12 مليون برميل يومياً حتى العام 2020، على أن تعتمد أكثر على النفط الكندي لإقفال الهوة بين إنتاجها وحاجتها للطاقة.
العودة إلى الاستيراد
وكان هذا السيناريو صحيحاً عندما كان سعر البرميل 100 دولار أو أكثر، وقد تسبب هذا بصدمة لدى الدول المنتجة عندما سرت شائعات بأن الولايات المتحدة تتجه إلى الاكتفاء الذاتي من الطاقة، وأن واشنطن تتخلى عن حلفائها، لأنها ليست بحاجة لهم أو لنفطهم.
أيضاً كان هذا السيناريو صحيحاً إلى حد ما، خصوصاً أن استيراد الولايات المتحدة للنفط من السعودية تراجع من 46 مليون برميل في شهر سبتمبر العام 2013 إلى أقل من 25 مليونا في شهر سبتمبر من هذا العام، لكن تراجع إنتاج النفط الأميركي وبقاء الاستهلاك على مستوياته الحالية سيعني عودة الاستيراد إلى مستويات مرتفعة كما كان في العام 2013، وهو أعلى مستوى خلال السنوات العشرين الماضية.
وتبدو شركات النفط العاملة في الولايات المتحدة أكبر الخاسرين، فقد خفضت استثماراتها وصرفت الآلاف من العمال بعدما خفضت إنتاجها وأوقفت بناء منصات جديدة. وتشير هذه الشركات الآن إلى أن انخفاض سعر البرميل إلى 40 دولاراً وأقل يعني استكمال الخفض.
وأوضحت مذكرة نشرتها "وول ستريت جورنال" أن "شركات النفط تخسر تحت سعر 40 دولاراً"، ونقلت عن برنستين ريسورتش أن شركات النفط كانت بنت مشاريعها على أساس أن سعر النفط سيكون 50 دولاراً، وهذا النموذج لتحقيق الربح سقط الآن.
المستفيدون كثر
المستفيد الأكبر من هذه الانهيارات هو المستهلك الأميركي، فسعر ليتر البنزين تراجع إلى نصف دولار (الغالون 2 دولار) وكان وصل سعر الليتر إلى دولار منذ عامين، وهذا يعني أن الأميركيين سيتمكنون من الاحتفاظ بمليارات الدولارات سنوياً، ويستعملونها في شراء حاجياتهم، وهذا ما يساعد على تسارع دورة الاقتصاد الأميركي. تستفيد من هذا الانخفاض أيضاً الشركات التي تشهد الآن انخفاضاً كبيراً في ميزانية النقل، وقد تراجعت تكلفة وقود الشاحنات وكاز الطيران بالمليارات، ما يعزّز بشكل خاص أرباح شركات الطيران.
أما المستفيد الآخر فهو شركات صناعة السيارات، وقد شهدت ارتفاعاً سريعاً في بيعها للسيارات العائلية والرياضية ذات المحركات الكبيرة كما لم تشهده منذ عشر سنوات.