العبوة الناسفة في سورية تهدد بانزلاق روسيا وتركيا إلى مواجهة عسكرية

تسفي-برئيل.jpeg
حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل

 

 






الانفجار الذي حدث، أول من أمس، على جسر الأسد في دمشق، والذي قتل فيه 14 جندياً على الأقل وأُصيب العشرات، بقي حتى الآن انفجاراً يتيماً. لم تتحمل أي منظمة أو أي شخص المسؤولية عن تنفيذه، لكن الرئيس بشار الأسد عرف كما يبدو جيداً من أين جاء هذا الانفجار. خلال فترة قصيرة قصف سلاح الجو السوري بلدة اريحا التي تقع في محافظة ادلب وقتل على الأقل ثمانية اشخاص بينهم اطفال. ولكن من المشكوك فيه اذا كانت دمشق ستكتفي بهذا الرد.
محافظة ادلب ومدينة ادلب تحولتا الى ساحة مواجهة رئيسية في سورية، ليس فقط بين عشرات آلاف مقاتلي المليشيات المناوئة لسورية والتي تتمركز فيها. تقع ادلب في بؤرة المواجهة السياسية بين سورية وروسيا من جهة وبين تركيا من الجهة الاخرى وهي تهدد بجر الطرفين الى مواجهة عسكرية.
في السنوات الاخيرة استثمرت روسيا جهودا كبيرة من اجل الحصول على عمليات محلية لوقف اطلاق النار في ارجاء سورية بين قوات المتمردين والجيش السوري. كجزء من هذه الصفقات وافقت القوات السورية والروسية على السماح لمقاتلي المليشيات بمغادرة البلدات التي يعيشون فيها والانتقال الى محافظة ادلب شريطة أن يتخلوا عن سلاحهم الثقيل وأن يبقوا بحوزتهم فقط السلاح الخفيف، وأن تحتل مكانهم قوات النظام التي ستحل محل هذه المليشيات في هذه البلدات. هذه كانت عمليات تم التوصل اليها بالاتفاق، لكن عمليا روسيا والجيش السوري لم يتركوا امام هذه المليشيات أي خيار. فقد كان امامهم خيار واحد فقط وهو القتال امام قوات متفوقة أو الاستسلام.
عمليات التوصل الى وقف اطلاق النار تستمر حتى الآن. ومؤخراً نجحت قيادة التنسيق الروسية في سورية، المسؤولة عن تنفيذ عمليات وقف اطلاق النار المحلية، في انهاء المواجهة العنيفة في محافظة درعا في جنوب سورية بعد نجاحها في التوصل الى اتفاق في 16 بلدة في المحافظة لوقف إطلاق النار، وتمكين الجيش السوري، بمرافقة قوات الشرطة العسكرية الروسية ومليشيات مؤيدة للنظام، من الدخول الى داخل حدودها والسيطرة عليها.
ادلب، التي تحولت من ملجأ لمقاتلي المليشيات الى المعقل العسكري الاخير لهم، تسيطر فيها بالأساس هيئة تحرير الشام، التي تم تأسيسها في العام 2017 من اتحاد عدة مليشيات اسلامية راديكالية اهمها جبهة النصرة، التي في نسختها السابقة كانت ممثلة "القاعدة" في سورية. تحت سيطرتها تتم ادارة معظم مناطق المحافظة كدولة داخل دولة حيث شريان الحياة الرئيسي لها يأتي من تركيا. في الاتفاق الذي تم توقيعه بين روسيا وتركيا في ايلول 2018 تعهدت تركيا بتجريد المليشيات التي توجد في ادلب من سلاحها وابعاد مقاتلي هيئة تحرير الشام عن المحافظة. ولكن الاتفاق بقي في معظمه حبراً على ورق.
في شباط 2020 قصفت الطائرات الروسية محافظة ادلب، القصف الذي قتل فيه 50 جنديا تركيا تقريبا. والشرخ بين روسيا وتركيا وصل الى الذروة عندما اتهمت تركيا بشكل مباشر روسيا بالمس بشكل متعمد بجنودها. وفي المقابل اوضحت روسيا بأنه "لا يوجد للقوات التركية ما تبحث عنه في هذا المكان. ولم تقم تركيا بتنسيق وجود هذه القوات معها". بجهود مكثفة، استهدفت منع المواجهة بين روسيا وتركيا، قرر الطرفان التوقيع على اتفاق جديد لوقف اطلاق النار، شروطه تشبه الاتفاق الذي تم توقيعه في 2018. ولكن هذا الاتفاق ايضا لم يؤد الى تجريد المليشيات من سلاحها وابعاد رجال "هيئة تحرير الشام" الذين تعتبرهم روسيا وروسيا ارهابيين.
يبدو أن تركيا رغم تعهدها لروسيا لا يمكنها أن تقيد ايدي المليشيات، ليس هذا فقط، بل هي ايضا لا تسارع الى العمل بهذا الاتجاه لأن سيطرتها في ادلب تحولت الى ورقة مساومة امام روسيا في منطقة اخرى في سورية. تقول تركيا إن روسيا لم تنفذ دورها في الاتفاق لاخلاء القوات الكردية المسلحة من منطقة الحدود بينها وبين سورية، بالأساس من مدينة منبج ومدينة تل رفعت. هكذا، امام مطالبة روسيا إخلاء إدلب من المليشيات فإن تركيا تطلب من روسيا أن تنفذ في البداية المطلوب منها وأن تخلي المقاتلين الاكراد.
مؤخراً احتدم الخلاف، وفي 10 تشرين الاول تمت مهاجمة قافلة عسكرية تركيا، كما يبدو على ايدي قوات كردية، وقتل فيها مقاتلون من القوات الخاصة التركية. بدأت تركيا بدفع قوات عسكرية الى المنطقة، واعلنت بأنها "ستتخذ كل الوسائل لضمان سلامة جنودها". هذا التحذير تم تفسيره كنية لتركيا بأن تشن على الفور حربا في منطقة الحدود وأن تحتل البلدات الكردية وتطرد المقاتلين الاكراد دون انتظار عملية روسية.
رداً على ذلك دفع الجيش السوري بحماية من روسيا قوات نحو ادلب، وهدد بشن معركة على المحافظة المتمردة واستكمال سيطرة النظام عليها. كل ذلك بعد أن لم ينجح الطرفان في 29 أيلول في لقاء القمة بين الرئيس التركي والرئيس الروسي في الاتفاق حول مسألة ادلب. تواصل تركيا التمسك بموقفها الذي يقضي بأنه يجب رفع التهديد الكردي عن حدودها في الطرف السوري، في حين أن روسيا، التي تطمح الى تجنيد الأكراد للخطوات السياسية التي بادرت اليها من أجل حل الأزمة في سورية، غير معنية بالتدهور الى مواجهة معهم.
من هنا يأتي الخوف من أن انفجار اول من أمس في دمشق وقصف سورية لمحافظة ادلب يمكن أن تشكل الصواعق التي في اعقابها ستنطلق معركة شاملة على هذه المحافظة من جانب الجيش السوري والقوات الروسية، الأمر الذي سيحطم الاتفاق بين تركيا وروسيا وسيحرم تركيا من امكانية السيطرة على المحافظات الكردية ويدفع نحوها بموجات جديدة وكبيرة من مئات آلاف اللاجئين، اضافة الى حوالي 3.5 مليون لاجئ يوجدون الآن على اراضيها. ولكن روسيا ايضا تدرك أن هذا التطور يمكن أن يضعها في مواجهة امام تركيا، بالتحديد في الوقت الذي هي بحاجة اليها فيه كحليفة امام الولايات المتحدة.
تركيا، التي اشترت من روسيا منظومات صواريخ ارض – جو المضادة للطائرات من نوع "اس400"، وبهذا احدثت شرخ بينها وبين الادارة الاميركية حتى في فترة ولاية الرئيس السابق ترامب، وبدرجة أشد الآن مع ادارة جو بايدن، اعطت روسيا بذلك، ليس فقط صفقة اقتصادية ممتازة، بل ايضا حليفة سياسية انبثاقا من برود العلاقات بين انقرة وواشنطن. ومن اجل الحفاظ على شبكة العلاقات هذه فان روسيا وتركيا ايضا كما يبدو، لن تسارع الى الوصول الى ساحة مواجهة عسكرية في محافظة ادلب. في الوقت ذاته هما لا يمكنهما السيطرة بشكل مطلق على التطورات التكتيكية مثل عمليات ستنفذها المليشيات ضد قوات الجيش السوري أو هجمات سينفذها الاكراد ضد القوات التركية. في هذه الهجمات توجد امكانية كامنة حقيقية لحدوث معركة عسكرية مزدوجة، في ادلب وفي منطقة الحدود مع تركيا، وحدوث مواجهة خطيرة بين روسيا وتركيا.


عن "هآرتس"