شاركت قبل عدة أيام في ندوة تمحورت حول "سلامة الأغذية والأدوية" التي تصل إلى المستهلك أو المريض، ومن المعروف أن هذا الموضوع يهم كل الناس في بلادنا، كما هو في البلدان الأخرى في العالم، الكبير والصغير، المرأة والرجل، لأن الجميع وبشكل أو بآخر يستهلك أطعمة وأدوية، وبالتالي، فإن من حقهم أو من حقهن أن تصل المعلومة الصحيحة اليهم أو إليهن حول ما يصل الى داخل الأجسام، وبالأخص في هذه الأيام أو في هذه الفترة، مع التصاعد المتواصل في نسبة ونوعية الأمراض المزمنة أو غير السارية التي تنتشر في بلادنا وفي البلاد المحيطة بنا، ومع غموض أو عدم وضوح الأسباب أو العوامل حول ذلك.
ورغم ان موضوع سلامة الأغذية قد تم ويتم التطرق له بشكل واسع بسبب القلق المشروع حول هذا الموضوع، إلا أن موضوع سلامة أو فعالية أو صلاحية الأدوية البشرية لم يتم التطرق له بشكل واسع، وبالأخص عند المريض الذي يستهلك أدوية، وفي أحيان، إذا لم تحقق الفائدة المرجوة منها، فإن تداعيات استعمالها قد تكون وخيمة ومميتة، وبالأخص حين يتم استخدام هذه الأدوية لأمراض خطيرة، وخلال فترات زمنية طويلة، وبالتالي من حق المريض أن يعرف الحقائق حول موضوعين مهمين يتعلقان بالدواء الذي يستهلك، وهما السلامة والفعالية.
وبالإضافة إلى أهمية وصول المعلومة الصحيحة وبشكل منظم، الى المريض أو المستهلك الفلسطيني، حول سلامة وفعالية الدواء الذي يستهلك، تطالعنا الأنباء بين الفينة والأخرى عن ضبط أو مصادرة، أو عن وجود أدوية ومستحضرات صيدلانية أو طبية غير صالحة، أو منتهية الصلاحية، أو غير مرخصة، أو مجهولة المصدر في الأسواق الفلسطينية، حيث تكمن الخطورة أن هذه المستحضرات وربما كذلك بسبب رخص ثمنها، من الممكن أن تجد طريقها وبسهولة الى أيادي المستهلك وبالتالي الى داخل الجسم، وما لذلك من آثار ومن تداعيات، قد تكون فورية على شكل تسمم أو أعراض مرضية، أو آثار بعيدة المدى على شكل أمراض خطيرة تظهر بعد فترة، دون أن يكون من الصعوبة تفسيرها أو يكون الوقت قد مر للتعامل معها.
وهذا الوضع يتطلب وجود خطة متكاملة لمكافحة الأدوية والمستحضرات غير الصالحة او غير الفعالة او الفاسدة او المهربة أو في أحيان التي يتم التبرع بها من هذه الجهة أو تلك الدولة في السوق الفلسطينية، حيث إن محاولة إيصال أدوية او مستحضرات كيميائية مختلفة غير صالحة، أي لم تجتز الفحوصات المطلوبة، الى السوق ومن ثم الى المريض الفلسطيني تعتبر محاولات خطيرة، لأن تأثيرها سوف يظهر على المريض الذي يتناولها على أمل الشفاء او للتخفيف من حدة المرض او للعلاج، وبالتالي ففي حال عدم سلامة الأدوية او مستحضرات التجميل او العلاج، فإن مضاعفاتها قد تكون مميتة.
ومن المعلوم ان شركات الأدوية تقوم بتسويق الدواء، بالاعتماد على عاملين أساسيين، هما سلامة وفعالية الدواء، وبالتالي فافتقاد الدواء لأي من هاتين الصفتين سوف يؤدي الى عدم صلاحيته، وقبل طرح الدواء الجديد في السوق، تقوم شركات الأدوية العالمية بإجراء اختبارات السلامة ولسنوات طويلة على المادة الفعالة والمواد غير الفعالة الأخرى التي تدخل في تركيبة الدواء، وقبل ان يتم فحص او اختبار الدواء الجديد على المرضى قبل ان يتم طرحه في السوق، يتم إجراء دراسات السلامة على حيوانات في المختبر او متطوعين أصحاء من البشر، وبالتالي فإن تلوث الدواء ومن ثم عدم التأكد من ثبات المواد الكيميائية فيه مؤشر على عدم سلامة الدواء، ويمكن ان تظهر أعراض عدم سلامة الدواء على المريض الفلسطيني بشكل فوري، او بعد فترة طويلة، وفي حال حدثت يعجز المريض او الطبيب عن إيجاد تفسير لها
حيث نعرف أنه حسب القوانين المطبقة في أي بلد، فإن الدواء يجب ان يحمل تاريخ انتهاء صلاحيته، وكذلك الظروف البيئية لتخزينه، وتاريخ انتهاء الصلاحية يعتمد على عدة عوامل، منها نوعية الدواء، وشكل الدواء إذا ما كان سائلا، او صلبا، والطريقة التي يعطى بها للمريض، وطبيعة المواد الكيميائية المتواجدة في الدواء، وبالأخص المادة الكيميائية الفعالة، من حيث فترة ثباتها في شكلها الأصلي وعدم تحللها الى مواد كيميائية أخرى خلال فترة زمنية محددة، وكذلك الظروف المتوقع تواجد الدواء فيها من درجة الحرارة والرطوبة والضوء، وبالتالي فوجود أدوية في السوق منتهية الصلاحية يجب التعامل معها فورا على أنها غير صالحة للاستعمال، وخاصة إذا كانت هذه الأدوية تعطى لأمراض حساسة.
وعند تعاطي الأدوية فإنها تذوب وتبدأ بالدوران مع الدم لكي تصل الى الموقع المسؤول عن المرض في الجسم، وانها تحوي مواد كيميائية فعالة، أي تلك المادة التي تعمل على مقاومة المرض من أجل العلاج، وكمية هذه المادة قليلة جدا مقارنة مع كمية الدواء، وكذلك تحوي مواد غير فعالة، تتم إضافتها الى تركيبة الدواء لتثبيت الحبة او لإعطاء لون او طعم محدد، او للمساعدة على ذائبية المادة الفعالة، او لإطالة عمر المادة الفعالة، وكل هذه المواد حتى لو أنها غير فعالة بيولوجيا، قد يكون لها آثار جانبية او تفاعلات غير متوقعة، إذا ما تمت إساءة استعمالها، سواء من حيث الكمية او النوعية او الخليط، ولذا فإنه حين التحدث عن فساد او عدم صلاحية الدواء، يجب أخذ محتوى الدواء من المواد غير الفعالة بعين الاعتبار.
ومن أجل مكافحة هذه الظاهرة وبفعالية، وبالإضافة الى الدور الرقابي الدوري الذي من المفترض أن تقوم به الجهات الرسمية متمثلة في وزارة الصحة وغيرها من الدوائر، من المفترض إجراء الفحوصات الدورية التي يتم تطبيقها على الأدوية قبل تسجيلها او قبل تسويقها، وكذلك يجب إعادة إجراء الفحوصات المخبرية في حال الشك بفعالية او بسلامة الدواء، وإذا كان هناك خلل بناء على نتيجة الفحوصات، يجب اتخاذ الإجراءات المطلوبة ومنها الإجراءات القضائية، ويجب تطبيق القوانين الفلسطينية وبحزم وخاصة على الجهات التي تسوق الأدوية والمستحضرات الفاسدة أو غير الصالحة، وكذلك المستحضرات الكيميائية الأخرى من مواد تجميل ومنظفات وما الى ذلك.
ومن خلال خبرتي الطويلة في التعامل مع موضوع الأدوية، سواء من خلال الفحوصات المخبرية أو من خلال العمل على تطوير أدوية جديدة في شركات عالمية، وبالإضافة الى دور الجهات الرسمية وفي بلادنا ممثلة بوزارة الصحة، فإن هناك دورا مهما للمواطن الفلسطيني في الحد من وصول أدوية غير فعالة أو غير سليمة الى السوق الفلسطينية، وذلك من خلال الانتباه لأمور تتعلق بسلامة او فعالية الدواء الذي يتناوله، وإذا ما كان هناك أي مضاعفات غير طبيعية، يجب الإبلاغ عنها الى الجهات المسؤولة فورا، او حتى من خلال ملاحظة شكل الدواء، او اللون، ومدى صلابة حبة الدواء، والطعم، وبالطبع النظر وقبل أخذ الدواء الى تاريخ الصلاحية وشروط التخزين، وحتى ملاحظة سعر الدواء خاصة إذا كان أرخص مما اعتاد عليه، او ملاحظة إذا كانت عينة الدواء مكتوبا عليها" ليس للبيع" او "للتبرع"، او أي ملاحظات خاصة أخرى يمكن ان تلفت الانتباه، وانه في حال حدوث أي مضاعفات صحية أو عدم الشعور بالفائدة من الدواء، من المفترض التوقف عن استهلاكه والتواصل مع الجهات المختصة.
ملاحظات إضافية عن دلالات أعمار الزعماء
04 أكتوبر 2023