30 عاماً على مؤتمر مدريد: هكذا حيكت المشاركة الإسرائيلية

يونان ليس.jpeg
حجم الخط

بقلم: يونتان ليس

 

 



يتذكر دان مريدور جيداً اللقاء، في العام 1991، مع رئيس الاستخبارات العسكرية في حينه، أوري ساغي، الذي قدر ساغي فيه أمامه بأن الرئيس السوري، حافظ الأسد، معني بالدفع قدماً بعملية سياسية مع إسرائيل. "اعتُبر الأسد العدو اللدود حتى ذلك الوقت". "بعد فترة قصيرة على حرب الخليج التقيت مع ساغي. وقد أبلغني بأنه غيّر رأيه، فالأسد مستعد لعملية سياسية، هذا كان خلافاً لموقف معظم الجهاز. وقد أطلعني على المعلومات، وقال لي: إنه سيذهب للتحدث مع شامير".
مريدور، وزير العدل وأحد الأشخاص المقربين جداً من رئيس الحكومة في حينه، عرف جيداً أن رئيس الحكومة، إسحق شامير، يعارض المفاوضات مع سورية، وأنه لن يوافق على تقديم أي تنازلات سياسية. وقال مريدور: "مع ذلك، كان شامير أيضاً واقعياً بصورة واضحة، ولم يغمض عينيه أمام الحقائق. كان يحترم الأشخاص المهنيين، وقال ساغي له: إنه يجب إجراء مفاوضات مع سورية، والآن. واستناداً إلى هذه القاعدة الاستخبارية للمعلومات فهم شامير أنه إذا كانت سورية مستعدة للمفاوضات فإنه سيكون هناك مؤتمر آخر".
وزير الخارجية الأميركي في حينه، جيمس بيكر، عمل في ذلك الوقت بحزم من أجل تحريك مفاوضات بين إسرائيل والدول العربية. التعاون بين الولايات المتحدة وسورية في الهجوم على العراق، واستعداد إسرائيل لاستيعاب إطلاق النار عليها ساعدت الإدارة الأميركية في الدفع قدماً بالعملية.
في إسرائيل كانوا مترددين بشأن المشاركة في مؤتمر سلام إقليمي، ولم يرغبوا في السماح لوفد فلسطيني بالمشاركة في الحدث كوفد مستقل. وضع المستوى السياسي في إسرائيل فيتو أيضاً على احتمالية استدعاء ممثلي م.ت.ف للمشاركة في المؤتمر كممثلين للفلسطينيين. سكرتير الحكومة في حينه، إلياكيم روبنشتاين، أرسل هو وأفرايم هليفي، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس "الموساد"، لإجراء عدة لقاءات سرية مع الملك حسين في محاولة للعثور على حل للمسألة.
سفر الطاقم الإسرائيلي إلى الأردن قبل اتفاقات السلام اعتبر في حينه حدثاً دراماتيكياً. "الحضور إلى عمّان كان بمثابة تجديد"، تذكر البروفيسور روبنشتاين الذي أصبح فيما بعد نائب رئيسة المحكمة العليا، في محادثة مع "هآرتس". وحسب قوله: "في الواقع كنا، ربما، رواد الزيارات إلى عمّان. أفرايم هليفي وأنا بدأنا برحلات سرية إلى الأردن من أجل الالتقاء مع الملك حسين وشقيقه الأمير حسن. قمنا بذلك عدة مرات في ربيع وصيف 1991. لن أدخل إلى التفاصيل لكننا وصلنا إلى هناك".
"كانت محادثات طويلة"، تذكر روبنشتاين، "كنا نأتي في الصباح ونعود في اليوم التالي. كان ذلك أمراً مثيراً وكما يبدو أيضاً مجدياً". في هذه المحادثات ناقش الطرفان التحضير للمؤتمر. "لم نكن نعرف بعد أن هذا سيكون مؤتمر مدريد. تحدثنا عما يمكن الحديث عنه وحول طبيعة تمثيل الفلسطينيين في المؤتمر". وحسب قوله: "الملك حسين كان شخصاً لطيفاً جداً بالمعنى الشخصي. شقيقه الأمير حسن كان يعرف القليل من العبرية التوراتية من دراسته في أكسفورد". حتى أن الأمير كتب إهداء بالعبرية، "سلام للبعيد والقريب" على كتاب أهداه في حينه للبروفيسور روبنشتاين.
في ختام المحادثات اتفق على أن يجلس الوفد الفلسطيني في القاعة كجزء من الوفد الأردني. أعضاء م.ت.ف لم يسمح لهم بالمشاركة في النقاشات، لكن الممثلين الإسرائيليين عرفوا جيداً أن رؤساء المنظمة يتوقع أن يجروا محادثات هاتفية محتدمة من تونس مع الممثلية الفلسطينية التي ستأتي للنقاشات.
قبل لحظة من عقد المؤتمر حاول نشطاء سلام إزالة ألغام كان يمكنها الإضرار بانعقاد المؤتمر. أحد هذه الألغام هو احتجاج الفلسطينيين على قرار عدم السماح لـ م.ت.ف بتمثيلهم في المؤتمر. "نحن في حركة السلام الآن التقينا مع الزعماء الفلسطينيين في شرق القدس في منزل فيصل الحسيني الذي تمت دعوته للمؤتمر"، استرجعت البروفيسورة غاليا غولان من رؤساء "السلام الآن" في السابق. وحسب قولها "حاولنا إقناعهم بأنه من المهم المشاركة. اقترحنا عليهم أن يجلس ممثلو المنظمة في غرفة مجاورة أو أن يتحدثوا معهم هاتفياً ويوجهوا الأمور. وهذا ما حدث في نهاية المطاف، تحدث الفلسطينيون طوال الوقت مع قيادة م.ت.ف في تونس".
افتتح المؤتمر في 30 تشرين الأول 1991 ومكن إسرائيل من أن تدير بصورة متوازية، لكن أيضاً بصورة منفردة، اتصالات مع كل وفد من الوفود. الخطاب الذي ألقاه رئيس الوفد الفلسطيني، الدكتور حيدر عبد الشافي، في المؤتمر تضمن عدداً غير قليل من الرسائل التي نقلها نشطاء السلام الإسرائيليون في المحادثات الأولية في محاولة لتخفيف المعارضة لأقواله في الطرف الإسرائيلي. حسب أقوال البروفيسورة غولان: "أتذكر أنني سمعت الخطاب وقلت في نفسي في حينه: إنه كان لنا تأثير عليه. كان ذلك خطاباً ساحراً جداً وتصالحياً. رأيت فيه أموراً تعلمونها من خلال محادثاتهم معنا بشأن ما يمكن وما يحظر قوله للإسرائيليين. تحدث عن معاناة الفلسطينيين وعن الاحتلال والمستوطنات. ولكن في المقابل عندما تحدث عن الكارثة لم يفعل ذلك من أجل مقارنتنا بالنازيين، بل من أجل الاعتراف بالمعاناة التي مر بها اليهود. تحدث عن اللاجئين الذين طردوا في 1967 وليس في 1948 وعن دولتين متساويتين، وقد ذكر معسكر السلام الإسرائيلي والتظاهرة التي أجريناها مع الفلسطينيين".
في يوم الثلاثاء المقبل، سيعقد معهد ترومان للدفع قدماً بالسلام لقاء خاصاً لإحياء ذكرى 30 سنة على المؤتمر. البروفيسور روبنشتاين، الذي ترأس في حينه الوفد الإسرائيلي للمحادثات مع الوفد الأردني – الفلسطيني في مدريد، يعتقد أن المؤتمر كان أهم مما ينظر إليه. "لم يتم إعطاء المؤتمر المكانة التي يستحقها في التاريخ"، قال. وحسب قوله كان "المؤتمر الطاولة الأولى التي جلست عليها إسرائيل والأردن والفلسطينيون بصورة علنية. كان هناك الكثير من اللقاءات التي سبقته، في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات والثمانينيات. ولكن في هذه المرة، التي عبرت عنها صورتي وأنا أصافح يد نظيري الأردني ونظيري الفلسطيني، بدأ عهد جديد، سياسي مكشوف، في إطار المفاوضات التي لم يكن مثلها في السابق".
في اختبار النتائج لم يؤد المؤتمر إلى اتفاق بين إسرائيل وسورية. أيضاً الاتصالات مع الأردن والسلطة مرت بصيغ مختلفة طوال بضع سنوات قبل أن تنضج وتصبح اتفاقات. حسب أقوال مريدور، الذي يشغل الآن منصب رئيس اللجنة الإدارية في معهد ترومان، "إذا نظرت إلى المفاوضات مع سورية، فإنها فشلت. لقد جاؤوا وجلسوا ولم يخرج من هذا أي شيء. ولكن أيضاً رابين أدار مفاوضات مع سورية وبعده باراك ونتنياهو. أيضاً هذا فشل. ربما أن الطرفين كانا بعيدين جداً في مواقفهما". حسب قوله مؤتمر مدريد هو حلقة مهمة في "عملية قبول إسرائيل" التي نهايتها، حتى الآن، توجت باتفاقات إبراهيم مع دول الخليج والمغرب. "منذ 1967 فإن علامة الطريق الرئيسية كانت الاختراقة الضخمة لبيغن والسادات. بعد ذلك جاءت اتفاقات أوسلو التي لم أكن أؤيدها. بعد ذلك الاتفاق بين رابين والملك حسين".
البروفيسورة فيرد فنتسكي ساروسي، رئيسة معهد ترومان، تعتقد أن وباء "كورونا" بالتحديد وأموراً بيئية أخرى تقلق دول الشرق الأوسط، تبرر عقد مؤتمر إقليمي مشابه في القريب. "انظروا إلى مؤتمر مدريد. لقد نسي حقاً من الذاكرة الجماعية، لكنه يشكل مثالاً على أن عمليات لم يعتقد أحد أنها ممكنة، قد حدثت. والآن، حيث إن العالم كله يدور حول أزمتين عالميتين وهما المناخ و"كورونا"، فإن مؤتمراً إقليميا هو أمر ضروري يقتضيه الواقع وتحدياته. الفيروس لا يعرف الحدود، والمناخ أيضاً يرفض الاعتراف بالنزاعات التاريخية. اتفاقات إبراهيم مباركة، لكنها ليست البديل لحل نزاعنا، وربما أن دول الخليج أو الرباط في المغرب يمكن أن تكون مدريد القادم. يؤمن المعهد بأن الحكومة الحالية برئاسة بينيت وبدعم أميركي يمكنها ويجب عليها أن تعقد مؤتمر مدريد الجديد".

عن "هآرتس"