هارتس : موسم الشغب والنهب

0A4A0983-323E-4040-98A0-60987A26316C-e1608481804606.jpeg
حجم الخط

هآرتس – بقلم جدعون ليفي

كل الضفة ملونة الآن بالوان الزيت. لا يوجد شارع لا تفرش على جانبه البطانيات ولا توجد عليها السلالم. كل العائلات مشغولة بقطف الزيتون مثلما فعلت ذلك على مر الاجيال. كان يمكن أن يكون هذا ويجب أن يكون، افضل اوقاتها. احتفال موسمي للطبيعة، فلاحة الارض وقطف المحصول، في قسائم الاراضي التي زرعت فيها الاشجار التي غرسها آباءهم. قطف الزيتون ايضا يمكن أن يكون مصدر الدخل الاكثر أمانا لهم، في واقع اقتصادي هش، حيث لا أحد يعرف ماذا سيكون عليه اليوم التالي، وماذا سيقرر الجندي الذي يوجد على الحاجز.

في السنوات الاخيرة تحول هذا الموسم الجميل الى كابوس بالنسبة لهم. فلا يوجد أي يوم بدون هجمات للمستوطنين، ولا يوجد صباح بدون اشجار مقطوعة ومدمرة أو مجردة من الثمار، سنة تلو اخرى. 8 آلاف شجرة تم القضاء عليها في هذه السنة، حسب بيانات الامم المتحدة، بواسطة مئات المستوطنين الذين يشاركون في اعمال الشغب. وحسب بيانات “يوجد حكم” فان 18 هجوم حدث في اسبوعين فقط في الشهر الحالي.

على خلفية الاحصائيات البائسة لا يوجد الكثير من قاطفي الزيتون الذين لم يجربوا ذراع جيرانهم اليهود العنيفة والظالمة. سرقة اكياس الزيتون ممن فلح الارض طوال السنة، الذين لا يوجد لديهم الكثير من مصادر الرزق الاخرى، هذا اذا كانت هناك مصادر. كما أن قطع اغصان الزيتون بالفأس من اجل القضاء عليها واحراق الكروم واقتلاع الاشجار. ارض اسرائيل الجميلة والكاملة. كم يوجد من الكراهية القومية المتطرفة والشر، والى جانبها ايضا كراهية الارض والطبيعة، الارض وثمارها. 

جيف الاغنام في البئر

تمت استضافتنا في هذا الاسبوع في حقول فلاحين عجوزين اللذين لم يكن لهما أي موسم قطف زيتون هاديء منذ سنوات. ولكن في هذه السنة يبدو أن المستوطنين يسرقون ويخربون اكثر من أي وقت مضى. هم يعرفون أنه لن يصيبهم أي ضرر اذا قاموا بالسرقة والاقتلاع والحرق، اليهود والجيش الاسرائيلي، الذي يخاف منهم ويقوم بحمايتهم دائما حتى عندما يشاغبون. 

ابراهيم صلاح كان يقف على سلم في اعلى الشجرة عندما وصلنا الى حقله في قرية فرعتا، التي لا تبعد كثيرا عن اريئيل. جسمه ووجهه مغطيان بالاغصان. هو يقطف حبة تلو الاخرى عن الشجرة ويقوم برميها فوق البطانية المفروشة على الارض. ندى، زوجته، كانت تجلس على الارض، ترمي حبات الزيتون في الهواء وتفصل بين الثمار والبذور والاوراق التي تغطيها. 

ابراهيم وندى ولدا في نفس الليلة قبل 68 سنة. هما تزوجا في جيل 18 ولهما سبعة اولاد، وهما أولاد عم. الآن يقومان بقطف الزيتون معا في الارض التي تعود للعائلة. حبات الزيتون التي تضعها ندى في الاكياس خضراء ويانعة. لقد كانت هذه السنة جيدة لهما.

خلال حياته عمل ابراهيم بلاط في اسرائيل. “الآن يكفي”، قال بالعبرية. هو يعرف كل شجرة في حقله، تحدث عن عمرها وتاريخها. عن شجرة من الاشجار، التي هي ذابلة وقمتها مقطوعة، قال إنه نقلها من مكان آخر والآن بدأت تتعافى. 

الابن باسل، ابن ندى وابراهيم، تم ضربة بشكل قاس على رأسه وكتفه من قبل مستوطنين في موسم قطف الزيتون. وقد تم علاجه في مستشفى مئير وبقيت لديه اعاقة جسدية بسيطة. قبل سنتين ونصف، في آذار 2019، قمنا بزيارة ابراهيم بعد أن القى مستوطنون من مزرعة جلعاد أو بناتها، جيف اغنام في بئر المياه خاصته من اجل تسميم البئر. منظر الجيف التي اخرجها امام ناظرينا من البئر كان صعبا، ورائحتها كانت كريهة. 

منذ العام 2002 لم يكن له موسم قطف واحد آمن وهاديء. ذات مرة جلسوا للأكل في ارضهم عندما احتجت مستوطنة على رائحة اللبنة والسمك التي اكلوها. وقد امرت الجنود بابعادهم. ومرة اخرى جلسوا ليستريحوا ويشربوا القهوة. المستوطنون احتجوا بأنهم لا يعملون. الجيش تدخل وانتهت استراحة القهوة. 

يوجد لابراهيم قرب القرية 35 دونم و18 دونم قرب مزرعة جلعاد. قسائمه الثلاثة تحد مزرعة جلعاد. وهناك عليه أن ينسق مسبقا مع الجيش من اجل قطف الزيتون في ارضه. اختراع عالمي: مسموح للشخص الوصول الى ارضه فقط بضعة ايام في السنة وفقط بتصريح بسبب عنف الجيران. ولكن عندما يصل الى ارضه تسود عيونه. “كل سنة هناك شيء جديد”، قال. 

في هذه السنة اكتشف أنهم سرقوا محصول 50 شجرة عمرها 70 سنة، الى أن نجح في الوصول الى حقله. ايضا “قبل 7 – 8 سنوات قاموا ببناء بيت وخيمة على ارضي. تقدمت بشكوى ضدهم، لكن لم يحدث أي شيء. لقد بقوا هناك. قدمت اكثر من 27 شكوى وكل ذلك لم ينفع. هذه السنة قدمت ثلاث شكاوى. في احدى القسائم لم يبقوا لي أي حبة زيتون، في قسيمة اخرى قاموا بقطع 5 اشجار وفي القسيمة الثالثة سرقوا المحصول. قطعوا ثلاثة اشجار وبدأوا ببناء بيت. اردنا التحدث معهم والقول لهم بأن لا يبنوا. بدأوا يصرخون علينا وطردونا الى أن قام الجيش بحمايتنا”.

حجر في الرأس وحجر في القدم

هذا حدث في الاسبوع الماضي، في يوم الاثنين 11 تشرين الاول. ابراهيم يضرب كفيه ببعضهما. مستوطنة وشابان، يبدو أنهم اولادها، كمنوا لهم في طريق عودتهم الى البيت وبدأوا بضربهم، هو وزوجته، ابناء 68 سنة. الجنود انقذونا في هذه المرة. في اليوم التالي، الثلاثاء، جاء عدد من المتطوعين الاسرائيليين لمساعدتهم وحمايتهم، وفي هذه المرة لم تتم مهاجمتهم. ولكن لا أحد أعاد له محصول الخمسين شجرة الذي سرقه المستوطنون. 

في حادثة اخرى، يوسف حمودة، 64 سنة، كان شاهد على أن الجنود اعادوا ما سرقه المستوطنون، لكن لا أحد تم تقديمه للمحاكمة بالطبع بسبب السرقة. يوسف، احد سكان قرية ياسوف التي تقع على مسافة غير بعيدة عن مفترق تفوح، عرف عدد غير قليل من اعمال الشغب في ارضه. يوجد له ثمانية اولاد و12 حفيد، طوال حياته كان معلم وعمل ايضا في السلطة الفلسطينية كخبير لتحليل الصور الجوية، الآن هو متقاعد ويعيش على زيتونه. اكياس الزيتون في ساحة بيته تنتظر النقل الى المعصرة. وقد جاء للالتقاء معنا وهو يركب على تراكتور صغير. جزء من اراضي عائلته تمت مصادرتها من اجل بناء مستوطنة كفار تفوح.

في يوم الخميس الماضي، 14 تشرين الاول، ذهب هو وشقيقه ابراهيم، 45 سنة، الى ارضهما. ولكن المستوطنين الذين سيطروا على السفح طردوهم بالتهديد ورشق الحجارة مثلما تطرد الكلاب الضالة. هذه الارض توجد قرب شارع 60، على سفح مستوطنة رحاليم في اعلى التلة. هذه ارضهم التي اشتراها جدهم، وفي القسيمة توجد 70 شجرة زيتون المنتشرة في الوادي بين الشارع ومستوطنة رحاليم. في هذا الوادي اقيم في السابق عدد من اكواخ المستوطنين العنيفين الذين اقتحموا ارضهم. المستوطنون حاولوا سرقة السلالم التي احضروها معهم. ولكنهم نجحوا في تخليصها وهربوا الى بيوتهم.

في يوم الجمعة مرة اخرى حاولوا الوصول الى ارضهم، هذه المرة من اعلى من التلال. وعندما اقتربوا من قطعة الارض التقوا مع جمانة عبد الرازق من القرية المجاورة التي كانت هي ايضا تقوم بقطف الزيتون. وقد قالت لهم بأن المستوطنين سرقوها. لقد سرقوا منها الهاتف المحمول وحقيبتها. وايضا الزيتون الذي قطفته هي والعمال الذين استأجرتهم من سلفيت. العمال هربوا. وفي اثناء ابلاغهم عما حدث بدأ رشق الحجارة على ابناء عائلة حمودة الذين جاءوا الى ارضهم. زوجة يوسف، خولة ابنة 55، وابنته حنين ابنة 33 سنة، وابنه صهيب ابن 23، وشقيقه ابراهيم وابنه صلاح ابن 15.

حجر اصاب رأس يوسف وحجر آخر اصاب قدم زوجته وحجر ثالث اصاب صهيب في ظهره. بعض الحجارة اصابت سيارتهم وتسببت باضرار فيها. وكل ذلك حدث قرب الشارع الرئيسي. وقد جاء الى المكان الجنود وامروهم بالمغادرة. جمانة استلقت على الارض وقالت بأنها لن تذهب الى أن تتم اعادة ممتلكاتها لها. الجميع انضموا اليها وقالوا لن نتحرك الى أن تعاد ممتلكاتها. وقد عرفوا جيدا من أين جاء السارق. احتجاج الاكواخ المزروعة على ارضها. في بادرة حسن نية نادرة، الى درجة خيالية تقريبا، احد الجنود ذهب الى كوخ مستوطن واعاد لجمانة الهاتف المحمول والحقيبة والزيتون التي كانت موجودة بالطبع هناك.

في يوم السبت الماضي حاولوا مرة اخرى قطف الزيتون. الجنود قالوا لهم بأنهم لا يستطيعون فعل ذلك الى حين يكون هناك تنسيق. في هذه المرة انضم لقطف الزيتون ابنهم حمزة، 30 سنة، وهو شرطي فلسطيني في اجازة. “اقول لكم الحقيقة، الجنود لم يكونوا سيئين”، قال يوسف. ولكن بعد ذلك جاء جنود حرس الحدود والصورة تغيرت. الزوجان احضرا الفلافل لتضييف الجنود. “اعتقدنا أنهم يحرسوننا”، قال. ولكن جنود حرس الحدود سحقوا الفلافل باقدامهم. “هذا تحول الى ساحة حرب”، تذكر يوسف. لقد ضربوا حمزة الذي حاول القول لهم بأن هذه ارضه، وحاول أن يحتج ويناقش نظرائه الاسرائيليين من رجال الشرطة. هم رموا صهيب على الارض، وتضرر من الشوك. في النهاية قام جندي بلف يده على عنق خولة. فيلم فيديو صوره يوسف يظهر الشجار بين ابناء العائلة والجنود. لقد تصرفوا في هذه المرة بضبط نسبي للنفس، نسبي جدا. 

بعد ذلك ركض الجنود لاعتقال حمزة. ولكن المتطوعين الاسرائيليين الذين كانوا معهم نجحوا في منع سوء المصير. وبعد نصف ساعة تفرقوا وعادوا الى البيت. الآن بقي لهم من أمر الجيش الاسرائيلي فقط يوم واحد لقطف الزيتون، 27 الشهر الحالي. ومن المشكوك فيه أن ينهوا قطف كل اشجار الزيتون خاصتهم.

هم ينوون تجنيد مساعدة في القرية. وحتى الآن نجحوا في قطف نصف محصولهم تقريبا. يوسف لا يتجرأ على الاقتراب من ارضه بدون تنسيق مع الجيش. بعد ذلك ذهبنا الى هناك بدونه ورأينا الوادي الذي فيه اشجار الزيتون والاكواخ الغازية والثمار على الاشجار وبيوت مستوطنة رحاليم فوق التلة التي تطل على ارضه. 

في كرم ندى وابراهيم في فرعتا في غضون ذلك كان الزوجان يجمعان الاغصان ويشعلان النار ويصنعان الشاي. الارض كانت مغطاة بطبقة خضراء من حبات الزيتون. ابراهيم مرة اخرى فوق الشجرة وندى على الارض تجمع الزيتون وتفصله. كم جميل كان يمكن أن يكون هنا.