منذ سنوات طويلة تتعرض المؤسسات الاهلية والجمعيات الخيرية لحملة شرسة تكثفت بشكل واسع النطاق خلال السنوات القليلة الماضية، وتدرجت الحملة التي تشنها دولة الاحتلال، ومؤسسات يجري تمويلها، وتغذيتها بشكل مباشر من وزارات وجهات رسمية اسرائيلية ويتم العمل عبر ما بات يعرف (بالانجو مونيتور) الذي ينشط بشكل كبير في العديد من الدول بشكل خاص امريكا واوروبا، ويهدف لرصد، ومتابعة عمل ومراقبة انشطة المؤسسات والجمعيات ونشر تقارير تستهدف تلفيق الادعاءات الكاذبة حولها، وتشويه عملها وصولا الى الحديث المباشر بوسم عمل بعضها ” بالارهاب” او معاداة السامية او الصاق صفات لها علاقة بدعم حركة المقاطعة ورفع الشرعية عن دولة الاحتلال، ويحاول الانجومونيتور التأثير على صناع القرار، والبرلمانات في اوروبا ودول اخرى من خلال هذه التقارير المفبركة والتي تستند الى حملات ممنهجة، ومغرضة هدفها تجفيف منابع تمويل المؤسسات الاهلية الفلسطينية بتوجيهات رسمية من حكومات الاحتلال المتعاقبة.
وتشن حملة واسعة النطاق في اوروبا والولايات المتحدة تستهدف عمل هذه المؤسسات بحيث ان العديد من الدول باتت نتيجة الضغط الاسرائيلي تعيد النظر فعلاً في اتجاهات التمويل للمؤسسات الفلسطينية حيث تراجع بشكل كبير، ودول اخرى وضعت شروطاً لاستمرار تمويلها حتى ان البعض انصاع لهذه الضغوط وطالبت احداها بتغيير (يافطة) تحمل اسم الشهيدة دلال المغربي في احدى القرى شمال الضفة الغربية بدعوى ان المشروع لا يتفق مع اجندة التمويل، اضافة لسلسلة طويلة من الاشتراطات التي يتم وضعها بما فيها انعكاس ما يعرف باتفاق الاطار مؤخراً بين الانوروا والولايات المتحدة وهو اتفاق يحمل في طياته الكثير من المخاطر على سياسات الوكالة من توظيف، وخدمات، ومشاريع، وامكانية استفادة المخيمات من الدعم الذي تقدمه والذي انشات العام1949 من اجله وهو بطبيعة الحال ليس موضوعنا الاساس في هذا المقال الذي يتناول قرار ما يسمى وزارة جيش الاحتلال بحق 6 مؤسسات اهلية مدنية فلسطينية تعمل بشكل طبيعي، وقانوني استناداً للقانون الفلسطيني رقم (1) للعام 2000 قرار الاحتلال يصنفها تحت بند( الارهاب) لم يكن مفاجئاً على ضوء سلسلة من الاجراءات التي استهدفت هذه المؤسسات وغيرها بما فيها المؤسسات العاملة في مدينة القدس المحتلة ضمن محاولات تضييق الخناق على عملها وخنقها ويجري استهدافها بصورة لا تقل خطورة بهدف وقف وانهاء عملها في القدس تنفيذاً لقرار انهاء الوجود الفلسطيني برمته في المدينة، لم يكن مفاجئاً بالمعنى الذي يؤكد الاهداف المبيتة لدولة الاحتلال عبر اجراءات وخطوات تمثلت باقتحام بعض هذه المؤسسات لجان العمل الزراعي، والصحي، والحركة العالمية للدفاع عن الاطفال، والضمير، والحق ثم اعتقال العديد من النشطاء العاملين في بعضها ثم وضع قرارات باغلاق مقرات بعضها الاخر بعد اقتحامها، والعبث بمحتوياتها، وتخريبها ومصادرة الملفات، والاقراص المدمجة واجهزة الكمبيوتر … الخ يتناغم ذلك مع حمله تحريض واسعة لربط عملها بالارهاب على مستوى المؤسسات الدولية، والممولين والبرلمانات والدوائر المقربة من( اللوبي) المؤيد لدولة الاحتلال في اكثر من دولة بهدف لصق تهمة الارهاب بهذه المؤسسات وربما تكون الخطوة القادمة اكثر خطورة بعد القرار الصادر عبر مكتب وزير جيش الاحتلال غانتس بما يشكل مقدمة لاتخاذ اجراءات اخرى تشمل مؤسسات اخرى ربما، ومن غير المستبعد ان يتم اغلاقها او انهاء عملها بشكل فعلي.
هذه الخطوات ليست وليدة اللحظة وليست بمعزل عما يجري منذ عدة سنوات تجاه هذه المؤسسات، ومن هنا تأتي اهمية العمل على مواجهة ذلك بوحدة موقف رافضة لهذا القرار اولاً كونه يمس العمل الاهلي الفلسطيني الذي له جذوره الراسخة في فلسطين منذ مطلع القرن الماضي، وله تأثيره المباشر على حياة الناس، والقطاعات المختلفة في المجتمع الفلسطيني وهو احد المرتكزات الاساسية للمجتمع المدني، وقد اخذ هذا الدور اتساقا اخر منذ مطلع التسعينات بعد توقيع اتفاقية اوسلو حيث تم تشكيل شبكة المنظمات الاهلية الفلسطينية التي تضم اليوم 143 مؤسسة تعمل في الضفة الغربية، وقطاع غزة، وهي مظلة جامعة تمثل ائتلافاً واسعاً يضم كبريات المؤسسات التي تعمل عبر قطاعات الصحة، التعليم، الزراعة، حقوق الانسان، المرأة، الشباب، والثقافة، والحماية ومن غير المعقول ان نقبل مجرد التخيل ان توقف هذه المؤسسات خدماتها للمناطق المهمشة، والقرى والبلدات في مناطق “ج ” القدس، والاغوار في شتى المجالات، ان هذا القرار يتطلب العمل على عدة مستويات لمواجهته احدى اهم عناصرها يقع على الجانب الرسمي بتوفير الحماية لهذه المؤسسات، لماذا لا يتم عقد اجتماع موسع طارئ يضم تنفيذية منظمة التحرير، الحكومة، الاحزاب السياسية، وممثلين عن المجتمع المدني لتدارس سبل الرد على هذه الهجمة اضافة لتفعيل ادوات الضغط الدبلوماسي والسياسي لشرح الابعاد المترتبة على هذه الخطوة التي هي في اطار حرب شاملة تشن على العمل الاهلي الفلسطيني، وبطبيعة الحال يقع على كاهل المنظمات الاهلية العمل عبر القنوات القانونية، وادوات الضغط والمناصرة الدولية مع الحركات، والمؤسسات الدولية لاوسع حملات تتجند فيها من اجل مواجهة هذه الحملة، وحماية حق المؤسسات الاهلية واستمرارها .
دولة الاحتلال ترى اليوم ان الفرصة سانحة للقيام بكل ما من شأنه محاصرة بل ربما القضاء على كل ما يقف في طريق مخططها، ومن المؤكد ان المؤسسات الاهلية تعمل بشكل جدي وفعلي مع الناس عبر خدمات صحية، زراعية، حقوقية لا تروق للاحتلال وايضا عملها على المستوى الدولي تجاه قضايا حقوق الانسان وهي اي مؤسسات العمل الاهلي لن تتخلى عن هذا الدور الذي هو مبعث فخر واعتزاز يقدره ابناء الشعب الفلسطيني، وعلى المؤسسات الاهلية التي انبثقت من رحم الانتفاضة الاولى ان تعود للجذور، وتعيد الاعتبار للعديد من مكامن الخلل التي اعترت عملها خلال السنوات الماضية، وتأصيل قيم النزاهة والشفافية، وقيم العمل المشترك، والابتعاد عن التنافس السلبي، والفردي لصالح عمل جماعي قاعدته الاساس العودة لمفهوم العمل التطوعي، وتبادل الخبرات لان هذه الحملة لن تفلح في تحقيق اهدافها بكل الاحوال لكن وحدة الموقف وتوحيد الرؤى، والاهداف الداخلية للمجتمع المدني الفلسطيني تمثل دوراً هاماَ بنظرة الجميع وهي اي شبكة المنظمات الاهلية قادرة على ذلك وهي لن تغادر موقعها الذي ينظر اليه المجتمع باحترام .