تصنيف المؤسسات “بالارهاب” حلقة جديدة في استهداف العمل الاهلي

1212.PNG
حجم الخط

بقلم: عصام بكر

 

منذ سنوات طويلة تتعرض المؤسسات الاهلية والجمعيات الخيرية لحملة شرسة تكثفت بشكل واسع النطاق خلال السنوات القليلة ‏الماضية، وتدرجت الحملة التي تشنها دولة الاحتلال، ومؤسسات يجري تمويلها، وتغذيتها بشكل مباشر من وزارات وجهات ‏رسمية اسرائيلية ويتم العمل عبر ما بات يعرف (بالانجو مونيتور) الذي ينشط بشكل كبير في العديد من الدول بشكل خاص ‏امريكا واوروبا، ويهدف لرصد، ومتابعة عمل ومراقبة انشطة المؤسسات والجمعيات ونشر تقارير تستهدف تلفيق الادعاءات ‏الكاذبة حولها، وتشويه عملها وصولا الى الحديث المباشر بوسم عمل بعضها ” بالارهاب” او معاداة السامية او الصاق صفات ‏لها علاقة بدعم حركة المقاطعة ورفع الشرعية عن دولة الاحتلال، ويحاول الانجومونيتور التأثير على صناع القرار، والبرلمانات ‏في اوروبا ودول اخرى من خلال هذه التقارير المفبركة والتي تستند الى حملات ممنهجة، ومغرضة هدفها تجفيف منابع تمويل ‏المؤسسات الاهلية الفلسطينية بتوجيهات رسمية من حكومات الاحتلال المتعاقبة. ‏
وتشن حملة واسعة النطاق في اوروبا والولايات المتحدة تستهدف عمل هذه المؤسسات بحيث ان العديد من الدول باتت نتيجة ‏الضغط الاسرائيلي تعيد النظر فعلاً في اتجاهات التمويل للمؤسسات الفلسطينية حيث تراجع بشكل كبير، ودول اخرى وضعت ‏شروطاً لاستمرار تمويلها حتى ان البعض انصاع لهذه الضغوط وطالبت احداها بتغيير (يافطة) تحمل اسم الشهيدة دلال ‏المغربي في احدى القرى شمال الضفة الغربية بدعوى ان المشروع لا يتفق مع اجندة التمويل، اضافة لسلسلة طويلة من ‏الاشتراطات التي يتم وضعها بما فيها انعكاس ما يعرف باتفاق الاطار مؤخراً بين الانوروا والولايات المتحدة وهو اتفاق يحمل في ‏طياته الكثير من المخاطر على سياسات الوكالة من توظيف، وخدمات، ومشاريع، وامكانية استفادة المخيمات من الدعم الذي ‏تقدمه والذي انشات العام1949 من اجله وهو بطبيعة الحال ليس موضوعنا الاساس في هذا المقال الذي يتناول قرار ما يسمى ‏وزارة جيش الاحتلال بحق 6 مؤسسات اهلية مدنية فلسطينية تعمل بشكل طبيعي، وقانوني استناداً للقانون الفلسطيني رقم (1) ‏للعام 2000 قرار الاحتلال يصنفها تحت بند( الارهاب) لم يكن مفاجئاً على ضوء سلسلة من الاجراءات التي استهدفت هذه ‏المؤسسات وغيرها بما فيها المؤسسات العاملة في مدينة القدس المحتلة ضمن محاولات تضييق الخناق على عملها وخنقها ‏ويجري استهدافها بصورة لا تقل خطورة بهدف وقف وانهاء عملها في القدس تنفيذاً لقرار انهاء الوجود الفلسطيني برمته في ‏المدينة، لم يكن مفاجئاً بالمعنى الذي يؤكد الاهداف المبيتة لدولة الاحتلال عبر اجراءات وخطوات تمثلت باقتحام بعض هذه ‏المؤسسات لجان العمل الزراعي، والصحي، والحركة العالمية للدفاع عن الاطفال، والضمير، والحق ثم اعتقال العديد من النشطاء ‏العاملين في بعضها ثم وضع قرارات باغلاق مقرات بعضها الاخر بعد اقتحامها، والعبث بمحتوياتها، وتخريبها ومصادرة الملفات، ‏والاقراص المدمجة واجهزة الكمبيوتر … الخ يتناغم ذلك مع حمله تحريض واسعة لربط عملها بالارهاب على مستوى المؤسسات ‏الدولية، والممولين والبرلمانات والدوائر المقربة من( اللوبي) المؤيد لدولة الاحتلال في اكثر من دولة بهدف لصق تهمة الارهاب ‏بهذه المؤسسات وربما تكون الخطوة القادمة اكثر خطورة بعد القرار الصادر عبر مكتب وزير جيش الاحتلال غانتس بما يشكل ‏مقدمة لاتخاذ اجراءات اخرى تشمل مؤسسات اخرى ربما، ومن غير المستبعد ان يتم اغلاقها او انهاء عملها بشكل فعلي.‏
هذه الخطوات ليست وليدة اللحظة وليست بمعزل عما يجري منذ عدة سنوات تجاه هذه المؤسسات، ومن هنا تأتي اهمية العمل ‏على مواجهة ذلك بوحدة موقف رافضة لهذا القرار اولاً كونه يمس العمل الاهلي الفلسطيني الذي له جذوره الراسخة في فلسطين ‏منذ مطلع القرن الماضي، وله تأثيره المباشر على حياة الناس، والقطاعات المختلفة في المجتمع الفلسطيني وهو احد المرتكزات ‏الاساسية للمجتمع المدني، وقد اخذ هذا الدور اتساقا اخر منذ مطلع التسعينات بعد توقيع اتفاقية اوسلو حيث تم تشكيل شبكة ‏المنظمات الاهلية الفلسطينية التي تضم اليوم 143 مؤسسة تعمل في الضفة الغربية، وقطاع غزة، وهي مظلة جامعة تمثل ائتلافاً ‏واسعاً يضم كبريات المؤسسات التي تعمل عبر قطاعات الصحة، التعليم، الزراعة، حقوق الانسان، المرأة، الشباب، والثقافة، ‏والحماية ومن غير المعقول ان نقبل مجرد التخيل ان توقف هذه المؤسسات خدماتها للمناطق المهمشة، والقرى والبلدات في ‏مناطق “ج ” القدس، والاغوار في شتى المجالات، ان هذا القرار يتطلب العمل على عدة مستويات لمواجهته احدى اهم عناصرها ‏يقع على الجانب الرسمي بتوفير الحماية لهذه المؤسسات، لماذا لا يتم عقد اجتماع موسع طارئ يضم تنفيذية منظمة التحرير، ‏الحكومة، الاحزاب السياسية، وممثلين عن المجتمع المدني لتدارس سبل الرد على هذه الهجمة اضافة لتفعيل ادوات الضغط ‏الدبلوماسي والسياسي لشرح الابعاد المترتبة على هذه الخطوة التي هي في اطار حرب شاملة تشن على العمل الاهلي الفلسطيني، ‏وبطبيعة الحال يقع على كاهل المنظمات الاهلية العمل عبر القنوات القانونية، وادوات الضغط والمناصرة الدولية مع الحركات، ‏والمؤسسات الدولية لاوسع حملات تتجند فيها من اجل مواجهة هذه الحملة، وحماية حق المؤسسات الاهلية واستمرارها .‏
دولة الاحتلال ترى اليوم ان الفرصة سانحة للقيام بكل ما من شأنه محاصرة بل ربما القضاء على كل ما يقف في طريق ‏مخططها، ومن المؤكد ان المؤسسات الاهلية تعمل بشكل جدي وفعلي مع الناس عبر خدمات صحية، زراعية، حقوقية لا تروق ‏للاحتلال وايضا عملها على المستوى الدولي تجاه قضايا حقوق الانسان وهي اي مؤسسات العمل الاهلي لن تتخلى عن هذا ‏الدور الذي هو مبعث فخر واعتزاز يقدره ابناء الشعب الفلسطيني، وعلى المؤسسات الاهلية التي انبثقت من رحم الانتفاضة ‏الاولى ان تعود للجذور، وتعيد الاعتبار للعديد من مكامن الخلل التي اعترت عملها خلال السنوات الماضية، وتأصيل قيم النزاهة ‏والشفافية، وقيم العمل المشترك، والابتعاد عن التنافس السلبي، والفردي لصالح عمل جماعي قاعدته الاساس العودة لمفهوم العمل ‏التطوعي، وتبادل الخبرات لان هذه الحملة لن تفلح في تحقيق اهدافها بكل الاحوال لكن وحدة الموقف وتوحيد الرؤى، والاهداف ‏الداخلية للمجتمع المدني الفلسطيني تمثل دوراً هاماَ بنظرة الجميع وهي اي شبكة المنظمات الاهلية قادرة على ذلك وهي لن تغادر ‏موقعها الذي ينظر اليه المجتمع باحترام .‏