تجريم الجمعيات الفلسطينية: إسرائيل تعشق العنف

اشرف-العجرمي.jpeg
حجم الخط

بقلم: أشرف العجرمي

إعلان وزارة الأمن (الدفاع) الإسرائيلية برئاسة بيني غانتس عن ست منظمات مجتمع مدني فلسطينية وهي: «الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان»، و»الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال - فلسطين»، و»الحق»، و»اتحاد لجان العمل الزراعي»، و»اتحاد لجان المرأة العربية»، و»مركز بيسان للبحوث والإنماء» بأنها «إرهابية» بحجة أنها «تنتمي وتشكل ذراعاً لقيادة الجبهة الشعبية التي تهدف إلى تدمير إسرائيل من خلال القيام بأعمال إرهابية»، هو إجراء احتلالي عدواني مثله مثل مواصلة سياسة الاستيطان ومصادرة الأراضي وممارسة القمع والاعتداء على الحقوق الفلسطينية، واستمرار الانتهاكات المنهجية لها.
هذا القرار الغريب، الذي يأتي من حكومة مشكلة من ائتلاف عجيب يضم أحزاباً من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار الصهيوني، لا يقل تطرفاً عن أي سياسة انتهجتها حكومات بنيامين نتنياهو السابقة منذ العام 2009 وحتى هذا العام. ومع أن حكومة نتنياهو كانت الأكثر يمينية وعنصرية في تاريخ إسرائيل فهي لم تقدم على مثل هذا القرار. وقد حظي هذا الإعلان بانتقادات قوية ليس فقط من كل الجهات الفلسطينية الرسمية وغير الرسمية والأوروبية والمنظمات الدولية، بل وكذلك من عدد مهم من المنظمات المدنية الإسرائيلية وشخصيات وكتاب ومن أحزاب في الحكومة كحزبي «ميرتس» و«العمل». والانتقادات الإسرائيلية في الواقع هي الأهم تلوها الأوروبية.
تركز النقد الإسرائيلي على عدم تقديم وزارة الحرب أي أدلة مقنعة تبرر هذا القرار وتربط بين المنظمات الفلسطينية وبين المقاومة المسلحة أوما تسميه إسرائيل «الإرهاب»، ويرى الكثيرون أن العبارات الغامضة التي استخدمها بيان الوزارة لا تحمل أي بينة منطقية يمكن من خلالها إدانة المنظمات وتجريمها، وأن الخطورة تكمن ليس فقط في حظر هذه الجمعيات الأهلية بل وفي إمكانية اعتقال كل من يعمل بها أو على صلة بها من قريب أو بعيد. وهناك من يعتقد أن غانتس قد فقد صوابه وأنه يجري خلف اليمين المتطرف الذي ينتمي إلى المعسكر الديني - الصهيوني، ربما لأنه يريد أن يستبدل نتنياهو في زعامة اليمين. وهناك من اتهم القرار بأنه بائس ومتسرع ولا يوجد فيه أي منطق.
يبدو أن قرارات المستوى السياسي في إسرائيل مرتبطة بالأساس بنفوذ المجموعات والعصابات اليمينية المتطرفة. فعلى سبيل المثال، يقوم الجيش الإسرائيلي بحماية المستوطنين الذين يعتدون على المواطنين الفلسطينيين في القرى والبلدات المتاخمة للمستوطنات التي أقيمت أصلاً على أراضي هذه التجمعات، ولعل موسم قطاف الزيتون هو من أهم الأدلة على تواطؤ الجيش مع المستوطنين الذين يقصون أشجار الزيتون ويمنعون المواطنين من قطف زيتونهم، بل ويسرقون الزيتون والمعدات الزراعية. وما قامت به وزارة الجيش الإسرائيلي هو استمرار لعمل المنظمة اليمينية المتطرفة (أن جي أو مونيتور) «NGO MONITOR» التي تهتم بملاحقة كل من ينتقد إسرائيل وتهاجمه وتركز أساساً على منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية الحقوقية بما فيها منظمات الأمم المتحدة وتقدم تقارير للدول الغربية بما فيها الأوروبية والولايات المتحدة، كما يشمل كذلك أعضاء البرلمانات. وقد ساهمت تقاريرها في تشويش موقف شخصيات غربية عديدة في ظل غياب النشاط الفلسطيني الفاعل المضاد. ونشاط هذه المنظمة المتطرفة لا يلاحق فقط المنظمات الفلسطينية والدولية بل يركز كذلك وبصورة خاصة على المنظمات الحقوقية الإسرائيلية كمنظمة «بيتسيلم» و»كاسرو الصمت» وكل المنظمات التي تعنى بحقوق الإنسان ترفض انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي. وهذه المنظمات الإسرائيلية متهمة بالخيانة ومساعدة «العدو» وأنها تساهم في الحملة «لمعاداة السامية» التي تنتشر ضد إسرائيل. أي أن أي انتقاد لإسرائيل من وجهة نظرها هو معاداة للسامية وهو يدعم حملة المقاطعة التي تقودها «بي. دي. إس».
الانتقادات الواسعة لقرار إسرائيل وضع منظمات مجتمع مدني فلسطينية على قائمة الإرهاب أربكت الحكومة الإسرائيلية التي وجدت نفسها في وضع هي مطالبة فيه بتقديم مبررات وأدلة قوية ومقنعة لتسويغ هذا الإعلان المتطرف. وإذا كانت وزارة الحرب الإسرائيلية تستطيع إسكات المؤسسات الإسرائيلية بما فيها المحاكم بادعاء وجود ملفات أمنية سرية كما يحصل في حالة اعتقال الفلسطينيين إدارياً فهي لن تقنع العالم بملفاتها هذه، وقد يترتب عليها أن تواجه خطوات مناقضة لسياستها خاصة من قبل أوروبا. وحتى الولايات المتحدة التي تعمل عملياً حسب الأجندة والتصنيفات الإسرائيلية وجدت نفسها في حرج أمام القرار الإسرائيلي المتسرع ونفى الناطق باسم وزارة الخارجية أن تكون الحكومة الإسرائيلية قد قدمت أي بيانات مسبقة للإدارة الأميركية على عكس ما أدعت إسرائيل.
في الواقع، هناك مصلحة فلسطينية لتكثيف التعاون مع المنظمات الحقوقية الدولية من أجل حملة كونية واسعة ضد الممارسات الإسرائيلية العدوانية والاعتداء على حق الشعب الفلسطيني في مقاومة إجراءات الاحتلال وعدوانه وانتهاكاته. وهناك أهمية خاصة للتعاون مع المنظمات الحقوقية الإسرائيلية التي تعنى بحقوق الإنسان الفلسطيني فهي أقدر على فضح إسرائيل وتعرية أكاذيبها وقمعها. ومن المفروض أن تشمل الحملة تأكيدا على أن إسرائيل ترفض النضال الفلسطيني السلمي وتساوي بينه وبين النضال العنيف لأنها تعشق العنف الذي تمارسه والإرهاب اليومي وتدفع الفلسطينيين إليه دفعاً.