تصريحات أمريكية خاوية مضللة

المحامي شعبان.PNG
حجم الخط

بقلم:المحامي إبراهيم شعبان

 

أدلى وزير الخارجية الأمريكي اليهودي بلينكين والمسؤولين الأمريكيين بتصريحات أدانت ‏فيه مشروعات الحكومة الإسرائيلية الجديدة ببناء أكثر من ثلاثة آلاف وثلاث مائة شقة سكنية ‏في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة باعتبارها ” عقبة في وجه السلام “، واسفت وانتقدت ‏قرار وزير الأمن الإسرائيلي بيني جانتس إغلاق ست منظمات غير حكومية فلسطينية في ‏الضفة الغربية المحتلة تهتم وتوثق قضايا حقوق الإنسان وانتهاكاتها من قبل القوات الإسرائيلية ‏العسكرية المحتلة. ‏
ربما كانت هذه التصريحات الأمريكية التي وصفها البعض بأنها ذات نبرة شديدة، سببا مضللا ‏لحبور وسعادة البعض، بل تفاءل هذا البعض معللا النفس بأن هذه التصريحات مقدمة لأزمة ‏دبلوماسية بين الحكومتين وستكون مستفحلة ، وبنوا الآمال بأن بايدن هو غير ترامب وسيتعامل ‏مع إسرائيل بطريقة أخرى وأنه لا بد سيسعى لحل الدولتين الذي أعلن عنه وعن قبوله إياه هو ‏ووزير خارجيته. ولربما كرر البعض توجهات بايدن الإنتخابية بإعادة فتح القنصلية الأمريكية ‏في القدس والتي ما زالت تنتظر تحقيق العهد الإنتخابي البايدني ليومنا هذا، وتقديم دعم مالي ‏لوكالة الغوث بشروط أمريكية، وتدخل من البنك الدولي المحكوم أمريكيا وتقديم دعم أمريكي ‏محدود للموازنة الفلسطينية .‏
وما لبث أن جاء الرد سريعا من الكونجرس الأمريكي ومن الإدارة الأمريكية وهما السلطتان ‏التشريعية والتنفيذية الأمريكيتين الراسمتان للسياسة الأمريكية. فالكونجرس لم يبخل على ‏ربيبته بمليار دولار لإنتاج مظلة الصواريخ التي نقصت أو تناقصت. والإدارة الأمريكية ‏اتخذت قرارا وافقت فيه على أن يدخل الإسرائيليون للولايات المتحدة الأمريكية بدون تأشيرة ‏دخول بعد استنفاد اتخاذ الإجراءات الأمريكية الداخلية. وكأننا في مسابقة جوائز أمريكية ‏للأنشطة الإسرائيلية التي ما انفكوا ينتقدونها وبذا يتضح المعيار المزدوج وعقم الألفاظ ‏والتصريحات الأمريكية التي تشنف الآذان وتزكم الأنوف.‏
وحتى لا نلقي التهم جزافا، دعونا نستذكر قرار مجلس الأمن رقم 2334 لعام 2016 الذي ‏صدر في نهاية فترة ولاية الرئيس باراك اوباما وامتنع عن معارضته، وهو الذي سعى وفشل ‏في تقديم خارطة طريق ليتم تبنيها. لقد تم تبني القرار المذكوربموافقة أربع عشرة دولة ولم تلجأ ‏الولايات المتحدة لاستعمال حق النقض الفيتو لنقضه، وهو ينص على عدم شرعية النشاط ‏الإستيطاني الإسرائيلي والمطالبة بوقفه على الفور في الضفة الغربية المحتلة وفي القدس ‏الشرقية ووضع نهاية لنباء المستوطنات لأنها تشكل خرقا لقواعد القانون الدولي الإنساني. ‏وقطعا لم يكن هذا القرار الأول الذي يدين الإستيطان ويطالب بحظره، لكنه جاء بعد فترة جمود ‏سياسي أمريكي رغم الجفاء بين نتنياهو وأوباما. ودعونا نستذكر أن أوباما لم يترك منصبه، إلا ‏بعد أن قدم للكونجرس الأمريكي قانونا يقضي بتقديم مساعدات أمريكية للإسرائيليين بقيمة ‏أربعين مليار دولار على امتداد عشر سنين قادمة. أوباما الذي عانى من سياسة بنيامين نتنياهو ‏وكابد مشقات كثيرة ابى واستكبر أن يترك كرسي الرئاسة إلا بعد أن يقدم صنيعا ماليا ضخما ‏للحكومة الإسرائيلية المحتلة الغنية، وجيشها المتهم بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد ‏الإنسانية، بل جرائم إبادة، ضد الشعب الفلسطيني المحتل.‏
ما يجب قوله أن هذه التصريحات الأمريكية موسمية تثير المشاعر وقد سمعنا مثلها مئات ‏المرات في التاريخ الحديث الذي يمتد من أيام ترومان وصولا لبايدن مرورا بنيكسون وبوش ‏الأب والإبن وكنيدي وفورد، وهي تصريحات مضللة خاوية من أي مضمون حقيقي فعلي ‏تنفيذي آمر، سواء اصدرها وقال بها جمهوري أو ديموقراطي، وهي فقاعات سرعان ما تخبو ‏وتعود المياه لمجاريها، وتبقى إسرائيل الحليف الذي لا يمكن التخلي عنه ولا منعه من ‏الإستيطان بل لا يمكن منعه من خرق حقوق الإنسان الفلسطيني الواقع تحت الإحتلال، ولا ‏يستطيع طلب إلغاء قرار وزير الحرب والأمن الإسرائيليين بإلغاء قراره بوسم ست منظمات ‏أهلية مدافعة عن حقوق الإنسان الفلسطيني .‏
ربما نكون مخطئين أو متحاملين على السياسة الأمريكية والسياسيين الأمريكيين. لنتحقق من ‏هذا الأمر وننسى أفغانستان وكوريا وفنزويلا والعراق وفيتنام ونلتصق بفلسطين والسياسة ‏الأمريكية تجاه الشعب الفلسطيني. لنطالب أمريكا تحت الإدارة الأمريكية الجديدة العاجزة ‏بأمرين وهما كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما يود القيام بهما وكان بايدن نائبه لمدة ثماني ‏سنوات وشريكه في هذين الأمرين الهامين، حتى نتحقق من صدقية كلام ومدى جدية ‏تصريحات الرئيس الأمريكي وطاقم مساعديه ووزرائه.‏
الأمر الأول ليقم الرئيس الأمريكي جو بايدن إن كان جادا هو وإدارته وليس كالإدارات السابقة ‏بإجراء عملي بتبني قرار مجلس الأمن 2334 الصادر في 23 / كانون أول / ديسمبر / ‏‏2016الذي لم تعارضه الولايات المتحدة الأمريكية، عطفا على القرارين رقم 252 لعام ‏‏1967، والقرار رقم 267 الصادر عن مجلس الأمن لعام 1969القاضيين بعدم جواز ‏الإستيلاء الإسرائيلي على الأراضي بالقوة المسلحة ونتيجة للغزو العسكري وان جميع ‏الإجراءات التشريعية والإدارية التي اتخذتها إسرائيل في القدس باطلة.‏
الأمر الثاني الذي نطالب به الإدارة الأمريكية الجديدة وهي في مستهل نشاطها بأن تودع في ‏هيئة الأمم أو أية وسيلة أخرى خارطة طريق لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي مفصلة ‏ومسقوفة بسقف زمني لتحقيق حل سياسي وفق رؤياهم بتحقيق حل الدولتين ونفي دولة ‏الأبارتهايد القائمة في الأراضي المحتلة.‏
أمران جدّ بسيطان لكنهما يدللان على جدية الطرح الأمريكي الساعي لحل سياسي قائم على ‏قواعد القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، فإن لم يتما ولم تسع الإدارة الأمريكية لوضعهما ‏موضع التنفيذ، فيجب أن نعلم علم اليقين أن الإدارة الأمريكية تدير الصراع ولا تسعى لحل ‏النزاع كسابقاتها من الإدارات الأمريكية المتعاقبة. وحينها تكون تصريحاتها النارية والمحبطة ‏سيان، وهي لامتصاص أي غضب أو ردة فعل، وهي خاوية من اي مضمون، بل ومضللة، ‏حتى تفقدك ايها الفلسطيني صوابك وقرارك السليم ، وهي تراهن على أن الذاكرة محدودة ‏وتسارع للنسيان، وها نحن نذّكر فهل من ذاكر، فلا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين بل ليس ‏له عذر، بل لا يوقع الثعلب في الشرك ذاته مرتين!!! ‏