حول أهمية مشاركة الشباب في الانتخابات المحلية والتغيير

د.عقل أبو قرع.jpg
حجم الخط

بقلم: عقل أبو قرع

لا توجد فئة في المجتمع تسعى إلى التغيير أكثر من فئة الشباب، سواء من النساء والرجال، أو من الإناث والذكور، وهذا الواقع شهدناه خلال الفترات الماضية القريبة والبعيدة، سواء في مناطق من حولنا أو في أخرى بعيدة عنا، والتغيير الذي يتوق إليه الشباب يصب في المحصلة في تحقيق المطالب والاحتياجات والتطلعات التي يطمحون لها، وهذا يعني المشاركة بل قيادة التغيير في المسارات المختلفة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية وما إلى ذلك. ولكي يحدث التغيير ومن ثم يتواصل ويدوم، من الواجب على الفئة التي تطمح إليه وهي فئة الشباب، أن تشارك في الفرص المتاحة لذلك، والفرصة القادمة في بلادنا هي الانتخابات المحلية.
ومن المعروف أن المجتمع الفلسطيني بكافة تجمعاته هو مجتمع فتي وشاب، يزخر بالنساء والرجال، وهذه الفئة الضخمة من فئات المجتمع العمرية من المفترض أن يحسب لها كل الأهمية، سواء في مجالات التخطيط أو التنمية أو طبيعة التغيير أو الجوانب الصحية والاجتماعية أو في موضوع اختيار الممثلين، أي في الانتخابات وبصرف النظر عن نوعها، وبما أننا سائرون نحو انتخابات محلية خلال عدة أسابيع من الآن، فمن المفترض أن تحتل هذه الفئة الشابة الضخمة الأهمية والحيز المطلوبين، سواء من حيث الترشح أو طبيعة البرامج الانتخابية، وبالأخص تلك البرامج التي تركز على مبدأ التغيير، سواء أكان تغييراً اجتماعياً أو تربوياً أو اقتصادياً أو سياسياً.
وتبرز أهمية الانتخابات المحلية القادمة للشباب وأهمية الشباب للانتخابات القادمة، لأن هذه الانتخابات تأتي بعد سنوات طويلة لم يمارس فيه الشباب الحق الديمقراطي، وبما أن السن المحدد للاقتراع في بلادنا هو الـ 18 عاماً، فإن فئة كبيرة قد تصل إلى حوالى 20% من مجموع الناخبين سوف تنتخب لأول مرة، ودون شك أن هذه الفئة لها مفاهيم وتطلعات وخطط وتفكير وتوقعات وأفكار تختلف عن فئات عمرية أخرى، مارست حق الانتخاب في الماضي، وعاشت ضمن بيئات وتطلعات مختلفة.
وبالإضافة إلى من سوف يشارك لأول مرة في الانتخابات من هذه الفئة العمرية الشابة، فإن الإحصاءات تشير إلى أن فئة الشباب بين الـ 18 والـ 30 عاماً تشكل حوالى الـ 40% من مجموع الناخبين، وإذ ازداد العمر لكي يصل إلى الـ 40 عاماً، فقد تصل هذه الفئة الناخبة إلى أكثر من 50% من مجموع الناخبين، وهذه مجموعة ضخمة من المفترض أن يحسب لها المرشحون باختلاف أنواعهم، أو الأحزاب السياسية المختلفة من اليمين أو من اليسار كل الاحترام والحساب، لأن هناك قواسم مشتركة وتطلعات لا تختلف كثيراً لفئات الشباب من النساء والرجال، وبصرف النظر عن طبيعة الانتماء أو التأييد لهذه الكتلة أو لهذا المرشح أو ذاك.
ورغم أن الانتخابات المحلية سوف تجري بعد حوالى الشهر ونصف الشهر في مرحلتها الأولى، وفي مناطق صغيرة أو تحوي كثافة سكانية قليلة، أو في مناطق ريفية، إلا أن التغيير يبدأ بشيء بسيط أو قليل أو بخطوة، ويبدأ بتغيير في نطاق ضيق، في البيئة وفي التفكير وفي القيادة أو الإدارة، ومن ثم تغيير في موازين القوى في البعدين الاجتماعي والاقتصادي، أي في تحسين الأحوال والوصول إلى الإمكانيات والمصادر والفرص والتمكين، وهذا ما يمكن وبوضوح أن توفره المشاركة في الانتخابات المحلية رغم كل الإشكالات التي تدور فيها، خاصة المشاركة في الترشح وبفعالية وفي مواقع تؤهل إلى البدء في التغيير، وبالأخص لفئة الشباب من الإناث والذكور ولفئة النساء بشكل محدد، تلك الفئة التي نادت وما زالت تنادي بالمساواة والعدالة والحصول على حقوق منقوصة، من منظور النوع الاجتماعي.
وبما أن الانتخابات المحلية سوف تجري في الغالب في مناطق قروية ريفية متناثرة، فإنها تشكل الفرصة الأهم خلال سنوات عديدة ماضية، للمرأة الريفية، التي أضحت تعمل وتدير وتقود، وعلى صعيد العديد من القرى أو البلدات التي نعرف أو لا نعرف، أصبحت نسبة الشابات المتعلمات تفوق بكثير تلك النسبة من الشباب الذكور، وحتى تصل إلى نسبة الثلثين إلى الثلث، وهذا ورغم البطء، بدأ ينعكس على فرص العمل والمشاريع والأعمال، وليس ذلك فقط، ولكنه ينعكس وربما ببطء وبحذر على دعم وتشجيع العائلة بمفهومها الضيق والأوسع، وبل وبافتخار بعمل النساء وبإدارتهن وبأعمالهن، وهذا من المفترض أن يتم اقتناصه في الفرصة القادمة المتاحة في الانتخابات المحلية القادمة.
وبالإضافة إلى القوة الانتخابية الضخمة، وبالتالي التأثير على من سوف يفوز في الانتخابات القادمة، وإذا علمنا أن سن الترشح للانتخابات المحلية في بلادنا هو الـ 25 عاماً، فمن المفترض أن يكون هناك عدد ملموس من فئة الشباب على القوائم الانتخابية المختلفة، لأنه إذا كانت الكتل المختلفة تنادي بالتغيير، وإذا كانت فئة الشباب أو الفئة العمرية بين سنَي الـ 18 والـ 40 عاماً هي التي تبحث عن التغيير أكثر من الفئات الأخرى، فمن الأجدى أو الأكثر واقعية أن تقود فئة الشباب ذلك.
ورغم محدوديتها ونطاقها الضيق، وطبيعة المواضيع المحلية والخدماتية التي سوف تقوم عليها حملات الدعاية أو الترشح لهذه الانتخابات، ورغم تسابق الأحزاب بأنواعها لتوفير الدعم والتبني للمرشحات والمرشحين، إلا أن الكفاءات والخبرات المهنية هي الأهم، ليس فقط في نجاح الوصول إلى عضوية أو إلى قيادة المجلس المحلي أو البلدي، بل في الفعالية في تنفيذ الوعود وإحداث التغيير، وفي التأثير على مسار عمل هذه المجالس، وبالتالي في تحقيق الإنجازات التي يتم البناء عليها في الفترات القادمة.
ورغم أن مفهوم التزكية هو الشائع في هذا النوع من الانتخابات المحلية، وبالأخص في مجالس صغيرة، إلا أنه من واجب الجهات المختلفة، سواء الأطر أو التجمعات الداخلية في هذه المناطق بصرف النظر عن نوعها، أو الأحزاب والحركات والأطر الوطنية السياسية والحزبية، أن تشجع المنافسة بين الكتل أو عملياً بين الكتل من المرشحات والمرشحين.
وأن تعمل الجهات المختلفة على توطيد العملية الديمقراطية وبالأخص في المشاركة في الانتخابات وفي ممارسة الدعاية والعملية الانتخابية، كما تعودنا عليها وعايشناها خلال فترة الدراسة أو حين كنا طلاباً في الجامعات الفلسطينية، التي مارست وما زالت تمارس الديمقراطية بروعتها، وتشجيع العملية الديمقراطية في هذه الانتخابات يكتسب الأهمية، لأنها أول انتخابات تتم بعد فترة طويلة، ولأنها المدخل أو المؤشر أو المحفز للانتخابات القادمة التي ينتظرها الجميع، أي الانتخابات التشريعية والرئاسية.