يديعوت : الإعلان الإسرائيلي عن منظمات حقوق الإنسان أنها "إرهابية".. سلوك أخرق

ناحوم-برنياع.jpeg
حجم الخط

بقلم: ناحوم برنياع

 

 




تتفكّك الحكومات بشكل عام من الأطراف: اليمين يشد يميناً؛ اليسار يشد يساراً؛ الوسط يتفتت. في العالم يكثرون في السنوات الأخيرة من الاقتباس في هذا الشأن من بيت من قصيدة الشاعر الإيرلندي وليم باتلر يتس: "الأمور تتفكك، الوسط لا يصمت". هذا ما يحصل اليوم لإدارة الرئيس بايدن – في واقع الأمر، هذا يحصل للساحة السياسية الأميركية كلها: الأطراف تتطرف، الوسط يضيع.
تتصدى حكومة بينيت في هذه الأيام لتحد معاكس: بيني غانتس، الذي يبدو ظاهراً أنه الرجل الأكثر وسطية في الائتلاف، ينجح في أن يبعث على الجنون اليسار واليمين على حد سواء في هذا الائتلاف. والمقصود هنا قراران لغانتس اتخذهما كوزير للدفاع بصفته صاحب السيادة فيهما: القرار بإدخال ست منظمات فلسطينية مدنية في قائمة منظمات "الإرهاب" والقرار ببناء 3224 وحدة سكن في المستوطنات. في مكتب غانتس لم يفهموا معنى الحدث، لا مع الولايات المتحدة ولا مع أوروبا ولا مع أحزاب اليسار في الحكومة. أكثر مما في هذه القصة من أغراض ثمة فيها سلوك أخرق. فيل في حانوت فخار، يقول أحد المستشارين عن غانتس.
العكس هو الصحيح، كان بود غانتس أن يجيب، العكس هو الصحيح. أنا فخار في حانوت فيلة.
عندما بدأ الأعضاء في حكومة مناحيم بيغن الأولى يقولون علناً ما يفكرون به، الواحد عن الآخر، وما يفكرون به عنه – وصف بيغن الظاهرة بـ"إفسادات". إفسادات هي كلمة يعرف كل سباك كيف يصلحها. ولكن الإفسادات جعلت حكومته نكتة. وكانت النتيجة هبوطاً في الاستطلاعات. وكان يمكن لبيغن أن يصحو وأن يعود إلى جمهوره وينتخب من جديد، أما بينيت فليس له مثل هذه الاحتياطات. فهو يسعى لأن يقود وزراء حكومته، ولكن الوزراء لا يريدون زعيماً بل مربية صف أطفال.
مساء الأربعاء الماضي، جلس في مكتبه في الكنيست واستقبل المفسدين من "يمينا" لحديث تهدئة. أبير كارا، جندي في جيش الأعمال الصغيرة ، تهجم في الشبكة على شيرلي بينتو، التي طالبت بمسلك للمعاقين. فردت عليه بالتهجم. "أعتقد أن من الصحيح أن تكون لنا كتلة من الناس الذين تشتعل فيهم المبادئ"، جاء في بيان نشره بينيت بعد ذلك. فهل هو حقاً يعتقد أن ما يشتعل فيهم صحيح له؟ أشك في ذلك.

أخطاء بشرية
الإعلان عن المنظمات الفلسطينية الستة كمنظمات "إرهاب" أحدث هزة حقيقية في الشبكة الدولية التي تحمل علم حقوق الإنسان. يدور الحديث عن حركة صغيرة نسبياً ولكنها عظيمة النفوذ، تتحدث بسلم قيم واحد، بإخوة ملاحقة واحدة وبعلاقات صداقة عديدة السنين، ترتبط بمنظمات دولية، بحكومات، بوسائل إعلام، تتجاوز الشعوب والحدود. واحدة من المنظمات الست على الأقل، "الحق"، تعد التوأم الفلسطيني للجمعية الإسرائيلية لحقوق المواطن. صديق أميركي أقلقه القرار جداً كتب لي وعاد يكتب، "يجمل بكم أن تأتوا بأدلة، وبسرعة، الضرر رهيب". "أدلة"، أجبته، "ليست هي المسألة. في الأرض الفلسطينية، أينما ألقيت حجراً ستجد دليلاً. المسألة هي إذا كانت هذه الخطوات مفهومة".
قبل سنتين وشهرين قتلت رينا شنراف، ابنة 17، بعبوة ناسفة زرعت قرب نبع بوبين، قرب مستوطنة دوليب. أخوها دبير، أصيب بجراح خطيرة. فتح "الشاباك" تحقيقاً أدى إلى المنفذين، رجال "الجبهة الشعبية". وحسب "الشاباك"، بعضهم كانوا في وظائف في منظمات مدنية: سامر العربيد كان هو الشخص الذي ضغط على زر العبوة. كان مدير حسابات في منظمة اللجان الزراعية. عبد الرازق فريج خطط للعملية. وكان يعمل في المنظمة ذاتها؛ وشعوان جبارين، من كبار النشطاء في "الجبهة الشعبية"، يتولى رئاسة منظمة "الحق"؛ اعتراف الريماوي، الذي كان مشاركاً في إعداد الشبكة للعملية. كان مسجلاً كموظف في بيان – معهد بحوث، هو واحد من الستة. كل المنظمات تمول من المساعدة التي تتلقاها من حكومات وجمعيات في أوروبا. بزعم "الشاباك"، لم يكن فصل. المال الذي أعطي للكفاح في سبيل حقوق الإنسان مول رواتب وشبكات "إرهاب". وللأوروبيين رفعت فواتير زائدة.
لم يدن أحد في المحكمة: ستبدأ المحاكمة في الأشهر القادمة. في هذه الأثناء، البيروقراطية فعلت فعلها: "الشاباك" نقل المواد التي جمعها إلى وزارة العدل، وإلى وزارة الدفاع، وإلى وزارة الخارجية، وأرفقها بتوصية للإعلان عنها كمنظمات "إرهابية". معالجة هذه المواضيع في وزارة الدفاع هي لسبب ما من مهمة هيئة القتال الاقتصادي. بلورت الهيئة مشروع قرار. وزارة العدل أقرته. وزارة الخارجية أطلقت بعض السفراء في الدول المانحة. وزير الدفاع وقع. كل واحد أدى واجبه، على سبيل الروتين: لم يفكر أحد مرتين.
نشر النبأ قبل أسبوع على الأقل من الموعد. لماذا؟ ارتكب موظف خطأ. قفزت منظمات حقوق الإنسان في العالم إلى السماء. لم يكن هناك من يأبه بهم . طالبت المنظمات في البلاد بالحساب من أحزاب اليسار. تبين أن أحداً لم يتكبد عناء اطلاع هيئة الأمن القومي في ديوان رئيس الوزراء أو رئيس الوزراء نفسه. في مكتب وزير الدفاع لم يفهموا علامَ الجلبة: يعملون هناك على الإعلان منذ أيار. هذا موضوع اعتيادي، ليس موضوعاً لرئيس الوزراء.
أحد الأصوات البارزة في منظمات الحقوق في إسرائيل ادعى على مسمعي أنه لا يدور الحديث عن القتال ضد "الإرهاب" بل عن القتال الاقتصادي: كل الفكرة هي التجفيف المالي لمنظمات فلسطينية تدعم الـ BDS. في "الشاباك" ينفون نفياً باتاً: رئيس "الشاباك" الجديد، رونين بار، التقى، هذا الأسبوع، مع رئيس "ميرتس"، نيتسان هوروفيتش، ورئيسة "العمل"، ميراف ميخائيلي. عرض عليهما مواد تحقيق. لو كانت عرضت عليهما المواد قبل نشوب العاصفة السياسية لكان أسهل عليهما أن يقتنعا.
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هي منظمة "إرهابية" صغيرة مستقبلها خلفها. من الواضح أنه ينبغي معالجتها. في كل ما يتعلق بمنظمات حقوق الإنسان، اللعبة هي بين الكلفة والمنفعة: ما هو الثمن السياسي والإعلامي، وهل لا توجد سبل أخرى؟ توجد سبل، لكن يخيل أن أحداً لم يتكبد عناء التفكير فيها. لسنا ملزمين بتفجير برج الإعلام في غزة: يمكن تحييده. حكم مشابه ينطبق على المنظمات.
وبالنسبة لـ "الإرهاب"، يفضل ألا ندمن على الكلمة. عندما يكون كل شيء هو "إرهاب" – إرهاب جنائي وإرهاب اقتصادي وإرهاب بالونات وإرهاب في "التك توك" – فإن الرعب يجتاز رخصاً. أمسكت كثيراً، لم تمسك بشيء.

عن "يديعوت"