معاريف : هجمات السايبر الاخيرة تهين ايران

حجم الخط

معاريف – بقلم الون بن دافيد

كان لطيفا بل وحتى منعشا أن نرى هذا الاسبوع الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي يلغي جدول أعماله ويهرع لتهدئة الزبائن الغاضبين في محطات الوقود التي تعطلت في كل ارجاء الدولة. وأثنى بعض من وسائل الاعلام في اسرائيل على من يقف خلف هجمة السايبر على العداد الذي يذكر رقم هاتف الزعيم الاعلى علي خامينئي في محطات الوقود. ولكن ما الذي حققته حقا هجمة السايبر هذه؟ 

عرضت النظام الايراني في ضوء محرج، بل وحتى مهين، كمن يقف عديم الوسيلة امام هجمات عدو متطور، وليس لاول مرة. فقبل بضعة اشهر شلت هجمة سايبر حركة القطارات في ايران. في حينه ايضا ابتهج المهاجمون ونشروا رقم هاتف خامينئي على اليافطات في محطات القطار. قبل اشهر من ذلك شوشت هجمة سايبر على مدى بضعة ايام عمل الميناء المركزي لايران في بندر عباس. 

لقد تسببت هذه الهجمات بانزعاج كبير للنظام الايراني بل وبضرر اقتصادي  ايضا. وهي لم تحرك احتجاجا واسعا او اضطرابا مدنيا، كما أنها لم تؤثر على قرارات القيادة الايرانية ولم ترجح كفة الميزان بين اسرائيل وبين الجمهورية الاسلامية. لكنها منحتنا شعورا بالدفء وقشعريرة في الظهر. 

في اطار ما يسمى المعركة ما بين الحروب تعزو منشورات اجنبية لاسرائيل سلسلة لا تتوقف من الاعمال ضد مصالح ايرانية. وتنفذ هذه الاعمال في كل ساحة وفي  كل  مدى تقريبا: الجوي، البحري، السري والسايبري. فمنذ بداية الشهر فقط بلغ عن أربع هجمات نفذها الجيش الاسرائيلي في الاراضي السورية ضد اهداف مختلفة بما في ذلك الاحباط المركز لسجين درزي محرر، عضو سابق في برلمان الرئيس السوري بشار الاسد.

تحرص اسرائيل على ابقاء الغموض في عمليات المعركة ما بين الحروب، ولكنها اعلنت منذ الان بانها تستهدف ثلاث غايات اساسية: تشويش التموضع الايراني في سوريا، احباط نقل السلاح المتطور الى حزب الله واحباط اقامة شبكات ارهاب على حدود هضبة الجولان. الغاية الاخيرة تتحقق بنجاح كبير حزب الله وايران يجدان صعوبة في اقامة شبكات ناجعة ضد اسرائيل في الجولان. ونقل السلاح الى حزب الله يحبط في قسم منه، والتموضع الايراني في سوريا يصطدم بالمصاعب ولكنه لا يتراجع. 

في السنوات الاخيرة اضيفت الى عمليات المعركة ما بين الحروب ساحتين هامتين اخريين: الساحة البحرية والساحة السايبرية. في الساحة البحرية نجحت اسرائيل في ان تشوش  تموضع الاسطور الايراني في البحر الاحمر ولكن كان  لهذا ثمن بالمس بسفن بملكية اسرائيلية، ما دفع اسرائيل لان تقلص عملياتها هذه. سفينة التوريد الايرانية في البحر الاحمر “زافيس”تعرضت لتخريب جسيم في الصيف الماضي ولكن بدلا منها جاءت سفينة اخرى “بشهاد” التي تعمل اليوم بلا عراقيل. 

في الساحة السايبرية تعرضت اسرائيل لسلسلة هجمات ومحاولات هجمات ايرانية، في معظمها بدائية. فالجهد الايراني لضرب الشبكات المدنية في اسرائيل فشلت في معظمها، ولكنها نجحت في التسلل الى بعض مخزونات المعلومات وسحبت منها موجودات باهظة القيمة. اما اسرائيل، وحسب منشورات اجنبية فردت بهجمات من جانبها. 

جزء فقط من سلسلة عمليات المعركة ما بين الحروب استهدفت احباط او ازالة تهديد فوري، مثل نصب منظومة سلاح هامة في سوريا او خلية تخطط لعملية في هضبة الجولان. معظمها ينفذ لانه سهل تنفيذها، لان الخطر متدنٍ ولاننا ببساطة نستطيع. مثل النكتة عن لماذا يلعق الكلب ذاته. ولكن عندما يتم الخروج الى عملية معركة ما بين الحروب يكون سؤالان يجب ان يطرحها: هل العملية ستردع او تصعد المعركة؟ وهل الضرر الذي سيلحق اكبر مما سيتعلمه الطرف الاخر من الهجوم. في عالم السايبر هذه المعضلة تحتدم: كل هجمة تكشف للخصم مواضع ضعفه وتدفعه لان يغلق الثغرات وفي نفس الوقت تمنحه درسا عن قدرات المهاجم وما الذي يمكن التعلم منها. الهجمتان الاخيرتان اللتان نفذتا في ايران تخلقان احساسا بان المهاجم لم يكتفِ فقط بتلويث مياه البركة بل أصر ايضا على ان يصعد ويفعل هذا من خشبة القفز. في الحرب، مثلما في الاعمال التجارية، قاعدة هامة هي الانتصار، ولكن بدون اهانة الخصم. الاهانة لا تنسى وهي تشعل نوازع الثأر. 

صبر أمريكي

أما الامريكيون، بالمقابل، فيمتصون بصبر الاهانات من ايران. المرة تلو الاخرى تهاجم ايران القواعد الامريكية في العراق وفي سوريا، وفي الولايات المتحدة يصرون على التعاطب مع مثل هذه الهجمات وكأنها مطر. وبالغ هذا الاسبوع المبعوث الامريكي الى الرئيس الايراني، روب مالي، الذي في احاطة مع صحافيين اسرائيليين خرج عن طوره كي يوضح بان الولايات المتحدة لا تفكر اي خيار عسكري تجاه ايران. 

ومقابلهم، بدأت اسرائيل تلوح بكل القوة، بالخيار العسكري الجديد الذي تعده، وهذا دورها. اسرائيل ملزمة بان تضع على الطاولة الدولية خيارا عسكريا مصداقا، مهما كان محدودا، والسنتان القريبتان ستترافقان عندنا وكثيرا من الضجيج والررنين عن هذا الخيار. 

سيتزود سلاح الجو في السنتين القريبتين بقدرات اضافية للهجوم في ايران، وهو سيعود لان يتدرب على مخطط هجومي، ومرة اخرى يحكى بين الحين والاخر عن تدريبات طيران بمسافات طويلة سينفذها سلاح الجو من فوق البحر المتوسط. عندما نتحدث عن خيار عسكري، ننظر بطبيعة الاحوال الى سلاح الجو اساسا، ولكن ينبغي الافتراض بان اسرائيل تعد ايضا خيارات لاعمال اخرى: برية وسرية.

هذا هو دور الجيش الاسرائيلي – ان يضع على طاولة اصحاب القرار قدرة عسكرية لعملية ضد ايران؛ وهذا دور اسرائيل – ان تعرض هذه القدرة على العالم. ولكن حتى لو ربطنا عموم القدرات الاسرائيلية معا – النتيجة ستكون انه سيكون بوسعها في اقصى الاحوال أن تعيق ايران، ولكن لا ان توقف تطلعاتها النووية. 

من عموم الاعلانات الاسرائيلية هذا الاسبوع – فان الصورة التي ينبغي لها حقا ان تقلق الايرانيين هي زيارة قائد سلاح الجو الاماراتي للمناورة الدولية التي جرت في النقب. فالايرانيون ايضا لا بد انهم سمعوا التقارير عن سياح هبطوا في دبي وشاهدوا بطاريات القبة الحديدية تنصب خارج المدينة. فالعلاقات العسكرية بين الدولتين تتوثق ، ولن يبعد اليوم الذي نرى فيه ايضا سلاح جونا يهبط في الامارات ويتدرب من فوق الخليج الفارسي، امام ا يران. 

كما ان رؤيا اقامة منظومة دفاع جوي اقليمية تتضمن نشر جساسات في كل المنطقة تطلق الاخطارات عن هجمات صاروخية او مسيرات ايرانية آخذة في التجسد. وجاءت السيطرة العسكرية في السودان لتجمد حاليا خطط السلام معه ولكن انتبهوا للسعودية – فهي كفيلة بان تفاجيء بل وفي عهد حياة الملك سلمان.