ربما لم يشعر الجميع بعد، ولكن هناك عائلات فلسطينية كثيرة، ربما قد خفّضت استهلاكها اليومي من سلع أساسية، بسبب الارتفاع الجنوني للأسعار، وبالأخص السلع الحيوية لحياة هذه العائلات، مثل القمح والطحين والخبز والأرز والزيت والدجاج، والعديد من السلع المرتبطة بشكل أو آخر بذلك، والتي تضاعفت أسعار بعضها أو تكاد في الأيام الأخيرة في بلادنا، ورغم الحجج التي تبرر ارتفاع الأسعار، والتي اعتدنا عليها في الماضي، ألا وهي ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية واقتصاد السوق، إلا أن الجشع والطمع والاستغلال من الأسباب الأخرى لهذه الأسعار، حيث تفوق الأسعار عندنا تلك التي في دول غنية أو متقدمة عديدة.
وهذا الوضع يستدعي تدخل الجهات الرسمية وعلى أعلى المستويات، وكذلك منظمات المجتمع المدني وجمعيات حماية المستهلك، من خلال برامج وحملات عملية وبمخرجات واضحة، والجهات الرسمية، وبالأخص وزارة الاقتصاد الوطني التي تتعامل مع هذا الأمر، عليها التدخل وبشكل طارئ وعملي ويومي من أجل كبح الأسعار، وإعادتها بشكل عقلاني موضوعي لتناسب سعر السوق أو التكلفة، وفي نفس الوقت محاسبة وبشدة وبشكل علني من يتلاعب في حياة الناس، من التجار الجشعين، وبالتحديد التجار الكبار أو تجار الجملة الذين يستوردون ويحتكرون السلع.
وفي ظل وضع كهذا، نلحظ أن هناك نوعاً من عدم اللامبالاة، عند التجار أو الموردين أو البائعين، سواء فيما يتعلق بنوعية القوانين الموجودة، أو بإمكانية تطبيقها، أو حتى بفعالية آليات المتابعة والرقابة والتفتيش من قبل الجهات الرسمية، أو حتى بجدوى الالتزام بلوائح الأسعار الاسترشادية أو غيرها، لأن التاجر الذي يرفع سعر المنتج أو الكيلوغرام بحوالى 5 شواكل، يعرف أن هناك احتمالاً قليلاً للمساءلة، وحتى وإن تمت إحالته إلى القضاء أو تم تقديم شكوى بحقه، فإن الحكم أو الغرامة أو العقاب، يمكن ألا يتجاوز الـ 100 أو الـ 200 دينار أردني، وفي ظل هذا التخبط، فإن من يدفع الثمن مرة أخرى، هو المستهلك وأفراد عائلته، خاصة أن ارتفاع الأسعار يطال سلعاً أساسية للجميع.
وبالإضافة إلى نوعية وفعالية القوانين، وإلى ضعف الرقابة والمتابعة، فالمستهلك نفسه كذلك مسؤول ولو بشكل غير مباشر عن ارتفاع الأسعار، لأنه يستطيع أن يلعب دوراً مهماً وبشكل عفوي وغير مباشر في التحكم بالأسعار، وهذه نقطة مهمة لتبيان لماذا ترتفع الأسعار وبشكل كبير في أوقات معينة، وفي هذه الأيام مثلاً، وبالتالي فإن إقبال المستهلك وبشكل غير عقلاني على الشراء بسبب الخوف من مواصلة ارتفاع الأسعار يفتح شهية التاجر، سواء أكان تاجر الجملة أي المزود، أو صاحب المحل، على رفع الأسعار بشكل كبير وغير مبرر وغير مسؤول.
وفي ظل هذا التخبط والتكرار، ألسنا بحاجة إلى مراجعة معمقة للقوانين التي تتعامل مع الأسعار وجودة المنتجات؟ ألسنا بحاجة إلى مراجعة لآليات المراقبة والتفتيش والمتابعة وكيفية تحديد الأسعار الاسترشادية؟ وكذلك لمراجعة لماذا لا يردع الواقع الحالي التجار من التلاعب بالأسعار؟ ولماذا ما زال البعض يتصرف حسب المزاج والأهواء؟ وكذلك أليس من الضروري إعادة دراسة آليات التواصل مع المستهلك، وفي أساليب متابعة شكواه، وكذلك في الآليات المتبعة، للإثبات له أن هناك جهات، سواء أكانت رسمية أو غير رسمية تهتم به، وباحتياجاته وبشكواه، والذي يبدو أنه حتى الآن غير مقتنع أو على الأقل لا يثق بجدوى وجود هذه الجهات؟
وفي خضم هذا الوضع المقلق وبل المحزن للكثير، وفي ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية التي نحيا فيها، وفي ظل التخبط بأنواعه من السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فإن تواصل هذا الارتفاع الجنوني للأسعار ودون تدخل فاعل وحازم من الجهات ذات العلاقة، بدعوى الحفاظ على مبادئ اقتصاد السوق، يتجه نحو تعميق وربما نحو الانفجار المجتمعي، الذي سوف يكون من الصعب توقع تداعياته وامتداداته.