لا يمكن الانتصار عسكرياً على الشعب الفلسطيني

الانتفاضة
حجم الخط

من الصعب اتهام قادة الجيش الاسرائيلي وجهاز الامن بكونهم عصبة من اليساريين غريبي الاطوار ممن توجد حقوق الفلسطينيين في رأس أمانيهم. فالحديث يدور عن مقاتلين يقاتلون ضد الفلسطينيين، وقتلوا فلسطينيين.

وبالذات لهذا السبب مثيرة للاهتمام على نحو خاص توصية الجيش الاسرائيلي للحكومة، التي أطلقها قائد المنطقة الوسطى روني نوما ايضا، والذي نفى بعد ذلك اقواله – بتعزيز السلطة الفلسطينية، تزويدهم بالسلاح، والسماح بتسهيلات حركة الى داخل اسرائيل ايضا. الجيش الإسرائيلي، مثل «الشاباك» و»الموساد» ايضا، يفهم منذ سنوات طويلة بان لا حل عسكريا للمسألة الفلسطينية، مثلما لـ «الارهاب» ايضا. يتحدث الجيش من تجاربه.

فقصة سيطرته في «المناطق» هي قصة فشل. والحركة الفلسطينية منذئذ تعززت فقط، تعاظم «الارهاب»، والانتفاضات ردعتنا أكثر مما ردعتهم، والحملات في غزة يصعب وصفها بالنصر – وذلك رغم أن الجيش الاسرائيلي هو أحد الجيوش الاقوى والاكثر ذكاء في العالم.

والسبب بسيط: يمكن الانتصار على جيش ما، ولكن لا يمكن الانتصار على شعب يملك دافعاً للاستقلال. وعليه فلا غرو أن كل الضباط الكبار السابقين في الجيش الاسرائيلي تقريبا، وكذا قادة «الشاباك» و»الموساد»، يؤيدون حل الدولتين. ويدور الحديث عن اشخاص مثل بيني غانتس، غابي اشكنازي، دان حلوتس، شاؤول موفاز، يعقوب بيري، عامي ايالون، مئير دغان، شبتاي شفيت وكثيرين آخرون.

كلهم اناس برغماتيون وذوو فكر. نشأ في اسرائيل وضع ترى فيه النخبة الامنية النزاع وحله بعيون واعية اكثر من النخبة السياسية. فالسياسون تحركهم اعتبارات النفاق للجمهور،  وبالتالي من الصعب تسويق السلام، إذ إنه يصنع مع الاعداء.

وفي اوساط القيادة السياسية الحالية يسود أيضا النهج المسيحاني والمفعم بجنون الاضطهاد من مدرسة اليمين الايديولوجي الصلب، والكامن عميقا في سكان المستوطنين، المتطلعين الى تخليد الاحتلال.

بين نقتالي بينيت وغادي آيزنكوت، فضل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الاستماع لرئيس «البيت اليهودي «كي يواصل السير بنا نحو كابوس الدولة ثنائية القومية، كما نشهده اليوم. اسرائيل في سياقات فقدان طابعها اليهودي والديمقراطي، وفي الطريق الى تحولها الى دولة أبرتهايد منبوذة. يحتمل أن يأتي يوم يكون فيه قادة جهاز الامن هم الذين يضغطون على السياسيين لانقاذ المشروع الصهيوني من الانهيار الى دولة ثنائية القومية.

بمثابة نموذج تركي من التسعينيات، حيث كان الجيش بالذات هو من حمى الديمقراطية. لقد مل الجيش على ما يبدو دور حفظ النظام في مواجهة اطفال فلسطينيين، والاستثمار الهائل في الدفاع عن المستوطنين.

هذا الجيش الاسرائيلي، وليس الاستيطاني. المسؤولية عن الحل السياسي ليست ملقاة على الجيش، بل على الحكومة؛ ولكن حكومة مسؤولة ينبغي أن تكون منصتة لقادة جهاز الامن وعدم تجاهل نصائحهم، مثلما فعل نتنياهو، الاسبوع الماضي. من المحظور على الحكومة أن تبعث بالجيش للانتصار في معركة خاسرة مسبقا لتخليد الاحتلال بل ان تكلفه بان يكون شريكا بسبب قوته الكبيرة في التسوية السياسية.  

عن «معاريف»