الوحدة.. العدالة.. الديمقراطية

شروط أساسية لبناء مجتمع الصمود واستنهاض المقاومة الشعبية

cb711563-6873-413b-a77a-45e1da0c5150.jpeg
حجم الخط

بقلم جمال زقوت

 

 

 أعاد قرار وزير جيش الاحتلال الاسرائيلي بتصنيف ستة من المؤسسات الحقوقية والتنموية الفلسطينية بالإرهاب، سؤال حول ماهيّة ودور مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، سواء في عملية تنمية قدرة المجتمع على الصمود من خلال الخدمات الحيوية التي تقدمها للناس، أو دورها في النضال الوطني، سيّما في التصدّي القانوني لجرائم الاحتلال على صعيد الهيئات الحقوقية الدولية وشبكات الرأي العام الدولي؛ باعتبار ذلك مكوّن رئيسي من مكونات المقاومة الشعبية وتعزيز شبكة التضامن الدولي مع شعبنا وحقوقه وعدالة قضيته.

إن تسليط الضوء على هذه الحقيقة يعيد للأذهان الدور الحيوي الذي لعبته المؤسسات الأهلية على طول سنوات الكفاح ضد الاحتلال، وما وفرته هذه المؤسسات، حتى قبل إنشاء السلطة الوطنية، من خدمات حيوية في مجالات التعليم والصحة وقضايا المرأة والشباب والرياضة وغيرها من الخدمات التي شكلت بمجموعها ما يشبه دور "الحكومة الشعبية" في حينه، وبما يشمل أيضًا الدفاع عن قضايا حقوق الإنسان، والمعتقلين والمبعدين وسياسات مصادرة الأرض والمياه وهدم البيوت وغيرها من جرائم وانتهاكات وسياسات الاحتلال. فكما هو معلوم فإن العديد من المستشفيات والمراكز الصحية والجامعات والمؤسسات التعليمية والثقافية ومؤسسات الرعاية الاجتماعية المتنوعة، قامت بجهود تطوعية جوهرية وساهمت بشكل فاعل في حماية النسيج الاجتماعي والهوية الوطنية لشعبنا.

لقد شهدت علاقة السلطة الوطنية، ومنذ نشأتها، توتّرات مع مؤسسات العمل الأهلي، وصلت حد التعامل معها كخصم ومنافس أساسي، وقامت باتخاذ سلسلة من الإجراءات والقوانين التي تحدّ من قدرة هذه المؤسسات على القيام بواجبها الذي تأسّست من أجله، ذلك بهدف احتوائها ومحاولة الهيمنة عليها، دون اكتراث السلطة إلى مدى حاجتها لدور القطاع الأهلي المستقل في المساهمة بتنفيذ الخطط الوطنية العامة، على الأقل في المناطق التي يحظر الاحتلال عمل مؤسسات السلطة في "القدس المحتلة والمناطق المسماة (ج)، سيّما المهددة بالمصادرة وتوسيع الاستيطان"، والتي من المستحيل إنجازها أو تحقيق الحد الأدنى من النجاح دون تكاملها مع جهد ودور المؤسسات الأهلية، وتوسيع الحيّز العام لدورها وليس الاجتهاد المزمن في التضييق عليها.

إن الحاجة لتكامل الأدوار بين القطاعين الحكومي والأهلي، وتشجيع الطابع الجماهيري في مضمون وطبيعة الخدمات التي تقدّمها المؤسسات الأهلية، إنما يشكل حاجة موضوعية تفرضها طبيعة المرحلة التي تتداخل فيها مرحلة البناء الديمقراطي مع مهام استكمال التحرر الوطني، وما يحتاجه هذا التداخل من بلورة فلسفة حُكم قائمة على الحاضنة الشعبية التي ستظل تشكل رأس المال الأساسي لقدرة المجتمع الفلسطيني على الصمود ومواصلة دوره الكفاحي للخلاص من الاحتلال.

إن مصداقية السلطة الوطنية في مواجهة قرارات الاحتلال ضد المؤسسات الستة، وما سبقها من مؤسسات وطنية وخدماتية في القدس ومناطق أخرى في الضفة، والتي قام الاحتلال على مدار السنوات الماضية بإغلاقها ومنعها من العمل، إنما يتطلب مراجعة شاملة لكل الإجراءات البيروقراطية وذات الطابع الأمني التي أعاقت وتعيق تطوير دور هذا القطاع، وبما يشمل تشجيع مؤسسات القطاع الخاص الفلسطيني للإسهام في دعم موازنات هذه المؤسسات، واحتساب هذا الدعم من ضرائب الدخل المستحقة على القطاع الخاص. نعم؛ إن واجب السلطة في التصدي لسياسة الاحتلال بحق المؤسسات الأهلية يتجاوز ما تقوم به من علاقات عامة محلية، والقيام بمراجعة جادة لنمط التعامل مع هذه المؤسسات كشريك في العملية التنموية بكل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية والسياسية، وبما يشمل ضرورة إلغاء التعديل غير الدستوري الذي تمّ عام 2015 على اللائحة التنفيذية لقانون الشركات غير الربحية باشتراط الحصول على موافقة مسبقة من مجلس الوزراء على أي نشاط أو مشاريع تنموية تقوم بها هذه المؤسسات، مهما كانت حيوية، وبالتأكيد ما يتطلبه ذلك من موافقات أمنية وبيروقراطية أخرى، بعضها لن يأتي، وأدت إلى إغلاق مؤسسات حيوية كمؤسسة الغد، التي سبق وأسسها رئيس الوزراء الأسبق سلام فياض، والتي اضطرت للإغلاق بفعل هذا التعديل رغم حيوية مشاريع دعم صمود الأهالي التي كانت تقدمها لأهلنا في القدس والأغوار والمنطقة المسماة "ج"، سيّما للمجتمعات البدوية المعرضة للتهجير والمزارعين الذين تتعرض أرضهم ومصادر مياههم للاعتداءات والسرقات يوميًا.

وبالتأكيد، إن هذا يشمل أيضًا التصدي لحالة الانقسام، وما ألقت به من صعوبات على عمل القطاع الأهلي. فإذا كانت وظيفة التكامل بين القطاعين الأهلي والحكومي تعزيز بنية مجتمع الصمود وقدرة الناس على مجابهة مخططات الاحتلال، فإن هذا يتطلب وحدة الخطة العامة وأدوات تنفيذها ومواردها وفي المقدمة الأداة الرسمية المتمثلة بالحكومة ومؤسساتها وموازنتها العامة، ومعايير عدالة توزيع الموارد والأعباء، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلا بإشراف حكومة وحدة وطنية تربط الجهد الوطني للتنمية مع متطلبات تعزيز قدرة الناس على الصمود، والحاجة للوحدة الوطنية من أجل استعادة القدرة على الصمود السياسي بإشراف قيادة سياسية موحدة تضم الجميع في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، واستعادة مكانتها الائتلافية كجبهة وطنية عريضة تقود النضال الوطني، والتمثيلية كممثل شرعي وحيد لشعبنا. ذلك كله كمرحلة انتقالية ليست طويلة الأمد لاستعادة المسار الديمقراطي بإجراء الانتخابات العامة الشاملة، وكذلك تكريس الممارسة الديمقراطية والمساءلة المجتمعية لجميع بُنى ومؤسسات المجتمع الحزبية والنقابية والمهنية والأهلية، والأطر الشعبية الكفيلة باستنهاض المقاومة الشعبية كثقافة ونمط حياة يومي. فالنهوض الوطني شكّل دومًا الحاضنة الكبرى لتطور الديمقراطية والمشاركة الشعبية والذي مثّل الدرس الأهم للانتفاضة الوطنية الكبرى عام 1987.

لقد أشعل القرار الاسرائيلي الضوء الأحمر لمدى الخطر الذي يجري تنفيذه على الأرض، والذي يستهدف تفتيت المجتمع الفلسطيني وقدرته على الصمود، تمهيدًا لتصفية قضية شعبنا وحقوقه الوطنية، وما يستدعيه ذلك من خطط جدية مضادة على كل المستويات، ليس فقط لإفشال هذا القرار، وهذا ممكن، بل والنهوض بالنضال الوطني الديمقراطي بكل مكوناته بما فيها مؤسسات العمل الأهلي بما يعيد للقضية الفلسطينية مكانتها التي تتناسب مع عمق ومدى عدالتها في الضمير الإنساني. إن تحقيق هذا الأمر يتطلب، وضمن قضايا أخرى، تفعيل العمل بوثيقة التفاهم التي تم بلورتها بين القطاع الأهلي والحكومة "2009-2013"، والتي استهدفت تعزيز التكامل في إطار الأجندة الوطنية، وبما يشمل تشجيع عمل هذه المؤسسات في القدس المحتلة والمناطق المسمّاة (ج)، تعزيزًا لقدرة شعبنا على الصمود، واستنهاض كامل طاقاته للمشاركة في معركة انتزاع الحق في تقرير المصير، على أساس المواطنة وقيم العدل والمساواة والعدالة الاجتماعية ومفاهيم الانتماء والمشاركة التطوعية.