الغلاء ليس فيسبوكياً بالمطلق

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

بقلم: صلاح هنية

الوضع الاقتصادي المعيشي يتكرر نقاشه كل عام مرتين، مرةً في شهر رمضان وأُخرى في الثلث الأخير من العام. وفي كلا الحالتين نعيش ذات التمرين أولاً، الإنكار (لا يوجد غلاء). ثانياً، مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الاقتصادي هما أس البلاء في البلد. ثالثاً، نذهب لإجراء يتمثل بالأسعار الاسترشادية التي تأخذ وقتاً طويلاً لإقناع التجار والموردين بها.
ولكننا لا نذهب لحلول منذ اللحظة الأولى، الأمر الذي يفاقم الوضع تعقيداً، إذ يجب أن نقتنع أن مواقع التواصل الاجتماعي منصة تنطق بلسان من يتعامل معها، وهو بالتالي يعكس ما يعيشه هو ومحيطه ولا يستطيع أن يتجنى لوقت طويل بالمطلق، عندما يقول إن سعر كيلو غرام الدواجن 18 شيكلاً هو يصف حالة ليدق ناقوس التحذير من استغلال قائم، والصحافي الاقتصادي لا شأن له إلا التحقيق الاستقصائي لعرض الواقع، وهناك صحافيون اقتصاديون كتبوا على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي بما معناه أنه لا يوجد غلاء، وردوا الوضع الى وضع عالمي كما فعل عديد المسؤولين في الحكومة وفي القطاع الخاص، فهم مفرطون في الموضوعية كإعلاميين اقتصاديين غالباً.
إذاً الغلاء ليس فيسبوكياً بالمطلق، وانفلات أسعار بعض السلع لأسبوع كامل جاء تكراراً للتجربة من قبل التجار والموردين، لعل المعالجة تتكرر فنثبّت السعر على الأعلى كما يحدث كل عام، فأنا أبتاع الدواجن في معظم المحلات بـ 10 -1 1 شيكلاً للكيلو غرام، فأصحو لأجد سعره 18 شيكلاً، فهل عليّ أن أكذّب نفسي؟ أم علي ألا ابتاعه؟ أم أقدم شكوى تحتاج إلى وقت للتأكد منها؟ ثم أجد الزيت النباتي قد ارتفع سعره، ومن ثم السكر، ومن ثم مطالبة من المخابز برفع الأسعار، وبدء الشتاء، وبالتالي ارتفاع أسعار أنبوبة الغاز لللاستخدام المنزلي.
هذه المرة كسرت هذه الحلقة عبر توجيهات الرئيس محمود عباس لوزير الاقتصاد الوطني ولرئيس جمعية حماية المستهلك بالعمل معاً لوضع تصور لمعالجة الأمر، رُفع القلم، فلم يعد هناك من يقول (هناك من يدّعي أن غلاءً قد وقع) (لم يعد بإمكان مسالخ الدواجن البيع بهذا السعر العجيب) (موردو السكر اكتفوا بنسبة منطقية) (ثُبّتت أسعار الوقود)، وشُكلت خلية أزمة من وزارة الاقتصاد الوطني وجمعية حماية المستهلك والغرف التجارية، وخلال ثلاثة أيام منها يوم عطلة رسمية تم ضبط السوق وأعلن التجار عدم رفع الأسعار لغاية بداية العام القادم (ليس تأجيلاً للأزمة بل لأن المخزون يكفي السوق لشهرين وأكثر قليلاً).
كُسرت الحلقة لأن المستهلك لم يعد متهماً بأنه يسرف ولا يرشد، وكأن دخله يسعفه أن ينفق بأقل ما يمكن للحاجيات الأساسية فقط وبالكاد. المستهلك يتأثر بالإشاعة وبالتالي يخترع الغلاء، المستهلك بات وظل مصدر المعلومة الأساسية للفرق الرقابية الحكومية التي تحمل صفة الضابطة القضائية، ولكنه غالباً لا يتلقى تغذية راجعة عن مسار الشكوى، وهنا المعضلة (أنت قدّم الشكوى، ليس شأنك بعد ذلك) الأمر الذي يؤدي للعزوف عن الشكوى.
في ليلة واحدة أعلنت عشرة متاجر في محافظة رام الله والبيرة عن حملات تخفيضات كبيرة شملت السلع الأساسية التي يدور الحديث عنها، وهذا مؤشر إيجابي أعاد الأجواء لأواسط الثمانينات، بأننا، تجاراً ومواطنين في مركب واحد، صحيح أن بعضها تضمن منتجات إسرائيلية، ولكن حضور السلع الأساسية الرائجة في السوق يشكل خطوة مهمة.
الكوتا لاستيراد الخراف تركت أثراً إيجابياً للمرة الأولى منذ سنوات طويلة على أسعار المستهلك، إذ باتت هناك لحوم بـ 55 شيكلاً وأحياناً 50 شيكلاً وهناك لحوم بـ 85-90 شيكلاً، إلا أن السعر المنخفض سيد الموقف وهذا مسعف ومهم.
واحد من عوامل الإنقاذ هو الاستفادة القصوى من القوائم السلعية على الكوتا التي تستورد من الأردن ومصر وتكون معفاة من الجمارك وتخضع للمواصفات الفلسطينية فقط وتشمل سلعاً مهمة، رغم أننا بحاجة لزيادتها وتوسيعها، وهذا لم يتم منذ زمن.
بتنا بحاجة الى إعادة دراسة أسعار الوقود كل شهر، بحيث نحافظ على أن تظل اقل من سعرها في السوق الإسرائيلي، ولم يعد هناك فرق حاسم وخصوصاً معامل فرق الشراء من السوق الإسرائيلي وسعر البيع، وهذا يعود إلى أن المراجعة لا تجري بغرض خفض سعرها بالنسبة المتاحة لنا.
لا بد من مراجعة قيمة ضريبة القيمة المضافة وتخفيضها بنسبة التخفيض المتاحة لتشكل مساراً في خفض الأسعار بنسبة ما.
يجب أن نركز على دور منافذ البيع التي تستورد من العالم وتبيع بأسعار معقولة للأدوات المنزلية والبياضات وبعض وكالات الملابس (التي حوربت في البداية) وهي الآن تحقق نقلة نوعية.