اسرائيل اليوم – الرئيس الحاضر الغائب مصداقية جو بايدن تتفكك

حجم الخط

بقلم: أبراهام بن تسفي


في أواخر فترة ولاية الرئيس الأميركي، فرانكلين دلانو روزفلت، الثالثة تدهورت حالته الصحية بشكل كبير.
من أحدث ثورة اجتماعية واقتصادية خارقة للطريق في ظل الدرك الأسفل الأكبر، ولاحقاً قاد الأمة الأميركية الى مواجهة بلا هوادة مع «محور الشر» رغم المعارضة الانعزالية من الداخل، أصبح في المراحل الأخيرة من الحرب العالمية ظل نفسه. وذلك عندما مست أمراضه الجسدية بأداء مهامه وبوعيه، بالذات في اللحظات التأسيسية لبلورة النظام العالمي الجديد.
رغم الفوارق في السياق التاريخي وفي الجوهر، لا ينبغي أن نتجاهل أوجه الشبه التي تربط بين روزفلت والرئيس الحالي بايدن. هذان شخصان أبديا في ذروة سنواتهما فهماً عميقاً سواء في غياهب السياسة الداخلية أم في الصلة في المجال الدولي.
مثل روزفلت، أبدى السناتور بايدن هو الآخر خبرة مبهرة في كل ما يتعلق بإقامة تحالفات حزبية داخلية وحزبية ثنائية في تلة الكابيتول، وجسد بسلوكه فكرة البراغماتية والواقعية السياسية. ولكن مثلما لم يتمكن الرئيس روزفلت رغم أمراضه وانهاكه من الانسحاب بعد ثلاث فترات ولاية مليئة بالإنجازات والنجاحات، بل أصر على التنافس للمرة الرابعة على المنصب الرفيع، هكذا ايضا قرر بايدن التنافس على الرئاسة في 2020 رغم عمره المتقدم وتعبه البارز.
وهكذا بعد سنة من انتخابات 3 تشرين الثاني وقبل سنة من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، يوجد الرئيس في ذروة هبوط حر من ناحية مكانته في الرأي العام. وذلك على خلفية أسلوب عمل ضعيف، متردد وبردود افعال، يحاول المرة تلو الاخرى تقليص الاضرار دون تحمّل المخاطرـ ويتخذ صورة من يحاصره اكثر فأكثر الجناح الليبرالي العميق في حزبه.
تعبير راهن عن احساس خيبة الامل والاحباط السائدة هذه، حتى في اوساط جماهير ديمقراطيةـ يمكن أن نرى في نتائج الانتخابات لمنصب حاكم ولاية فيرجينيا، التي اصبحت منذ وقت غير بعيد معقلا ديمقراطيا واضحا منحت في 2020 أصواتها الانتخابية لبايدن بفارق 10 في المئة على خصمه ترامب.
أمامنا «علامة دالة» بالغة الأهمية على مكانة الرئيس الداخلية المتدهورة، إذ أن حملة الانتخابات في فيرجينيا أصبحت استفتاء شعبيا عمليا على أداء بايدن، والتي انتهت بحجب ثقة واضحة مع انتصار الجمهوري غالن ينجكين. وبالفعل، أمامنا إشارة تحذير واضحة تلقي بظلالها على الحزب الديمقراطي، وتضع علامة استفهام كبرى على قدرته على الحفاظ على مكانته ككتلة الاغلبية في المجلسين في اعقاب انتخابات التجديد النصفي بعد سنة.
ان مظاهر الضعف الرئاسي هذا كثيرة، ابرزها كان الانسحاب البائس والمفزوع من افغانستان، والذي أثبت بان دروس الخروج من جنوب فيتنام لم تستوعب بعد في العاصمة الأميركية. إضافة الى ذلك، ما بدأ بصخب شديد كحرب غير مشروطة ضد فيروس «كورونا» من خلال حملة التطعيمات الشاملة انطفأ بالتدريج.
في ضوء حجم الوباء وعدد ضحاياه كان يمكن ان نتوقع من القائد نفسه أن يقود حملة نشطة لتجنيد التأييد الجماهيري لخطواته، وان يجبر «ولايات مارقة» على السير في التلم. عمليا كانت لحظات ظهور بايدن العلنية قليلة، شاحبة، ومتلعثمة.
بخلاف روزفلت في عهود عظمته فشل بايدن تماما في محاولاته الترويج لمبادراته من خلال التوجه المباشر للشعب الأميركي. وتنطبق هذه الأمور أيضا على برامجه الطموحة في جملة كاملة من المسائل الاجتماعية والاقتصادية التي استمدها ظاهراً من غياهب النسيان لمبادرات روزفلت في عهد «الصفقة الجديدة»، ولكنها سرعان ما تجمدت جراء انعدام قدرة البيت الأبيض على فرض إمرته على أجنحة حزبه.
في المجال العالمي، فإن الأقوال الممجوجة عن تطلع البيت الأبيض لترميم الجهاز الصحي التقليدي في الولايات المتحدة بقيت اليوم فارغة من المضمون.
صفقة الغواصات، التي وقعتها الولايات المتحدة، مؤخرا، مع استراليا من خلف ظهر الشريك الفرنسي تشكل دليلا قاطعا على ذلك. في مجمل الأمر، فان الساحة الإسرائيلية- العربية أيضا تشهد على الضعف العام للادارة. فبدلا من تثبيت منظومة العلاقات الاستراتيجية لواشنطن مع حلفائها في الخليج المهددين من ايران أبدى بايدن في بداية طريقه موقفا باردا على نحو خاص تجاه السعودية والإمارات. وقد أشار بذلك، كما ينبغي الاعتراف، إلى انه غير ملزم بالمخطط الذي أطلقه سلفه.
على هذه الخلفية لا يتبقى غير السخرية من تصريحات الرئيس ومساعديه حول جدوى الخيار العسكري تجاه نظام آيات الله في ايران.

عن «إسرائيل اليوم»