مالم يفرزه الساسة تفرزه الايام

69db5a5b872bb7ce4f09d917d4df6665.jpg
حجم الخط

بقلم : حمدي فراج

 

أكثر الناس ديكتاتورية هم اكثرهم كلاما عن الديمقراطية . واكثرهم استسلاما اكثرهم تبجحا عن النضال والجهاد والكفاح . واكثرهم شرا هم اكثرهم ورعا شكليا في الرغي عن الدين والخير والصلاح . وقديما قيل : “أم اقوال غلبت ام افعال”.
تنظر الى العالم العربي، المفعم بالدكتاتورية والتبعية والتخلف والفساد، لكن لسان حال نظامه الحاكم يفاخر بديمقراطيته وعدالته واستقلاله وتقدميته ونزاهته ووطنيته ، ويبرهن على ذلك بانتظام ادائه صلاة الجماعة كل يوم جمعة . وتجد “مثقف النظام” عبر تلفزيون النظام يواصل الليل بالنهار تطبيلا وتزميرا له ، وتجد “شيخ النظام” يسبح بكرة واصيلا بحمده . وعلى الجبهة السياسية ، تجد احزابا او حركات تدعي التقدم وتنشد التغيير ومصالح الشعب والجماهير ، أكثر اخلاصا وتذيلا للنظام من جماعة النظام . قالها القيادي نبيل عمرو عندما رحل الرئيس ياسر عرفات ؛ ان أكثر الناس افتقادا له ، ستكون الفصائل التي لطالما ما عارضته . وقد ثبتت صحة ملاحظته .
قبل حوالي سنة ، توافقت القيادات على اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني بشكل متباعد على ثلاثة مراحل، لكنها تأجلت الى أجل غير مسمى ، وانصدم المتحمسون لها صدمة ربما ان بعضهم لم يفق منها بعد ، وتراه ما زال في كل مداخلة شاردة او واردة يطرح اجراء انتخابات وحتى ان بعضهم يشترط تحديد موعدها قبل نهاية العام الجاري ، ولن استبعد بعد انتهائه ان يحددوا شهر حزيران القادم موعدا نهائيا لاجرائها .
تأجيل الانتخابات من خلال الوحدة بين الحركتين الكبيرتين الحاكمتين سبب الخلاف ونتيجته المدمرة وتجلياته ومصائبه وفضائحه وسلبياته وانعكاساته ، كان شيئا ايجابيا لكل ذي بصيرة ، ان تأجيل الانتخابات التي كان واضحا انها اقل ما يمكن ان يقال فيها انها التفافية ، من خلال تباعدها، او فرية انتخاب المجلس الوطني (200-300 عضو) من الشتات الفلسطيني .
ان التأجيل يعمق الفرز بين الغث والسمين ، فقد ظل هذا مختلط بذاك ، كما العدس بالخردل والطين بالعجين على مدار عمر المنظمة . الفرز مهمة كبرى وعظيمة لا تقل ابدا عن الثورة او حتى عن انتصارها ، لأن الخلافات الداخلية كانت ستنفجر اثناء التحرير او بعده . ما يحصل في لبنان، تونس، السودان، اليمن، العراق وليبيا هي أمثلة ماثلة من لحم ودم .
الخلاف بين المقاومة والمساومة ، ليس هو الخلاف الوحيد وان كان الاوضح اليوم ، لكن هناك خلافات مفصلية اخرى ، بين التقدم الناظر الى المستقبل والتخلف الناظر الى الماضي ، خلاف بين الفقراء الذين يموتون من الجوع واغنياء يموتون من الشبع ، من يتطلع الى الحياة عبر جيل جديد من الشباب ومن يتطلع الى الاموات كي يحكموا الاحياء . وما لم يفرزه القادة ، تفرزه الايام .
قال قائد الثورة الروسية حوالي عشر سنوات قبل الانتصار :”نحن نسير جماعة متراصة في طريق وعر وصعب، متكاتفين بقوة، ومن جميع الجهات يطوقنا الأعداء وعرضة لنيرانهم . واتحدنا بغية مقارعتهم ، لا للوقوع في المستنقع المجاور . انتم احرار في الذهاب اليه ، لكن رجاءنا ان تتركوا ايدينا .”