مع إغلاق باب الترشح وإعلان القوائم الانتخابية التي سوف تنافس في الانتخابات المحلية في الشهر القادم، وبدء المواطن في المجالس المحلية التي سوف تتم فيها الانتخابات المحلية، وهي في معظمها مجالس صغيرة أو متوسطة العدد وفي المناطق البعيدة، بتمعن وفحص الأسماء التي تحويها القوائم، من أجل تحديد موقف وبالتالي اتخاذ القرار فيما يتعلق باختيار القائمة المناسبة، ورغم أن هناك قوائم عديدة يتم تقديمها تحت قوائم حزبية أو سياسية، إلا أن الصبغة العائلية ليست بالغائبة عنها، وفي الغالب تحوي أسماء أو ممثلين قد لا يملكون الكفاءة للقيام بالعمل لو فازوا في الانتخابات.
والكفاءة المهنية هي ما تحتاجه المجالس المحلية، أو ما يحتاجه الناس في هذه المناطق، لأنه وبالاختلاف عن انتخابات برلمانية أو تشريعية، حيث الطابع السياسي أو الحزبي أو التشريعي أو العام، فإنه في حال المجالس المحلية، فالأهم هو تقديم الخدمات للناس الذين انتخبوهم بشكل لائق وفي إطار المصلحة العامة، وفي نفس الوقت التعامل بموضوعية مع هؤلاء الناس الذين انتخبوهم بعيدا عن التحيز أو التعالي أو الفوقية، ولذا فإن التركيز على انتخاب الكفاءات في الانتخابات القادمة هو الأهم.
والكفاءة أو الكفاءات تعني الإلمام بالمهام المطلوب القيام بها، وتعني تعايش أو فهم المشاكل أو القضايا المفترض حلها أو التعامل معها، وتعني وجود خطة أو خطط عملية ترتبط بالنتائج أو بتحقيق الأهداف التي تم وعد الناخبين بها، وتعني الخبرة في التعامل مع قضايا خدماتية محلية عامة، وتعني العمل بروح الفريق أو التكتل داخل المجلس البلدي أو المحلي، وليس فقط الهدف الحصول على الراتب أو على الامتيازات أو الألقاب، والكفاءة تعني وجود الإدارة الناجحة التي تعرف أن أو كيف تخطط وتنفذ وتنجز خلال فترة زمنية وباستخدام المصادر المتاحة.
ولذا فإن الكفاءة هي من تشكل فرقا عند الناس، أو الأساس الذي من الممكن المنافسة من خلاله، واجتذاب الأصوات وبالأخص الأصوات المترددة أو غير المحسوبة أو غير المسيسة أو غير المنتمية، وهي الغالبية، وهي الكفاءة أو البرنامج المهني للكتلة أو للأشخاص الذين يشكلون الكتلة، وحتى لو كانت الانتخابات الحالية من خلال الكتل، أي أن من يتم انتخابه هو الكتلة التي تملك برنامجا ما، إلا أن الأشخاص الذين يشكلون الكتلة هم من سوف يكون الجزء الأهم في الاختيار.
وإذا كانت المجالس المحلية من بلديات ومن مجالس قروية، تمثل الصورة المصغرة من الحكومة المحلية التي من المفترض ان تهتم بالمواطن وتحرص على تلبية احتياجاته الأساسية وتلبية طموحاته بالحد الأدنى منها، فإن هذه الاحتياجات وبعيدا عن السياسة هي عديدة ومتنوعة، بدءا من تجميع النفايات وعدم انقطاع المياه وضمان الحصول المنتظم على الكهرباء، ومعالجة المياه العادمة وصيانة الشوارع والطرق، وتوفير العدد والنوعية المطلوبتين من الصفوف المدرسية، ومعالجة احتياجات الشباب، واحتياجات المرأة والأطفال، وإيجاد أماكن ووسائل الترفيه للمواطن وما الى ذلك من احتياجات تلمس حياته اليومية.
وبالتالي فإن من يحكم عليهم في أعين الناخبين هي الكفاءة والنزاهة والإنجاز والعمل والبرنامج المهني الذي من المفترض ان تركز عليه الكتلة، بغض النظر عن إطارها السياسي، أي البرنامج الذي يشمل العمل فيما يتعلق بحياة الناس اليومية، من عمل وبطالة وتعليم وزراعة واقتصاد وتوفير الاحتياجات وبالطبع في هذه الظروف الصعبة، التعامل مع تداعيات جائحة أرقت الجميع من صغير وكبير ومن تاجر ومزارع وعامل، ومن ثم كيفية توفير أو إقناع الناس بإجراء الفحوصات وأخذ اللقاحات وما الى ذلك.
وبالطبع فإن من يملك الكفاءة والمهنية من مرشحي الكتل، يجب أن يركز على احتياجات ومطالب الشباب والشابات، الفئة التي تشكل الغالبية في المجتمع الفلسطيني الفتي، والنسبة الأكبر في جمهور الناخبين وبغض النظر عن نوع الانتخابات، والتي من المفترض أن يحسب لها كل الأهمية، سواء في مجالات التخطيط أو التنمية أو طبيعة التغيير أو الجوانب الصحية والاجتماعية أو في موضوع اختيار الممثلين، أي في الانتخابات وبغض النظر عن نوعها، ومن المفترض أن تحتل هذه الفئة الشابة الضخمة من الإناث والذكور الأهمية والحيز المطلوبين، من حيث طبيعة البرامج الانتخابية، وبالأخص تلك البرامج التي تركز على مبدأ التغيير، سواء أكان تغييرا اجتماعيا أو تربويا أو اقتصاديا في حياتهم اليومية.
ومع الأمل بأن تتم الانتخابات المحلية القادمة حسب ما هو مخطط لها وبسلاسة، وبأن يتم احترام نتائجها من قبل الجميع، فإن ما يحتاجه الناس وبالأخص فئة الشباب والشابات وعشرات الآلاف من خريجي الجامعات والكليات الذين لا يجدون فرص عمل، هو الكفاءات أو المتخصصون أو المهنيون الذين يملكون البرنامج الواقعي الذي من الممكن أن يحسن من حياة الناس اليومية ولو بالشيء الضئيل، ونحتاج الى أعضاء مجالس محلية يتوقون للعمل وبإخلاص من أجل حلحلة الوضع لتحسين حياة الناس.
فلا تزال تنخر في جسد المجتمع الفلسطيني وبكافة أجياله، وبعيدا عن الخلفيات السياسية والحزبية والفكرية، الانتماءات العائلية أو العشائرية أو القبلية، ورغم الوعي المتراكم، ورغم النسبة الكبيرة من الأجيال الشابة التي يحويها المجتمع الفلسطيني، ورغم النسبة المتصاعدة لمشاركة النساء في نشاطات عديدة في المجتمع، ورغم النسبة الكبيرة من خريجي التعليم العالي، إلا ان الانتماء العائلي ما زال عامل جذب أو شد أو حتى الأساس لاتخاذ القرار سواء للترشح او للانتخاب.
ورغم أهمية هذا العامل في التضامن الاجتماعي ومؤازرة العادات والتقاليد، إلا أن إقحامه في انتخابات من المفترض ان يقوم الفائز فيها بتوفير الاحتياجات للجميع، وفي خدمة القرية او المدينة ككل، وفي خدمة المواطن بغض النظر عن أصله، فإن هذا الإفحام وكما حدث في الماضي وربما يحدث الآن، وخلال الفترة القادمة، لن يؤدي الى النتائج التي يطمح لها المواطن الفلسطيني، كمواطن ينتمي الى المجتمع الذي فيه يعيش، والذي يتوق الى تحقيق العدالة والكرامة فيه للجميع، والاهم يطمح وينادي بأن يتم اختيار ووضع الشخص المناسب في المكان الملائم بالاعتماد على الكفاءة والخبرة والرغبة في العمل وتحقيق الإنجاز للجميع.
ومع اقتراب البدء بالدعاية الانتخابية للكتل المرشحة وللمرشحين، ومع ترقب عرض البرامج والخطط وإطلاق الوعود، فإن على الناخبين الاختيار بموضوعية، وأعتقد أن الناس في بلادنا يعون تماما من يملك الكفاءة وبالتالي من يستطيع تحقيق الإنجازات أو العمل الحقيقي للمصلحة العامة، ويعون ومن خلال تراكم الخبرات، أن الشعارات الكبيرة والوعود غير الواقعية واستخدام الأجندة البعيدة عن طينة الناس وطبيعة حياتهم وقضاياهم وهمومهم، لم ولن تحقق لهم ولو الحد الأدنى لما يريدون، وبالتالي فإن انتخاب الكفاءة القادرة على العمل وبواقعية، بعيدا عن العشائرية أو الحزبية أو الوعود الطنانة من هنا أو من هناك، هو الأنسب لإنجاز شيء ما لهؤلاء الناس الذين سئموا الكثير من الشعارات الكبيرة والوعود ولمن يطلق هذه الشعارات الكبيرة وهذه الوعود.