"نفحص بقلق التقارير حول زيارة وزير الخارجية (الإماراتي) لسورية، ونقلق من الرسالة التي يحملها. كما قلنا في السابق، هذه الإدارة لن تظهر أي دعم للجهود من أجل تطبيع أو إعادة تأهيل بشار الأسد، الديكتاتور المتوحش"، هكذا لخص المتحدث بلسان وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، موقف واشنطن من الأسد على خلفية خطوات التطبيع التي يرعاها عدد من الدول العربية مع سورية.
مع ذلك، الزيارة الرسمية لعبد الله بن زايد، وزير خارجية الإمارات، وشقيقه ولي العهد والحاكم الفعلي للدولة، محمد بن زايد، لم تفاجئ واشنطن. وحسب مصادر دبلوماسية غربية، أطلع ابن زايد الإدارة الأميركية، حتى قبل لقائه مع الأسد في دمشق، على المستجدات، ورفض جهود الإقناع للامتناع عن ذلك بذريعة أن إعادة سورية الى الحضن العربي ستساعد على إبعاد سورية عن إيران.
ابن زايد ليس الزعيم الوحيد الذي يسخن علاقاته مع الأسد. فبعد عشر سنوات من إدانته هو نفسه بشدة للرئيس السوري والانضمام للتحالف الدولي، الذي طالب بإزاحته عن الحكم، أعادت الجارة البحرين فتح سفارتها في دمشق. ووزير خارجية الجزائر، رمطان لعمامرة، الذي ستستضيف بلاده قمة الجامعة العربية في آذار 2022، أعلن، هذا الأسبوع، بأنه يبذل الجهود لإقناع الجامعة بإعادة سورية الى صفوفها بعد طردها منها في العام 2011.
وتلقى عبد الله، ملك الأردن، الشهر الماضي، مكالمة هاتفية مباشرة من الأسد، تباحثا خلالها في التعاون الاقتصادي المحتمل بين الدولتين. وزير الخارجية المصري، سامح شكري، الذي زار، هذا الأسبوع، واشنطن في إطار الحوار الاستراتيجي الذي تجريه مصر مع أميركا، قال في خطاب ألقاه في معهد ولسون، إن سورية تستطيع العودة والقيام بدورها التقليدي في العالم العربي والعودة الى حضن الجامعة العربية "إذا أظهرت استعدادها لتأييد الأمن القومي العربي، وأثبتت بأنه يمكنها أن تعالج نتائج النزاع الذي استمر عشر سنوات، بما في ذلك معالجة الجوانب الإنسانية ومشكلة اللاجئين السوريين".
هذه الشروط الضبابية، التي لا توضح ما هو الدليل المطلوب من سورية تقديمه، تشير فقط الى أنه يجب عليها أن تكون جزءا من العالم العربي، أي أن تبتعد عن إيران، وتوضح بشكل جيد الروح الجديدة التي تميز الدول العربية.
الولايات المتحدة ربما هي قلقة، لكنها هي نفسها ستجد صعوبة في الوقوف أمام هذا الاندفاع، خاصة بعد أن سمحت لمصر والأردن بالتوقيع على اتفاق لتزويد الغاز والكهرباء للبنان عبر سورية، وهي خطوة استهدفت إنقاذ لبنان، وفي الوقت ذاته تحييد التأثير الاقتصادي لإيران في هذه الدولة. للوهلة الأولى، يعارض هذا الاتفاق قانون العقوبات الذي تم فرضه على سورية ويحظر عقد صفقات من أي نوع مع نظام الأسد، بالأحرى عندما تحصل سورية في المقابل على نسبة من كمية الغاز والكهرباء التي ستمر من أراضيها في طريقها الى لبنان.
لكن يوجد للولايات المتحدة مشكلة اكثر صعوبة من اتفاق الغاز والكهرباء هذا. لا توجد لها سياسة واضحة بخصوص سورية. هي غير مشاركة في نقاشات صياغة الدستور السوري التي تقودها روسيا، في الواقع دون نجاح حتى الآن، لكن لا يوجد لمبادرة روسيا أي بديل أميركي أو أوروبي. تنجح واشنطن في هذه الأثناء في صد نوايا تركيا بالسيطرة على المزيد من الأراضي في شمال سورية كي تقصي عنها قوات المتمردين الأكراد الذين يحظون بالدعم الأميركي. ولكن هذا دعم محدود ولا يطرح أي حل للأكراد أو لسورية.
الكابح الروسي ضد تركيا
إن النجاح الرئيسي لبايدن حتى الآن، سجل عندما أقنع الرئيس الروسي، فلادمير بوتين، بابقاء معبر حدودي واحد مفتوح مقابل ستة معابر كانت تعمل في السابق، حيث عبره يمكن للاكراد تلقي المساعدة. ولكن يبدو أن هذا الكابح المهم جدا ضد تركيا هو بوتين، الذي أوضح للرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، في اللقاء بينهما في سوتشي بأنه لن يسمح له بتوسيع سيطرته في سورية. رسالة مشابهة نقلها بايدن لاردوغان في اللقاء بينهما على هامش قمة "جي 20" الذي عقد، الاسبوع الماضي، في روما.
في مقابلة مع مجلة "مونيتور" قال قائد القوات الكردية في سورية، مظلوم كوباني، إن الولايات المتحدة نقلت للاكراد تعهدا بأنها لن تسمح لتركيا بالسيطرة على اراض اخرى، وأن تعهدا مشابها أُعطي لهم من روسيا. جملة الافتتاحية في هذه المقابلة، التي اوضح فيها كوباني بأنه "لا يهمنا اذا كان الأسد سيبقى أم سيذهب، المهم بالنسبة لنا هو حل لإقليمنا ولسورية بشكل عام... اذا تم تحقيق هذا الحل بوساطة الأسد فليكن. نحن على استعداد للجلوس مع كل من يمكنه تقديم حل".
بلغة دبلوماسية غير لطيفة أوضح كوباني بأنه "لا يوجد للولايات المتحدة خطة عمل شاملة فيما يتعلق بسورية، على الاقل لا توجد خطة أشركوا بها أي أحد. توجد سياسة ارتجالية، وفي هذه الاثناء تتلخص بالحرب ضد (داعش)". حتى رعايا واشنطن في سورية اصبحوا لا يثقون بقوة المظلة الأميركية التي وعدوا بها.
تعكس أقوال كوباني بشكل جيد ايضا افتراض الدول العربية. عشر سنوات من الحرب واكثر من نصف مليون قتيل ومليوني لاجئ، لم تنجح في ضعضعة نظام الأسد. وفي المقابل، دائرة النفوذ الايرانية اتسعت فقط.
اذا كانت ايران قبل الحرب في سورية مجرد دولة لها علاقات سليمة مع سورية، وحتى أنها كانت تعتمد على الخدمات اللوجستية وخدمات المواصلات، من اجل أن تستطيع تغذية "حزب الله"، فإنها في اعقاب الحرب تحولت الى الشريكة الاستراتيجية لسورية التي استبدلت التحالف مع الدول العربية. ترسخت روسيا كعامل حاكم في الدولة، التي في فترة حكم حافظ الأسد وفي سنوات الولاية الاولى لابنه بشار عرفت كيف تناور بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي سابقا، وبعد ذلك أمام روسيا.
في سنوات الحرب الاهلية في سورية كانت الولايات المتحدة هي الحاضر – الغائب. فقد امتنعت عن مهاجمة سورية عندما استخدمت سورية السلاح الكيميائي ضد مواطنيها، ولم تحرك ساكنا من اجل ابعاد الأسد عن الحكم، ولم تنجح في منع تركيا من احتلال اراض في سورية، وأساس جهودها كرسته للحرب ضد "داعش". خوف الرئيس الأميركي السابق، براك اوباما، من الوقوف ضد الأسد نبع في الواقع من رغبته في التوصل الى التوقيع على اتفاق نووي مع ايران، ولكن ايضا بعد التوقيع على الاتفاق امتنع اوباما عن اتخاذ أي خطوات هجومية أو سياسية ضد الأسد وابقى الساحة لروسيا وتركيا.
أول من شخص
أورث اوباما هذه السياسة لدونالد ترامب، الذي بدوره اورثها لبايدن. بعد ذلك جاء الانسحاب الأميركي المشوش والفوضوي من افغانستان، واتفاق سحب القوات الأميركية من العراق والضغط على السعودية للتوصل الى انهاء الحرب في اليمن، كل ذلك اجبر الدول العربية الرائدة على اعادة فحص سياستها في المنطقة، وبالاساس امام الولايات المتحدة.
من قرأ جيدا الخطوط العريضة للخارطة السياسية الجديدة هو حاكم الامارات ابن زايد، الذي سبق لصحيفة "نيويورك تايمز" أن اعتبرته "الرجل الاقوى في الشرق الأوسط". كان ابن زايد أول من فهم بأن الحرب في اليمن هي حرب عبثية ومن شأنها أن تعرض للخطر مكانته ومكانة دولته. فقرر في 2019 الانسحاب من الحرب وابقاء صديقه ونظيره، محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي والحاكم الرسمي فعليا، وحده في الجبهة. في الوقت ذاته، وقع مع ايران اتفاقات للتعاون الأمني استهدفت ضمان الملاحة في الخليج الفارسي وبالاساس منع هجمات صواريخ الحوثيين على بلاده. مرت سنتان الى أن فهمت السعودية ايضا بأن النجوم لا تنتظم لصالحها، وقررت البدء بحوار مع ايران بوساطة العراق.
هز ابن زايد مجلس التعاون الخليجي، الذي اعتبر خطأ ككتلة متماسكة ينسق السياسة الخارجية والاقتصادية لدول الخليج، ليس فقط عندما انسحب من الساحة اليمنية. فقد كان هو الاول من بين زعماء دول الخليج الذي وقع على اتفاق سلام مع إسرائيل. والآن، هو يطور علاقات دولته مع تركيا. في آب، أجرى ابن سلمان مكالمة هاتفية طويلة مع الرئيس التركي اردوغان ناقشت امكانية استثمارات واسعة النطاق في تركيا. بعد مكالمة هاتفية أرسل ابن زايد شقيقه الشيخ طحنون بن زايد، الذي يشغل منصب مستشار الامن القومي ورئيس مجلس ادارة شركة "صندوق الامارات الوطني"، من اجل الالتقاء مع اردوغان. كل ذلك في الوقت الذي كانت فيه حليفات الامارات، مصر والسعودية، تنظر الى تركيا كدولة معادية، أو على الاقل مشبوهة. وعندما كانت تركيا نفسها، خلافا لابن زايد، تعتبر الأسد شيطانا يجب إبادته.
على هذه الخلفية يمكن أن نفهم خطوة ابن زايد ازاء سورية، التي اعتبرها "فرصة تجارية"، من شأنها أن تضعه باعتباره رجل الدولة الاكثر اهمية والاكثر تأثيرا في الشرق الاوسط. تقلق هذه الخطوة واشنطن بالاساس؛ لأنها تمنح روسيا نقاط استحقاق لجهودها في اعادة الأسد الى الحضن العربي، وبدرجة اقل بسبب الجرائم التي ارتكبها الأسد. يبدو أن الادارة الأميركية ايضا لا توافق على تبرير ابن زايد، الذي يحاول أن يعرض منظومة أوان مستطرقة بين العناق العربي للأسد وبين انفصاله عن طهران. ليس فقط أن ابن زايد أو زعماء عربا آخرين لا يطلبون من الأسد الانفصال عن ايران كشرط لدخوله من جديد الى النادي العربي، بل لا توجد للأسد أي مصلحة في الانفصال عن ايران. لأنه الى جانب المساعدة الاقتصادية والعسكرية التي يحصل عليها من ايران فإنه يستطيع أن يستخدم التحالف معها وسيلة ضغط حيوية، سواء في الشرق الاوسط أم امام الغرب، حتى عندما سيحصل من جديد على شرعيته.
من ناحية إسرائيل، العلاقة الجديدة بين الامارات والأسد لا يتوقع أن تغير استعدادها أمام سورية. حرية النشاط العسكري لها في سورية تستند الى موافقة روسية ترى في هذه الاثناء من المنظار الإسرائيلي ذاته. سورية منذ فترة طويلة ليست المعقل الاستراتيجي الذي هدد أمنها أو احتاج الى تجند سياسي ومفاوضات واعطاء اراض من اجل انهاء هذا التهديد. بالنسبة لإسرائيل فإن استمرار حكم الأسد والشرعية العربية التي سيحصل عليها يشكلان مصادقة لها على الصعيد التكتيكي، ولروسيا على الصعيد الاستراتيجي، لمواصلة سياستهما.
عن "هآرتس"
