الكونفيدرالية.. غطاء لاستمرار الاحتلال

حجم الخط

بقلم: شلومو افنري

 


أراد المحامي يوئيل زنغر والبروفيسور مني ماوتنر الإجابة في مقالهما تحت عنوان "مع ذلك كونفيدرالية" ("هآرتس"، 5/11) عن عدد من الاعتراضات التي أُثيرت حول اقتراحهما لحل النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين من خلال اقامة كونفيدرالية بين إسرائيل وفلسطين.
ولكن مفهوم كونفيدرالية ضبابي بشكل خاص. ورغم أنه يظهر في كتب التعليم إلا أنه لا توجد، الآن، في العالم أي كونفيدرالية (سويسرا تسمى احيانا كونفيدرالية لأسباب تاريخية، لكنها دولة فيدرالية وبحق مثل الولايات المتحدة وألمانيا). الحل الذي اقترحه زنغر وماوتنر هو حلم خيالي. وهم لا أساس له. ويتوقع فقط أن يضخم المشكلات التي يريد حلها. وهاكم بعض المشكلات الجوهرية التي لن تحلها فكرة الكونفيدرالية.
الحدود: أشار زنغير وماوتنر الى أن مشكلة الحدود ستصعب تحقيق حل الدولتين، حيث إن موقف الفلسطينيين يرتكز إلى الخط الاخضر، في حين أن موقف إسرائيل، حتى المواقف الاكثر اعتدالا، يطالب بضم جزء من المستوطنات على الاقل. ولأن حل الكونفيدرالية يرتكز الى كيانين يجب أن يتم رسم حدودهما بوضوح فإن المشكلة بقيت على حالها، لأنه من الواضح أنه لن تكون هناك موافقة إسرائيلية على أن يعيش مئات آلاف سكان المستوطنات، بهذا الشكل أو ذاك، تحت حكم الفلسطينيين. وفي المقابل، يطالب الطرف الفلسطيني بتفكيك مطلق لجميع المستوطنات.
السيادة: أكد الكاتبان على أن الكونفيدرالية سترتكز على وجود دولتين سياديتين مع ممثليات دبلوماسية منفصلة في العالم وفي الأمم المتحدة (ستتم مناقشة ذلك فيما بعد). هذا جيد. ولكنهما اضافا على الفور إن إسرائيل ستواصل الاحتفاظ بـ"المسؤولية الحصرية عن الأمن الخارجي، أي عن الدفاع امام تهديدات خارجية". وسيكون لها حق التدخل في فلسطين اذا حدثت فيها تغييرات راديكالية يمكن أن تعرض أمنها للخطر.
يدور الحديث عن خدعة. هذه ليست علاقات تعكس احترام سيادة متبادلا بين شركاء في الكونفيدرالية، بل علاقات بين دولة ذات سيادة مع بانتوستان. فعليا، هذا استمرار للاحتلال تحت اسماء مغسولة بطريقة ذكية. هل زنغر وماوتنر حقاً يؤمنان بأن هناك أي جهة فلسطينية ستوافق على ذلك في اطار ما سيسمى الكونفيدرالية بين كيانين سياديين؟
اضافة الى ذلك، قال زنغر وماوتنر، إن سكان المستوطنات الذين سيبقون في اراضي فلسطين سيواصلون كونهم مواطنين إسرائيليين. في هذا الوضع هم يستطيعون ليس فقط التصويت والتنافس في انتخابات الكنيست، بل ايضا سيخدمون في الجيش الإسرائيلي، وربما سيتم وضعهم في المستوطنات وربما سيتولون دورا في الدفاع عنها. من الواضح أن هذا ليس كونفيدرالية متساوية بين طرفين. في الهامش، يمكن ذكر المنهاج التعليمي الذي يتم تدريسه، الآن، في السلطة والذي تُعرض إسرائيل فيه ككيان كولونيالي ينفذ جرائم حرب، والتي نهايتها أن تختفي من العالم. فهل هذا الوضع سيستمر أم أنه سيحفظ لإسرائيل الحق في الفيتو على المناهج التعليمية في الجزء الفلسطيني من الكونفيدرالية؟ هذه الأوضاع غير المعقولة ستزداد كلما تعمقنا في الموضوع. لم يبق الكثير من السيادة للمكون الفلسطيني الذي سيتحول فعليا الى منطقة حماية إسرائيلية كليا.
القدس: يتحدث زنغر وماوتنر عن مدينتين طبقا للطابع العرقي في احياء المدينة. المعنى هو أن الاحياء اليهودية الجديدة في شرقي المدينة، في المنطقة التي ضمت لإسرائيل، ستبقى تحت سيطرة إسرائيل، ولا نريد التحدث عن أنه لا يوجد أي حل لمسألة البلدة القديمة والاحياء العربية التي توجد في شرقي القدس (الشيخ جراح مثلا لمن نسي ذلك). وهناك جزئية صغيرة اخرى وهي هل ستكون لسلطات إحدى المدينتين الصلاحية لملاحقة مشبوهين في الشطر الآخر للمدينة أم أنه ستكون هناك حاجة الى إجراءات تسليم مثلما هو متبع بين كيانين سياديين؟
الحرم: أفهم نفسية الكاتبين اللذين يفضلان تجنب مواجهة موضوع الحرم. من بالضبط سيضمن أن المصلين اليهود في "حائط المبكى" لن يتم رشقهم بالحجارة التي سيتم رميها عليهم من ساحات الحرم؟ هل سيتمكن اليهود من زيارة ساحات الحرم؟ واذا استطاعوا ذلك فمن الذي سيراقب دخولهم ويحافظ على أمنهم؟ ومن الذي سيمنعهم من الصلاة بشكل جماعي في ساحات المساجد؟ كلمة كونفيدرالية لا توفر وبحق الاجابة عن هذه الاوضاع التي هي هشة ايضا، الآن. الامور ستكون معقدة وحساسة اكثر في وضع فيه سلطتان سياسيتان تكونان كما يبدو عضوتين في تحالف كونفيدرالي.
المواطنة والتشغيل والسكن: هل يمكن للمواطنين الفلسطينيين العمل بشكل حر في إسرائيل والعيش فيها؟ هل ستستطيع الشركات الإسرائيلية الاستثمار في فلسطين؟ في واقع فجوة اقتصادية عميقة جدا بين فلسطين وإسرائيل فمن غير المعقول ابقاء هذه المواضيع المهمة لقوة السوق.
العملة: منذ العام 1967 تستخدم في "المناطق" العملة الإسرائيلية. فهل سيستمر هذا الوضع أو أنه سيكون لفلسطين "السيادية" عملة خاصة بها؟
مؤسسات مشتركة: من الصعب التحدث عن نشاط منظم وسليم ومقبول لمؤسسات مشتركة لدولة ديمقراطية مع دولة يبدو أنها لن تكون ديمقراطية، ربما ستكون "حماس" ممثلة في مؤسسات حكمها. كيف ستكون تركيبة المؤسسات المشتركة، متكافئة أو مع اغلبية إسرائيلية على اساس عدد السكان؟ وبالطبع المسألة الاساسية التي لم ينتبه اليها كليا زنغر وماوتنر وهي من الذي سيحسم في حالة وجود خلافات في هذه المؤسسات المشتركة؟ هل الولايات المتحدة أم الامم المتحدة أم محكمة الجنايات الدولية في لاهاي أم مندوب سامٍ يتم تعيينه من قبل مجلس الأمن (مثلما في البوسنة)؟
التمثيل الدولي: كل كيان من كياني الكونفدرالية يمكنه أن يكون عضوا في الامم المتحدة. لأنهما يعتبران دولا سيادية. هل يستطيع أي منهما تقديم شكاوى في مؤسسات الامم المتحدة ضد الكيان الثاني مثلما يحدث، الآن، أم أن هذا سيمنعان من هذا؟ ايضا السفارات، يمكن الافتراض، ستنشغل في الاساس في طرح المواقف المختلفة أمام الدول المختلفة في عواصم العالم؟ هذا غريب بدرجة ما.
من اجل عدم تعقيد الامر اكثر، لن اتطرق الى مسألة اللاجئين وحق العودة.
الخلاصة: تبني مفهوم لاتيني مثل كونفيدرالية لن يحل أي مشكلة، بل بالعكس. فمحاولة تطبيق فكرة الكونفيدرالية فقط ستعمق وترسخ أي نزاع وطني. وستفتح مدخلا لحرب اهلية. هذا ايضا هو السبب في أن جميع المحاولات التي بذلت في السابق لحل نزاعات قومية في اطار الكونفيدرالية، مثلا في يوغسلافيا وفي البوسنة وفي قبرص وحتى في الاتحاد السوفييتي وتشيكوسلوفاكيا، فشلت فشلا ذريعا لأنها لم تحل المشكلة الاساسية. من في نهاية الامر سيسيطر على الارض، وهل الحديث يدور عن دولة واحدة أو دولتين (أو اكثر)؟
إن نوايا اتباع الكونفيدرالية حسنة، لكن اقتراحاتهم لا تحل أي مشكلة، بل فقط تعمق المشكلات القائمة. ورغم أن حل الدولتين صعب التنفيذ ضمن الشروط القائمة، إلا أنه الحل المحتمل الوحيد. وكل الحلول الاخرى هي اوهام. ولن يتم حل أي مشكلة من المشكلات التي تقف كعقبة امام حل الدولتين عن طريق الكونفيدرالية، بل بالعكس.

عن "هآرتس"