منتجات المستوطنات والعمل فيها

زياد ابو زياد.PNG
حجم الخط

بقلم:المحامي زياد أبو زياد

 

تداولت وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة نبأ اعتقال عدد من ‏الأشخاص من بينهم وزير الاقتصاد الأسبق الأخ مازن سنقرط وسط ‏تكهنات واشاعات لم تخل من الخيال الجامح والشطط. ولم يمض يومان ‏إلا وتم الافراج عنه وإصداره بياناً للرأي العام يؤكد أن لا أساس لما ‏أشيع وأنه حر يمارس حياته وعمله كالمعتاد. ولا يستطيع المراقب إلا ‏طرح عدد من الأسئلة تفرض نفسها بإلحاح. أولها عملية الاعتقال بحد ‏ذاتها وثانيها الإعلان عنها وترك المجال مفتوحا ً أمام وسائل التواصل ‏على مدى يومين لتداول اشاعات أقل ما يُقال فيها أنها شكلت إساءة ‏للرجل ولسمعة السلطة الفلسطينية وللاقتصاد الفلسطيني بشكل عام.‏
فالرجل هو شخصية مقدسية مرموقة وهو من رجال الصف الأول في ‏القطاع الاقتصادي وهو وزير سابق وعضو في مجلس الأوقاف وفي ‏العديد من مجالس الشركات والجمعيات الأهلية واعتقاله ومحاولة تشويه ‏صورته لا شك بأنها تسيء لكل ما هو ينتمي إليه أو يمثله. فكيف يتم ‏اعتقال رجل بهذه المواصفات فقط لشبهات دارت حوله أو اشاعات ‏مغرضة بثها بعض خصومه.‏
والكل يدرك أن هناك حملة ممنهجة لتشويه صورة السلطة الفلسطينية ‏ودمغها بالفساد ولا شك بأن اعتقال وزير سابق يعزز هذه الحملة ويسهم ‏في تقويتها وبالتالي يخدم من يحاولون تشوية سمعة السلطة والانتقاص ‏من قدرتها على إدارة الشأن الوطني، ولا شك بأن اعتقاله يلحق أيضا ‏ضربة بالاقتصاد الوطني ويزعزع الثقة بالتعامل معه وخاصة فيما يتعلق ‏باستيراد المنتجات الفلسطينية.‏
وإذ أقول هذا فإنني أؤكد بأن أحدا ليس فوق القانون وأن العدالة يجب أن ‏تأخذ مجراها وأن كل شخص أيا ً كان موقعه، يجب ألا يكون محصنا ‏ضد المحاسبة والمساءلة. ولكني أعتقد في نفس الوقت بأن تطبيق القانون ‏وتحقيق العدالة يجب أن يتم أيضا في سياق القانون وبالأخذ في الاعتبار ‏مبدأ كل متهم بريء حتى تثبت ادانته. ‏
وفي الحالة التي أمامنا وبالأخذ بعين الاعتبار المواصفات والصفات التي ‏يحملها الرجل فقد كان الأجدر التعامل معه حسب الأصول المتبعة في ‏أكثر الدول عراقة في النزاهة واحترام حكم القانون. وأعني أنه كان يجب ‏على الشرطة والنيابة بما في ذلك نيابة هيئة مكافحة الفساد البحث ‏والتحري وجمع الأدلة القطعية قبل الاعتقال ومن ثم استدعاء الشخص ‏المعني الى جلسة تقصي واستيضاح بدون ضجيج اعلامي ومواجهته بما ‏لديها من معلومات واعطائه الفرصة لتوضيح الأمر من جانبه سواء نجح ‏في دحضه أم لم ينجح وبعد ذلك إجراء المقتضى القانوني على ضوء ما ‏تخلص إليه من استنتاجات بعد جلسة التقصي والاستيضاح لا أن تقوم ‏باعتقال دراماتيكي يثير الاشاعات والتقولات ثم يتمخض الجمل فيلد فأراً.‏
وفي معزل عما قلته أعلاه فإنني لا أجد مناصا من تناول موضوع ‏منتجات المستوطنات بشكل عام وما يجري بشأنها، وحالة انفصام ‏الشخصية التي نعاني منها. فنحن نطالب العالم بمقاطعة منتجات ‏المستوطنات ونهلل ونكبر كلما سمعنا أحدا ً يقرر مقاطعتها أو يؤيد ‏مقاطعتها، ولكننا نحن أنفسنا لا نقوم بذلك. فنحن نبني المستوطنات ‏ونعمل في مصانعها وحقولها ولم ننجح بعد ربع قرن من قيام السلطة في ‏وضع استراتيجية وطنية لكيفية معالجة هذه الظاهرة وتجفيف مصادر ‏الأيدي العاملة بالمستوطنات باعتبار أن تلك هي الوسيلة الأنجح للحد من ‏نمو المستوطنات عمرانيا ً واقتصاديا. ‏
والأدهى من ذلك هو أن هناك تجار فلسطينيون يقومون بتهريب منتجات ‏المستوطنات الى الأسواق الفلسطينية رغم محاولات المنع التي تقوم بها ‏الجهات المختصة ونجاحها بذلك بين الحين والآخر ولو بشكل جزئي ‏جدا. ولم يعد من المستغرب وجود تلك المنتجات معروضة في الأسواق ‏التجارية “على عينك يا تاجر” حتى في منتصف رام الله. وهناك تجار ‏فلسطينيون لهم “كوتا” لتصدير بعض المنتجات الزراعية التي من ‏انتاجهم الى الخارج، ولكن تلك الكوتا أكبر من محاصيلهم فيقومون ‏بشراء منتجات المستوطنات سرا ً وتصديرها على أنها منتجات ‏فلسطينية. ويبقى السؤال الى متى! ‏
إن كل ما يتعلق بطريقة تعاملنا مع المستوطنات وعملنا بشكل غير ‏مباشر على تثبيت وجودها فوق أراضينا لهو أمر يرقى الى درجة الخيانة ‏الوطنية. فالموضوع لا يُعالج بالتصريحات النارية ولا ببيانات الشجب ‏والإدانة وإنما علينا أن نبدأ بمحاسبة أنفسنا كشعب ومؤسسات وشركات ‏ومنظمات مجتمع مدني بما فيها نقابات العمال والأفراد.‏
نحن نواجه احتلال استيطاني بمعنى أنه ليس احتلالا ً عسكريا فحسب، ‏بل هو احتلال إحلالي جاء بشعبه الى أرضنا لإحلالهم مكاننا ولطردنا من ‏هذه الأرض بشتى الوسائل التي تتاح له بما في ذلك تضييق سبل العيش ‏أمامنا لحملنا على الهجرة والرحيل. ولا شك بأن الأمر كان يمكن أن ‏يكون أسهل عليه لو لم تكن هناك سلطة تجسد الكل الفلسطيني داخل ‏الأراضي المحتلة. ولكن هناك مساحات ومجالات واسعة جدا ً للعمل لا ‏تزال السلطة قاصرة عن العمل فيها لانشغالها بالشأن اليومي من جهة ‏وبالشأن المظهري لاعتقادها بأنها دولة، ولافتقارها للشرعية الانتخابية ‏التي لو وجدت لكانت أقوى داعم ورافد لتمكين السلطة من القيام بهذا ‏الدور الوطني الذي ما زالت عاجزة عن القيام به. ‏
وأخيرا ً أقول بأن مشكلتنا الأساسية هي الاستيطان والمستوطنات وأن ‏الأمر الذي يجب أن يكون شغلنا الشاغل وعلى رأس جدول أعمالنا ‏الوطني هو كيف التصدي لعنف المستوطنين واعتداءاتهم ضد أبناء شعبنا ‏وممتلكاتهم وكيف وقف هذا التمدد الاستيطاني من خلال تجفيف كل ‏الموارد التي ترفده بالقدرة على الاستمرار بدءا بالأيدي العاملة في البناء ‏والمصانع والمزارع ومرورا بمقاطعة منتجاته. وإذا لم يتم ذلك فإن علينا ‏أن نعترف بأننا لم نصل حد النضج الوطني ولا نستحق لا دولة ولا ‏حرية ولا استقلال. ‏