جبهة الموساد الجديدة

يوسي كوهين
حجم الخط

الكثير من قدماء الموساد اشتاقوا في الأسابيع الأخيرة إلى الفترات التي كانت فيها شؤون الموساد تتم بسرية. المنافسة العلنية على رئاسة الجهاز والتي تبدو أحيانا مثل المنافسات التلفزيونية وصلت إلى ذروتها في البلاغ المتأخر ببث حي حول الفائز، الأمر الذي دفعهم إلى التحرك بدون راحة والتساؤل اذا ما حدث شرخ في موضوع السرية ولا يمكن إعادة اصلاحه.
الجواب البسيط هو أن الايام ستجيب على ذلك. والجواب الاكثر تعقيدا هو أن الموساد ورجاله سيضطرون إلى ملاءمة أنفسهم مع الواقع القائم، بأفضلياته وسلبياته. يوجد الكثير من الايجابيات في العمل حين يكون التنظيم مغلق أمام الانتقادات الخارجية التي تلزمه بالحفاظ على معايير مهنية وقيم عالية. من المشكوك فيه أن تكون وسائل الإعلام جزءا من هذه العملية حينما يكون التنظيم سريا، حيث أن كل اعماله تتم خلافا للقانون.
هذا التوتر بين العلني والسري يرافق دائما أعمال الموساد. ولا يعرف أحد من الجمهور ما هي الاعمال التي نفذها التنظيم باستثناء تلك التي يُقتل فيها أحد ما أو يتفجر شيء أو عند حدوث خلل. من هنا فإن حكم الجمهور حول ماذا ومن نجح، ومن نجح أقل، توجد هنا سطحية حتى لو كان ما ينشر هو طرف جبل الجليد فقط لما يحدث في الواقع.
سيد إسرائيل يريد رؤية جنرالاته مثل جيمس بوند: يقتلون السيئين ويتملصون ويحظون بفتاة. أعطوه رئيس موساد – شاباك – رئيس هيئة اركان كهذا وهو سيؤدي التحية لهم إلى الأبد. لا توجد له القدرة على الحكم على الصورة الكاملة للعمليات الاستخبارية والدبلوماسية في عالم تكنولوجي مركب يتطلب عملا في الحاضر واستثمارا في المستقبل. وهناك أيضا الملكات المطلوبة من اجل العمل بنجاح.
الوحيد الذي يحظى بصورة كهذه هو رئيس الحكومة- قائد الموساد- الذي من المشكوك أن لديه الوقت لإدارة التنظيم فعليا. والتي يفترض أن تساعده في ذلك هي اللجنة الثانوية للخدمات السرية في لجنة الخارجية والامن في الكنيست التي تطلع على التفاصيل، لكنها لا تملك الصلاحيات والاسنان. أما الباقي (حكومة والطاقم الوزاري للشؤون الأمنية والسياسية) خارج اللعبة. حول الشفافية من النوع الأميركي والاستجواب العلني للمرشحين من النوع الذي مر به هذا الأسبوع نتنياهو في الكنيست حول موضوع الغاز، لا مجال للحديث أبدا.
في ظل هذا الوضع، النقاش يتحول إلى شعارات. من بين الألقاب التي منحت للمرشحين – "عارض الأزياء" (يوسي كوهين)، "الكيبوتسي" (رامي بن براك) و"المظلي" (ن. نائب رئيس "الشباك" السابق) – حول ملاءمتهم وقدرتهم على ادارة التنظيم؟ وإلى أي حد كان من شاركوا في الأسابيع الأخيرة في الجدالات والنقاشات حول المرشح المناسب من بين الثلاثة، مطلعين على التفاصيل، أم أنهم رددوا إشاعات غير دقيقة سمعوها من الآخرين؟ انحطاط النقاش مقلق، لأنه يبحث عن الآن وهنا – الفائز، الخاسر، العنوان – أكثر من الاجراءات المهنية الملائمة وبعيدة المدى. لأن الامر كذلك فانه يدفع المرشحين ليكونوا كذلك: بشكل منفصل عن طابعهم ومعاكس لكل ما هو مطلوب لتنظيم أمني خصوصا تنظيما أمنيا سريا قد يكون الكشف عن عملياته أو رجاله هو الفرق بين النجاح والفشل، بين الحياة والموت.
مخادع جريء التفكير
لدى يوسي كوهين جميع الإمكانيات التي تجعل منه رئيس موساد جيدا. إنه متميز وذكي ويعرف الجهاز ويعرف العالم الذي خارجه، هو صغير السن نسبيا وجائع بما فيه الكفاية. وهو يحظى أيضا بعلاقة حميمية مع بنيامين نتنياهو. هذه الافضلية تشكل خطرا أيضا: من يُشغله ليس رئيس الحكومة بل شعب إسرائيل، من خلال رئيس الحكومة. في هذا التوسط يمكن أن يحظى رئيس الموساد بمساحة ليونة كافية ليقرر ماذا هو ومن هو. مئير دغان – رئيس مركز الانتخابات لاريئيل شارون الذي تم تعيينه من قبله ليكون رئيس الموساد – وضع لنفسه خط نشاط مستقلا، وأحيانا مناقضا لخط شارون. تمير باردو – ضابط الصلة ليوني نتنياهو في عنتيبي، الذي تم تعيينه من قبل أخيه لرئاسة الموساد – اختار هو أيضا الخط الذي تسبب احيانا بالصدام مع نتنياهو. في الحالتين تم الأمر في حدود الملعب وكجزء من الرسمية: يعملون لدى رئيس الحكومة، لكن ليس من اجله.
سيضطر كوهين إلى الاختيار قريبا من هو وماذا يريد. لن يضطر إلى وقت من اجل التعلم لأنه لم يأت من الخارج مثل دغان. فهو يعرف الموساد جيدا ويعرف طبيعة عمله وخططه ورجاله. هو بحاجة ليقرر فقط أن يأخذه: من الناحية التنفيذية والتنظيمية والشخصية.
الجزء الأول التنفيذي هو الأساس، وجوهر عمل الموساد. كوهين مليء بالأوسمة المبررة بسبب قدرته كمُشغل في قسم "المفترق": مبدع، مخادع، شجاع التفكير والعمل. الآن سيُطلب منه أن يأخذ هذه القدرات إلى اماكن غير معروفة بالنسبة له، فرئيس القسم أو نائب رئيس الجهاز ليس مثل الرئيس نفسه – المسؤولية المباشرة والوحيدة لكل عملية وعن مئات الاشخاص الموجودين في كل لحظة في عملية معينة في أرجاء العالم. هذه المعلومة وحدها ردعت في السابق رؤساء موساد عن العمل وآخرين ازدهروا بفضلها. كوهين الذي يعمل تحت رئيس الحكومة الحذر من المخاطر، سيضطر إلى النظر إلى رجال العمليات التابعين له في عيونهم، ويتخذ القرار.
في المقابل، يجب أن يقرر خط العمل. النصف الثاني من فترة دغان وفترة باردو كلها ركزت على المشروع النووي الايراني. كانت هذه مهمة الحياة بالنسبة للموساد. يمكن ملء صفحات كاملة حول ما اذا نجح الجهاز أو فشل: حكمة الجموع تميل بشكل طبيعي باتجاه الفشل. فرغم كل الجهود استطاعت ايران الاقتراب من الحد النووي.
تميل الحقيقة لكفة الايجاب: كل دولة قررت وضع امكانياتها من اجل تحقيق السلاح النووي، حققت ذلك خلال عشر سنوات. وايران بدأت تهتم بالسلاح النووي منذ 1984 في ذروة حربها مع العراق. ومنذ ذلك الحين مرت 30 سنة وما زال السلاح النووي غير موجود لديها. ليس كل شيء مرتبطا بإسرائيل وبمسؤوليتها. ومع ذلك – اذا ربطنا الأفعال التي نسبت إليها (قتل العلماء وتفجير الطائرات واعمال سايبر اخرى)، إضافة إلى العقوبات الدولية التي بادرت اليها إسرائيل، فان النتيجة لن تكون سيئة.
إلا أن كل هذا ليس من الماضي، سيكون على الموساد الاستمرار في متابعة إيران للتأكد من أنها لا تعمل سرا لتطوير السلاح النووي وأيضا من أجل متابعة عمليات التمويل والتدريب للارهاب في الشرق الاوسط، لكن في ظل الاتفاق مع القوى العظمى أعطيت للموساد فرصة للاهتمام بأعمال وشؤون اخرى وعلى رأسها الأسلام المتطرف – داعش والقاعدة – والمخاطر والفرص التي تنتصب أمام إسرائيل.
أيد باردو في منتصف ولايته هذا التغيير في الاتجاه مثل زملائه في الاجهزة الامنية (رئيس هيئة الاركان ورؤساء الشباك والاستخبارات العسكرية). إنه يعتبر الموضوع الفلسطيني المشكلة الاساسية لإسرائيل، وبالتالي فهي المفتاح للتهدئة أو لتحسين مكانة إسرائيل في المنطقة. الالتقاء الممكن والخطير بين الموضوع الفلسطيني (الداخلي) وبين الإرهاب الراديكالي، سيحول الموضوع إلى مُلح أكثر في ولاية كوهين. على الجدول: تحالفات اقليمية ودولية أو الامتناع عنها، الامر الذي سيحول إسرائيل إلى معزولة أكثر فأكثر، إلى حد كبير سيكون هذا هو السؤال أمام كوهين كرئيس للموساد، والاهم أكثر من عدد جماجم المخربين التي ستكون على حزامه.
بعد تعيينه فورا قال كوهين إنه يلتزم بأن "ينفذ اعمالا جيدة لإسرائيل"، والشبكة الاجتماعية كانت صاخبة بالردود: هناك من تساءل اذا كان ينافس رامي ليفي، وهناك من طلب أن يركز على 4 و100 وليس 1 مقابل 1. هذه الجملة التي ستدخل إلى الفولكلور جاءت تحت الانفعال من التعيين، لكن من الاجدر أن يبتعد كوهين بسرعة عن طريقة التفكير هذه: العمليات التي سينفذها لن تخضع لحكم الجمهور وتصويته، وأصلا لن يتم تقييمه من قبل شعب إسرائيل بل من قبل رئيس الحكومة والحكومة. اذا مهمته هي ليس انتاج عمليات بل احضار الهدوء من حوله ومن حول الجهاز، وبالذات الهدوء لدولة إسرائيل من التهديدات التي تحيط بها.
باردو الذي لم يرغب بأن يكون كوهين وريثه، قال عنه وبحق إنه مناسب، وأن لديه جميع المقومات لقيادة الموساد بنجاح. في الطريق إلى هناك سيضطر إلى الانفصال عن معانقيه الكثيرين من السياسيين مرورا بالمؤسسة الدينية التي تعتبره رسولها وحتى رجال الاعمال الذين يريدون البقاء بالتأكيد في ظل المجد والسرية، لكنهم قد يعيبون على فرص نجاحه، أي على أمننا.

هآرتس
يوآف ليمور   11/12/2015