باستطاعة حكومة بينيت – لبيد – ليبرمان بلورة «إستراتيجية عليا» لإسرائيل

زلمان-شوفال.jpeg
حجم الخط

بقلم: زلمان شوفال



"الاستراتيجية العليا" تعريف لتخطيط أهداف بعيدة المدى للأمة في جملة مواضيع حيوية. يوجد للصين كهذه (مغلوطة أم صحيحة، سيتبين في المستقبل)، وبالنسبة للولايات المتحدة والغرب بعامة من الصعب تشخيص وعي مميز في هذا الشأن، لا في الشؤون الداخلية ولا في مواضيع الخارجية والأمن، مع التشديد على العلاقات المعقدة مع الصين.
تغذي هذه الحقيقة جدالاً يقظاً ليس فقط في الساحة السياسية، بل أيضا في الساحة الأكاديمية.
فمؤخراً نشرت مثلا ثلاثة كتب في هذا الشأن، فيما أن الكتاب الذي أثار الاهتمام الاكبر بينها هو "استراتيجية النكران" بقلم البريدج كولبي، المسؤول الكبير السابق في البنتاغون والشريك في صياغة استراتيجية الدفاع الأميركية في 2018، والذي يعتقد انه من اجل وقف ميول التوسع الصيني (التي برأيه واضحة تماما)، على أميركا وحلفائها أن ينظروا في اتخاذ أعمال حربية محدودة قبل أن يفوت الأوان. رأيه في هذا الشأن يشبه، بالمناسبة، نظرية هنري كيسنجر في الماضي حول الحرب النووية المحدودة. آخرون يعربون بالطبع عن آراء مختلفة ويعلقون آمالهم بفرص العولمة والمصالح التجارية المتبادلة بين أميركا والصين، ولكنهم هم أيضا لا يتجاهلون التهديد الصيني.
وماذا في إسرائيل؟ رغم انه في حينه لم يعرف أحد ما رسميا "استراتيجية عليا"، فان معظم خطوات بن غوريون، وقبل ذلك كل المشروع الصهيوني – بناء الجيش الاسرائيلي وتحديد عقيدة الامن، ديمونا، تحديد الاهداف السياسية، "احتلال القفر"، اقامة مدن جديدة، بناء بنى تحتية، جمع المنافي ومواضيع قومية عديدة اخرى – شكلت عمليا نموذجا واضحا لتجسيد استراتيجية عليا ناجحة في معظمها. بعد مهلة معينة، شرعت فترة نتنياهو بخطوة اختراقية جديدة: نمو اقتصادي غير مسبوق، تقليص البطالة، تنمية المقدرات الطبيعية، تحويل اسرائيل قوة عظمى تكنولوجية، توسيع البنى التحتية، والى جانب ذلك التعاظم العسكري، ومنع الحروب، وادارة استراتيجية ناجعة ضد فروع ايران في المنطقة، تفاهمات براغماتية مع روسيا إلى جانب تعزيز العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة، وأولا وقبل كل شيء قلب الجرة السياسية على فمها واقامة منظومة سلام وتطبيع مع قسم مهم من العالم العربي.
تتمتع الحكومة الحالية ببقايا الاستراتيجية لحكومات نتنياهو ولكن السؤال هو كم من الوقت، وفي اي ظروف؟ لحكومة بينيت – لبيد – ليبرمان نجد أن مفهوم "الاستراتيجية العليا" ليس فقط غريبا بل متعذر، ليس فقط بسبب المعطيات الشخصية، بل اساسا بسبب التنوع السياسي لعناصرها. فكيف مثلا ستعمل حين تقف أمام قرارات مهمة حقا، سواء أكانت القنصلية الأميركية في القدس أم امورا ذات تداعيات خطيرة كالمواجهة مع ايران والتي وفقا لمؤشرات معينة يقترب الحسم بشأنها؟ في خطوط عامة يمكن تعريف سياسة الخارجية لحكومة التغيير، مثلما عبرت عن نفسها في لقاء بينيت – بايدن وكذا في اللقاء الذي بين يئير لبيد ووزير الخارجية بلينكن، كاعتماد مطلق، يقترب احيانا من التسليم، على ادارة بايدن. ومع انه بالتأكيد ينبغي تبرير كل جهد اسرائيلي، مهما كانت الحكومة، لتبث على الموجة ذاتها مع واشنطن، كائنا من يكون الرئيس، توجد مواضيع لا يمكن تكنيسها تحت البساط، مثل القنصلية آنفة الذكر او مكافحة الارهاب وقضية NSO وبالطبع ايران.
يبدو أن في خلفية نهج الحكومة، الذي يبدو أحيانا نهج هواة في موضوع العلاقات مع الولايات المتحدة، توجد ترددات وعدم فهم للواقع الحالي في السياسة الأميركية والتي علاماتها البارزة هي التآكل في مكانة الرئيس بايدن، والمواجهة المتطرفة في المجتمع الأميركي، تآكل الكثير من القيم الديمقراطية التي ميزت الذكرى الأميركية – ظاهرة تجد تعبيرها أيضا في اللاسامية المتعاظمة، وكنتيجة لذلك في المواضيع الإسرائيلية أيضا.
اذا حاكمنا الأمور وفقا للإخفاقات الأخيرة للديمقراطيين في التصويتات في فيرجينيا، نيوجيرسي، ومينسوتا، يحتمل ان تكون نشأت معارضة في أوساط الناخبين الديمقراطيين للميل المبالغ فيه لحزبهم نحو اليسار. في كل الأحوال، ينبغي للسياسة الخارجية الإسرائيلية أن تكون واعية وموضوعية كي تضمن أهدافها في كل حال.
من هذه الناحية، العلاقات مع أميركا، وعلى رأس ذلك مع يهود أميركا، هي مسألة مكانها في "الاستراتيجية العليا" لدينا، اذا ما كانت لنا كهذه.     

عن "معاريف"