التقدير السنوي للجيش الإسرائيلي: أربعة أسباب ساهمت في تحسُن الوضع الأمني

رون بن يشلي.jpeg
حجم الخط

بقلم: رون بن يشاي*


تقدير الوضع السنوي للجيش الإسرائيلي، والذي يُنشر للمرة الأولى، يرى أن وضع الأمن القومي لدولة إسرائيل تحسّن بصورة معتدلة في العام الماضي. والسبب أن معقولية شن حرب استباقية ضد إسرائيل من طرف أعدائها لا يزال ضئيلاً كما كان عليه في العامين الماضيين، وكذلك القابلية للانفجار (احتمالات حدوث تصعيد مفاجئ وغير منتظر)، التي كانت مرتفعة في الأعوام الأخيرة، تراجعت إلى حد كبير في الساحة الشمالية. في تقدير الجيش الإسرائيلي، الحساسية لا تزال كبيرة في الساحة الغزّية، وكذلك في الضفة الغربية، لكن احتمال اشتعال مفاجئ للجبهة اللبنانية والسورية والعراقية بسبب حوادث تتعقد وتؤدي إلى تصعيد، تراجع في سنة 2021، وسيبقى كذلك في العام المقبل. وهذه أخبار جيدة شرط ألاّ تؤدي إلى عدم مبالاة الجيش.
ثمة سبب إضافي للتفاؤل في قيادة الجيش هو إقرار ميزانية الأمن، وبينها ميزانية الجيش، وهو ما يسمح بتسريع المشتريات والتسلح والتدريبات للنظاميين والاحتياطيين في العامين المقبلين. تجدر الإشارة إلى التحسن الملموس المتوقع حدوثه في الأعوام المقبلة في قدرات الجيش على المواجهة بواسطة وسائل دفاعية وهجومية إزاء تهديد الصواريخ والمسيّرات على الجبهة الداخلية والمنشآت الاستراتيجية الحيوية، وعلى القوات في الجبهة.
التحسن المعتدل في وضع الأمن القومي ينسبه الجيش الإسرائيلي إلى 4 عوامل:
الأول، بروز تراجُع واضح في تطور التهديدات في الساحة الشمالية: كبح التمركز العسكري الإيراني في سورية، وفي الأساس بالقرب من الحدود مع إسرائيل، وتباطؤ تعاظُم القوة العسكرية لحزب الله والميليشيات الموالية لإيران وتزوُّدها بسلاح استراتيجي نوعي دقيق (صواريخ ومسيّرات من كل الأنواع)، وعرقلة التزود ببطاريات دفاع جوي من إنتاج إيران تهدد حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي في المنطقة. وهذه نتيجة مباشرة للمعركة بين الحروب التي يخوضها الجيش في الساحة الشمالية.
ثانياً، تراجُع الحساسية في الساحة الشمالية بسبب توافق القوات الموجودة في سورية مع إخماد الحرب الأهلية هناك. نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، المؤيد له يهمهما ترسيخ الاستقرار السياسي وسيطرة النظام على أغلبية الأراضي السورية كي يصبح من الممكن البدء بإعادة إعمار سورية. وتتوقع روسيا والنظام السوري أن يربحا من إعادة إعمار سورية إذا جرى العثور على طرف يموله، لكن حتى الآن لا يوجد مثل هذا الطرف. حتى السعودية ودول النفط الأُخرى في الخليج التي حسّنت علاقتها بالأسد مؤخراً لن تسارع إلى المشاركة في إعادة الإعمار ما دامت الولايات المتحدة لم تعترف بشرعية النظام السوري، وما دامت إيران تتمركز عسكرياً واقتصادياً في سورية.
التمركز الإيراني يثير استياء الأسد لأن العمليات الإيرانية تقوّض حكمه وسيادة أرضه. لذا يتفهم هو والروس، حالياً أكثر من الماضي، الهجمات المتتالية التي تُنسب إلى إسرائيل، والتي تلجم الإيرانيين. هذه الهجمات بالطبع تردع المستثمرين، لكن بوتين، الذي يتنافس معه الإيرانيون اقتصادياً ويزعزعون استقرار سورية، يُبدي تفهماً. في الأعوام الأخيرة نشأ في سورية وضع جديد تداخلت فيه مصالح بوتين وبشار الأسد وإسرائيل. نتيجة ذلك تضاءل احتمال نشوء تصعيد مفاجئ في هذه الجبهة. وفي هذا المجال أيضاً يمكن أن نسجل نجاحاً للمعركة بين الحروب.
لكن هذا ليس كل شيء. يوجد في المؤسسة الإسرائيلية مَن يعتقد أنه من أجل التخلص من الإيرانيين على حدودنا، أو على الأقل تقليص وجودهم، يجب انتهاج خطوات غير مباشرة تساعد الأسد على نشر سيطرته على سورية كلها. هناك مسعى سياسي لتجنيد واشنطن لمساعدة الأسد على إعادة إعمار بلده، وكي تصبح الولايات المتحدة مركز ثقل موازياً للنفوذ الروسي في الجبهة الشمالية.
سبب إضافي لتراجُع حساسية الجبهة الشمالية هو "حزب الله" الغارق في تعقيدات سياسية ويُعتبر مسؤولاً، جزئياً على الأقل، عن الأزمة التي يغرق فيها لبنان من دون أمل بالحل. التقدير في الجيش الإسرائيلي أنه في المرحلة الراهنة تراجع استعداد نصر الله لخوض مواجهة مدمرة مع إسرائيل ستزيد في معاناة الشعب اللبناني. والخلاصة أن المعركة بين الحروب على الجبهة الشمالية أعطت نتائج لا بأس بها، ومن المفيد توسيعها.
سبب ثالث لتحسّن وضعنا الأمني هو إقرار ميزانية الدولة التي تسمح للجيش بتسريع خطة رئيس الأركان لإحداث ثورة نظرية وبنيوية في الجيش كما تعبّر عنها خطة "تنوفا" المتعددة السنوات.
في الجيش الإسرائيلي يقدّرون أن أي عملية في "الدائرة الثالثة" (إيران والعراق) ستجر وراءها مواجهة في الساحة الشمالية القريبة، وربما في غزة وداخل إسرائيل. وليس أكيداً أن توجيه ضربة إلى إيران ينهي المهمة. لذا، فيما يتعلق بإحباط قفزة إيرانية نحو سلاح نووي، يستعد الجيش لمعركة طويلة في المدى البعيد والقريب تشمل عمليات برية وأُخرى في العمق. وفي كل الأحوال، هذه الحرب لن تكون قصيرة..
سبب رابع للتفاؤل في مجال الأمن القومي هو التعاون الاستخباراتي والأمني الوثيق والمتعاظم مع دول المنطقة. لا يمكننا التوسع في الموضوع، لكن المناورة الجوية "علم أزرق" التي جرت بقيادة سلاح الجو في إسرائيل، وزيارة قائد سلاح الجو الإسرائيلي عميكام نوركين هذا الأسبوع إلى الإمارات، هي علامات أساسية يمكن الإشارة إليها في هذا السياق.
في جبهة غزة، وبعد عملية "حارس الأسوار" في أيار الماضي جرى التوصل إلى استقرار في مقابل تسهيلات اقتصادية. لكن تبقى هذه الجبهة حساسة جداً كما في الأعوام الماضية. الهدوء الذي يسود الآن هو أطول من الهدوء في الجولات الماضية بسبب المال القطري، والتدخل المصري، والإرادة الحسنة لإسرائيل لتقديم تسهيلات اقتصادية بوتيرة سريعة، بما فيها العمل في إسرائيل. لكن الحساسية لم تتراجع لأن "حماس" والجهاد الإسلامي هما تنظيما مقاومةٍ إسلامية متطرفة، ولأن إسرائيل لا تزال ترفض جزءاً من مطالبهم الاقتصادية، ولأن مفاوضات صفقة تبادل الأسرى والمفقودين في مقابل إطلاق المعتقلين لا تزال معلّقة.
حساسية الجبهة الغزية ستزداد بسبب طلب الجيش من المستوى السياسي عدم السماح لـ"حماس" و"الجهاد الإسلامي" بزيادة قوتهما العسكرية. معنى ذلك أن أي معلومات موثوق بها تدل على مكان أو أشخاص يعملون على زيادة القوة العسكرية، مثل إنتاج صواريخ وقذائف وحفر أنفاق أو إنتاج مسيّرات، ستجري ترجمتها إلى عمل عسكري لإحباطها... نموذج من ذلك إسقاط المسيّرة التي أُطلقت من غزة، وقامت بتحليق "تجريبي" فوق البحر بالقرب من سواحل غزة قبل أسبوع، بصاروخ من "القبة الحديدية". وهذا تغيير واضح في سياسة العمل في الساحة الغزاوية يمكن أن يشعل المواجهات، لكنه مبرَّر من الناحية الأمنية وبالنسبة إلى ظروف المواجهة الكبرى المقبلة.
الجبهة البحرية يسودها الهدوء والاستقرار. ربما لأن إيران وإسرائيل وصلتا إلى وضع من الردع المتبادل. الأمر الذي يسمح للإيرانيين بالتركيز على عمليات بحرية استفزازية ضد الأسطول الأميركي الخامس في الخليج الفارسي وفي خليج عُمان.
في تقدير الجيش السنوي للوضع، في سنة 2022 هناك عامل غامض يتعلق بالمشروع النووي العسكري الإيراني. صحيح أن إيران خففت في الأشهر الأخيرة من وتيرة تخصيب المواد الانشطارية، لكنها راكمت كميات صغيرة من اليورانيوم المطلوب على درجة 60%، ولم تخصّب كل اليورانيوم على درجة 90% من أجل الوصول إلى درجة السلاح...
في المقابل، من الواضح أن النظام الحالي في إيران، برئاسة المرشد الروحي علي خامنئي والرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي، ليس موضع ثقة الغرب. يتساءلون في القدس وفي واشنطن ما إذا كان الإيرانيون سيعودون فعلاً إلى الاتفاق النووي، أم سيعلنون عودتهم إلى طاولة المفاوضات في 29 تشرين الثاني، لكنهم سيماطلون للضغط على بايدن كي يستجيب لمطالبهم.
في الجيش، كما في المستوى السياسي، يدركون أنه لا يمكن اليوم التأثير في سلوك الأميركيين في المسار الدبلوماسي مع إيران. الأميركيون مصرّون على إعادة إيران إلى الاتفاق النووي بواسطة الدبلوماسية، وهم يريدون إجراء هذه المحادثات بكل الطرق. في كل الأحوال، إلى أن تتضح نيات الإيرانيين والأميركيين، على إسرائيل بلورة استراتيجيا متماسكة خاصة بها حيال الموضوع النووي الإيراني، وسيكون من الصعب علينا تلبية مطالب الأميركيين وتنسيق المواقف ومساعدتهم لنا في مواجهة هذا التهديد.

عن "يديعوت"